ما هي خلفية المواقف الدولية من حكومة الوحدة الفلسطينية
الجمل: سوف تعود وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في زيارة جديدة إلى الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة القادمة، ويتضمن جدول أعمال زيارة هذه المرة عقد لقاء مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
يقول ديفيد ماكوفسكي الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن لقاءات كوندوليزا رايس مع أولمرت ومحمود عباس أخذت طابعاً دورياً شهرياً، ويضيف قائلاً بأن المسألة تتمثل فيما إذا كانت الوزيرة الأمريكية ماتزال يتملكها الاعتقاد بأن وفي وسع الطرفين –أي عباس وأولمرت- أن يتفقا تماماً حول ما يمكن أن يشبه (أفقاً سياسياً للحل)، أو على وجه الخصوص: تحديد الإجراءات المؤيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
• خلفيات حكومة الوحدة الفلسطينية:
بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وتصاعد الخلافات الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، على خلفية ضغوط العقوبات الأمريكية الأوروبية، والحملات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتدخل بعض الأطراف العربية، تم التوصل إلى اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس بإشراف سعودي، ومساندة أمريكية.. وبعد فترة من المفاوضات والهدوء النسبي المشوب بالحذر، تم الإعلان عن تكوين حكومة الوحدة الفلسطينية التي ضمت وزراء من حماس وفتح.
• ردود الأفعال:
تقول صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الصادرة اليوم 19 آذار 2007م بأن أولى الصدوع طفت على السطح يوم أمس الأحد، على النحو الذي بات يهدد التوجهات الإسرائيلية- الأمريكية، إزاء حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الجديدة.
وأشار إزابيل كيرشنر (مراسل الصحيفة في القدس) إلى أن مجلس الوزراء الإسرائيلي قد صوت بأغلبية ساحقة مقرراً مقاطعة الحكومة الفلسطينية الجديدة، وفي الوقت نفسه رفضت القنصلية الأمريكية في القدس نفي اتصالاتها مع بعض الفلسطينيين المشاركين في الحكومة الجديدة والذين يرى الأمريكيون بأنهم معتدلين.
أما صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية الصادرة اليوم 19 آذار 2007م، فقد أعد جوشوا ميتينك (مراسلها في تل ابيب) تقريراً اخبارياً أشار فيه تحديداً إلى أن الولايات المتحدة أكدت يوم أمس الأحد، بأنها سوف تتفاهم حصراً مع أعضاء الحكومة الفلسطينية غير المنضوين تحت حركة حماس.
كذلك أشارت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد أكد بأن المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية سوف يتم الاتفاق عليها وفقاً للشروط التي سبق أن حددتها اللجنة الرباعية، ولكن هناك دولاً أوروبية ترغب في إنهاء عقوبات الاتحاد الأوروبي.
برغم تشدد الحكومة الإسرائيلية على حد تعبير مراسل الصحيفة، فقد برزت بعض الأصوات الأكثر ليونة على الجانب الإسرائيلي، ومن أمثلة ذلك:
- عامير بيريتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، وزعيم حزب العمل، صرح قائلاً بأنه يتوجب على إسرائيل التفاوض مع محمود عباس حول صفقة سلام نهائية، وذلك من أجل تعزيز المعتدلين الفلسطينيين وعزل حماس.
- عافي ديختر، وزير الأمن العام وعضو حزب كاديما، صرح قائلاً بأنه يؤيد المحادثات مع أعضاء الحكومة الفلسطينية الجديدة الذين يحترمون الشروط الدولية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل- الالتزام بالاتفاقيات السابقة، ونبذ العنف.
يشير تحليل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي حمل عنوان (عندما يتواءم الفلسطينيون مع بعضهم البعض، ما هي الخطوة التالية للتعاون الأمريكي- الإسرائيلي؟).
يتناول التحليل الموضوع من خلال عدة نقاط، أبرزها:
• إلقاء نظرة على علاقة كوندوليزا رايس، وتسيبي ليفني (وزيرة الخارجية الإسرائيلية):
ترتبط الوزيرتان بعلاقة قوية، وبرغم ثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت على جهود كوندوليزا رايس، فقد كان شديد التشكك والريبة في قدرتها على إحداث اختراق حقيقي، عندما كان كل من ايهود أولمرت ومحمود عباس يعانيان الكثير من المشاكل، فقد كان اولمرت ضعيفاً بعد هزيمة الجيش الإسرائيلي على يد رجال حزب الله اللبناني، وكان محمود عباس ضعيفاً بعد انتصار حماس وسيطرتها على الشارع الفلسطيني.
أما وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني فقد كانت –بعكس أولمرت- أكثر اقتناعاً بأفكار كوندوليزا رايس، ويشير التحليل إلى أن المرأتين كانتا تتوافقان بالأساس بسبب:
- تشابه طريقة التفكير الذرائعي البراغماتي لكل منهما.
