الخسائر الاقتصادية المقدّرة لروسيا جراء الأزمة الأوكرانية
عبد الخالق فاروق:
لا شك في أن حالة الحصار والحرب الاقتصادية التي يشنّها حالياً التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد روسيا، سوف تؤدي إلى كثير من الأضرار والخسائر لدى روسيا كدولة، وروسيا كشعب ومجتمع، وخاصة إذا استمرت هذه الحرب لأشهر طويلة مقبلة، حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا والانتصار الروسي المرجّح فيها. كما أنها سوف تؤدي في المقابل إلى خسائر هائلة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي عموماً، وفي الاقتصاد الأوروبي خصوصاً.
ربما تقلّل من بعض تلك الخسائر والأضرار، مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تحوّطت لها القيادة الروسية منذ أزمة عام 2014، وإجراءات أخرى دفاعية سوف تتخذها من الآن فصاعداً.
والحقيقة أن الخسائر الاقتصادية الهائلة المتوقعة من جرّاء هذه الأزمة العاصفة سوف تمتد بآثارها وتبعاتها على نطاق عالمي أوسع بكثير من أطرافها المباشرين. ومن هنا، ولأغراض التحليل، ينبغي أن نتوقف عند ثلاثة عناصر في تقييم وتحليل تلك الآثار والتبعات هي:
أولاً: ما هي الخسائر والأضرار المتوقعة على الاقتصاد والمجتمع والدولة الروسية؟
ثانياً: ما هي الخسائر والأضرار المتوقعة على دول الاتحاد الأوروبي والتحالف الغربي؟
ثالثاً: ما هي الخسائر والأضرار المتوقعة التي سوف تصيب أطرافاً آخرين خارج نطاق الصراع المباشر؟ وخصوصاً في بعض البلدان العربية، ومن بينها مصر؟
وبصرف النظر عن التبعات السياسية والاستراتيجية لهذه الأزمة واحتمالات تدحرجها وتوسّعها أوروبياً وعالمياً، فسوف نتعرض هنا فقط إلى الأبعاد الاقتصادية المباشرة.
بالنسبة إلى الخسائر والأضرار المباشرة المتوقّعة على روسيا، ينبغي، لأغراض التحليل، أن نتساءل:
– ما هي المجالات التي سوف تتضرّر أكثر؟
– وما هو حجم الخسائر المقدّرة على روسيا؟
– وما هو المدى الزمني المقدّر لهذه الحرب الاقتصادية؟
– وكيف ستواجه الدولة الروسية وحلفاؤها هذه الحرب الضروس؟
ووفقاً للقرارات الأولية للمقاطعة الاقتصادية الغربية لروسيا منذ بداية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير عام 2022، والآخذة في التصاعد، نستطيع أن نحدّد مجالات الخسائر التي ستصيب الاقتصاد الروسي في الأشهر الأولى من هذه الأزمة على النحو التالي:
1- تجميد الأصول والاحتياطيات المالية المملوكة لروسيا، سواء كأفراد أم كشركات أم كحكومة روسية.
2- خسائر سريعة وأوّلية في انخفاض قيمة الأصول من الأوراق المالية الروسية، مثل الأسهم والسندات في الخارج.
3- خسائر في عوائد الإيداعات المصرفية الاستثمارية في البنوك الأميركية والأوروبية.
4- خسائر في انخفاض قيمة الصادرات السلعية والخدمية الروسية لدول التحالف الغربي.
5- خسائر في انخفاض الواردات الضرورية ومستلزمات التشغيل، حتى تتمكن روسيا من إيجاد بدائل مناسبة لها.
6- خسائر في قطاع النقل الجوي وشركات الطيران، سواء بسبب إغلاق المجال الجوي الأوروبي والأميركي والكندي أم بسبب انخفاض حركة الطيران أم حظر توريد قطع الغيار وأعمال الصيانة.
7- خسائر في عوائد السياحة الغربية إلى روسيا.
8- خسائر بسبب انسحاب عدد كبير من الشركات الغربية من المشروعات المشتركة في روسيا.
9- خسائر ناتجة عن إخراج البنوك الروسية، بعضها أو حتى كلها، من نظام التحويلات المالية بالدولار الأميركي (سويفت) SWIFT.
10- مصادرة أو التحفظ على أموال رجال أعمال روس ينشطون في اقتصادات الدول الغربية.
وخلال أسبوعين فحسب من اندلاع نيران المعارك بين روسيا وأوكرانيا (الـ 24 من شباط/ فبراير حتى الـ 9 من آذار/ مارس 2022) كان قد صدر ما يزيد على 5530 قراراً غربياً بمقاطعة روسيا في مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية والرياضية كافة، وإذا أضفنا إليها القرارات المتخَذة ضد روسيا البيضاء (بيلاروسيا)، فإن الرقم قد يقارب 6 آلاف قرار وإجراء ضد شخصيات وكيانات وشركات وهيئات في هاتين الدولتين.
وتتوزع هذه القرارات وفقاً لمؤسسة بلومبرغ الأميركية بين 568 عقوبة من قبل سويسرا التي تُعَدّ، لسخرية القدر، خزانة أموال معظم سارقي أموال شعوب العالم الثالث، و512 عقوبة فرنسية و518 أوروبية و243 أميركية. وهكذا أصبحت روسيا الدولة الأكثر “حصاراً” في العالم خلال نحو أسبوعين، وهذه القرارات بدأت بالاقتصاد مروراً بـ”جواز السفر” وانتهت بالرياضة، وفقاً لـ Castellum.ai، وهي قاعدة بيانات عالمية لتتبّع العقوبات.
وقد وصف “بيتر بياتسكي”، المسؤول السابق في وزارة الخزانة في إدارتي الرئيسين “باراك أوباما” و”دونالد ترامب”، والذي شارك في تأسيس Castellum.ai، ذلك بأنها “حرب نووية مالية وأكبر حدث عقوبات في التاريخ… لقد تحولت روسيا من كونها جزءاً من الاقتصاد العالمي إلى أكبر هدف منفرد للعقوبات العالمية، ومنبوذة مالياً في أقل من أسبوعين”.
وقد شملت أوجه المقاطعة، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، الشركات الأوروبية العاملة في روسيا، مثل شركات الطاقة الفرنسية والمتاجر الإيطالية الفاخرة ومصانع السيارات الألمانية والبنوك والمؤسسات المالية الدولية وشركات البترول الكبرى(1).
وبالتزامن، يتزايد عدد الشركات العالمية المنسحبة من مشروعات مشتركة مع روسيا، أو من شركات ذات أصول مشتركة. وقد انضمّت توتال إلى شركتي (شل) وبي بيBp البريطانيتين في الانسحاب من مشروعات أو أصول مشتركة مع روسيا، لاحتمال أن تضرّها العقوبات الموقّعة على روسيا. وأوضحت “نيويورك تايمز” أنه رغم وضع العقوبات التي تشمل منع الحكومة والبنوك الروسية من الاقتراض في الأسواق المالية العالمية، ومنع استيراد التكنولوجيا وتجميد أصول الروس المؤثرين، أعلنت شركة «توتال إنرجي» الفرنسية العملاقة للطاقة يوم الثلاثاء 29/2/2022 أنها «ستتوقف عن تخصيص رؤوس أموال لمشاريع جديدة في روسيا»، على خلفية غزو أوكرانيا، لكن من دون سحب المشاريع القائمة أساساً، بحسب بيان تلقّته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتمتلك توتال إنرجي 19.4% من أسهم شركة (نوفاتيك الروسية) العملاقة للغاز، وتسهم بنسبة 20% في رأسمال شركة «يمال»، وهو مشروع انطلق نهاية 2017، وأنتج أكثر من 18 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في 2020. كما تمتلك الشركة كذلك مساهمة نسبتها 10% في مشروع (Arctic LNG 2) في شمال البلاد، الذي من المقرر أن تخرج منه أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال عام 2023.
كما أعلنت الشركة البريطانية العملاقة للنفط والغاز «شل» بتاريخ 28/2/2022 أنها ستتخلى عن حصصها في عدة مشاريع مشتركة مع مجموعة «غازبروم» الروسية، على غرار شركة «بي بي».
وأشارت المجموعة إلى أن قيمة أسهمها بلغت 3 مليارات دولار في نهاية العام 2021، وحققت ربحاً قدره 700 مليون دولار العام الماضي (2021). وحذّرت المجموعة من أن بيعها سيكون له تأثير مالي سيؤدي إلى انخفاض قيمة أسهمها. وأضافت المجموعة أنها تعتزم إنهاء استثمارها في خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذي بنَتهُ، وجمّدته ألمانيا، وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، كما موّلت «شل» ما يصل إلى 10% من تكلفة المشروع المقدّر بحوالى 9.5 مليارات يورو.
ولم تنجُ مجموعة «شل» من الأزمات في مشاريعها الروسية. ففي عام 2007 فقدت الشركة السيطرة على «سخالين – 2» لصالح «غازبروم»، مع استيلاء الدولة الروسية على أصول الطاقة القيّمة في البلاد، وقبلت المجموعة لاحقاً بخفض حصتها من 55% إلى 27.5%(2).
وبينما نجد لبعض الشركات المتعددة الجنسيات، وخاصة في ألمانيا، علاقات تجارية مع روسيا منذ قرون، مثل (دويتشه بنك) وشركة (سيمنز)، وهي الشركة الأم لشركة (سيمنز إنيرجي) المنتج الرئيسي للتوربينات والمولدات، اللذين يمارسان الأعمال التجارية هناك منذ أواخر القرن التاسع عشر، واستمرت خلال الحرب الباردة، فقد سحبت (دويتشه بنك)، تعاملاتها في روسيا بعد استعادتها شبه جزيرة القرم عام 2014.
وقال كريستيان بروش، الرئيس التنفيذي لشركة (سيمنز إنرجي)، إن “الهجوم على أوكرانيا يمثل نقطة تحول في أوروبا”، وأضاف: “يتعيّن علينا كشركة الآن أن نحلّل بالضبط ما يعنيه هذا الموقف لأعمالنا”. كما علّق المستشار الألماني أولاف شولتس المصادقة على خط أنابيب الغاز الطبيعي مع روسيا (نورد ستريم 2) كجزء من العقوبات التي فرضتها برلين على موسكو بسبب الأزمة مع أوكرانيا.
ووسط هذا التصعيد، تواجه الأصول الروسية في العديد من دول العالم – بما فيها السندات والأسهم والشركات الخاصة والعامة – ما يعتبره البعض «محرقة أصول»، إذ يجري التخلص منها على قدم وساق، ما يجعلها بخسة الثمن، مهدّدة بتقليص حجم الاقتصاد الروسي بسرعة كبيرة.
فقد أوقفت بورصتا نيويورك للأوراق المالية وناسداك الأميركيتان تداول أسهم العديد من الشركات الروسية، في أعقاب أحدث موجة من العقوبات الأميركية. وأكدت بورصة ناسداك أنها «أوقفت مؤقتاً تداول أسهم خمس شركات روسية مسجّلة لديها»، في حين لم تعلّق بورصة نيويورك للأوراق المالية على الأمور.
وشمل قرار وقف التداول أسهم شركات محرّك البحث على الإنترنت (ياندكس) وشركة التجارة الإلكترونية (أوزون هولدنغز) والخدمات المالية (كيووي) ومجموعة الاتصالات (موبايل تيليسيستمز) وشركة الصلب والفحم (ميشيل)، ولم يصدر تعليق من هذه الشركات حتى الآن، حيث ما زال وقف التداول مجرد تعليق مؤقت وليس شطباً نهائياً من البورصتين.
وتضمنت عقوبات الاتحاد الأوروبي منع عدد من البنوك الروسية من التعامل بنظام التحويل البنكي (سويفت)، بهدف حرمانها التحويلات المالية الدولية، وتجميد أصول مملوكة للبنك المركزي الروسي للحد من إمكانية وصول روسيا إلى مواردها المالية في الخارج، واستهداف 70% من الأسواق المالية الروسية والشركات الكبرى المملوكة للدولة، بما فيها الشركات المملوكة لوزارة الدفاع، واستهداف قطاع الطاقة بمنع الصادرات التي يحتاج إليها قطاع إنتاج الطاقة في روسيا، ومنع بيع قطع غيار الطائرات للشركات الروسية، ومنع بيع السلع ذات التقنية العالية لروسيا.
وهكذا، فإن دول التحالف الغربي (الناتو)، علاوة