- ميلهما المشترك من أجل ضرورة التوصل إلى أفق سياسي جديد.
• العلاقة مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية:
أبدت كل من إسرائيل وأمريكا الامتعاض وعدم الرضا إزاء اتفاق مكة، ولم ترفضانه بشكل نهائي، وعلى ما يبدو فإن السبب الرئيسي وراء ذلك يتمثل في إصرار أمريكا على عدم إغضاب السعوديين الذين تحاول الإدارة الأمريكية الاستعانة بهم وإدخالهم إلى دائرة الشراكة في الملفات الشرق أوسطية.
• المبادرة العربية والقمة العربية:
يقول تحليل معهد واشنطن بأن القمة العربية، المقرر عقدها في نهاية هذا الشهر، لا يتوقع منها إجراء تعديلات على مبادرة سلام قمة بيروت 2002م، وأشار إلى حديث السيد عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، الذي قال فيه بأن الجامعة العربية لن تقوم بإجراء أي تعديل على مبادرة عام 2002م، والتي –كما يقول معهد واشنطن- تنص صراحة على أن الجامعة العربية سوف تقوم حصراً بتطبيع العلاقات والروابط مع إسرائيل، إذا انسحبت إسرائيل من كامل الضفة الغربية، القدس الشرقية، الجولان، وسمحت بالعودة لعدد غير محدد من اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم.
وعموماً يمكن القول:
إن التوافق الذي أدى لميلاد اتفاقية مكة وحكومة الوحدة الوطنية، كان يستند إلى رغبة مشتركة: أمريكية- إسرائيلية- أوروبية، وعملت الوزيرتان تسيبي ليفني، وكوندوليزا رايس على دعمه.. ومن سخرية القدر أن يكون هذا التوافق سبباً للخلاف والتصدع في التوجهات الأمريكية- الإسرائيلية.. وهو خلاف أصبح واضحاً على المستوى المعلن، أما على المستوى غير المعلن فربما يكون اختلافاً متفقاً عليه بين الطرفين على سبيل توزيع الأدوار، من أجل استمرار سيناريو الشراكة الأمريكية- الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط.
تحليل معهد واشنطن كشف عن سيناريو جديد، يتم العمل على تنفيذه في الخفاء، وهو سيناريو دفع القمة العربية القادمة لكي تعدل مبادرة سلام عام 2002م بما يتناسب مع الموقف الإسرائيلي، وتشير التكهنات إلى الآتي:
• يريد الإسرائيليون فرض استراتيجيتهم الجديدة للتعامل مع العرب، وهي (استراتيجية السلام مقابل السلام)، وذلك بدلاً من (استراتيجية الأرض مقابل السلام) السابقة.
• وفقاً للاستراتيجية الجديدة يريد الإسرائيليون إلغاء مبدأ المطالبة بالآتي:
- الانسحاب من القدس.
- الانسحاب من الجولان.
- الانسحاب من الضفة الغربية.
- ترك موضوع إقامة الدولة الفلسطينية، لقناعة الإسرائيليين وحرية قرارهم.
• الضغوط من أجل تعديل مبادرة سلام قمة بيروت 2002م، تتم حالياً بواسطة الإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، على السعودية والمغرب وتونس وبلدان الخليج، ربما حكومة المالكي وحكومة السنيورة باعتبار هذه الأطراف تمثل (الكومبارس) الأمريكي، أو (اللوبي الإسرائيلي) في القمة العربية، وتركز الضغوط الأمريكية على ضرورة أن تقوم القمة العربية بتعديل المبادرة، وذلك من أجل (تحريك الجمود) الحالي، مع الوعود بتقديم (الدعم الأمريكي) لأقصى حد من أجل إنجاح (المبادرة المعدلة).
• الملف الفلسطيني سوف يظل شائكاً، وكل ما يحدث حالياً هو قيام أمريكا وإسرائيل بدفع الأمور باتجاه التهدئة، وذلك من أجل:
- دفع الفصائل الفلسطينية إلى قطع علاقاتها مع إيران وسوريا، والتحالف مع السعودية بما يؤدي لاحقاً إلى تعزيز قدرة أمريكا وإسرائيل في السيطرة على الأوضاع في الساحة الفلسطينية.
- إيهام السعوديين وبقية معسكر (المعتدلين العرب) مثل الأردن، ومصر، والمغرب بأن ثمة حل ممكن قادم إذا تم تعديل المبادرة.
بعد اجتماع القمة العربية، سوف يتضح للجميع بأن الخلاف الأمريكي- الإسرائيلي حول الحكومة الفلسطينية هو خلاف تكتيكي يهدف فقط إلى:
- عزل إيران.
- إضعاف سوريا.
- تعديل المبادرة.
وذلك من أجل نقل ملف صراعات الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة، سوف تتضح معالمها بعد أن ينفض سامر الرؤساء العرب من قمة الرياض بين مؤيد لأمريكا، ورافض للسيطرة الصهيونية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد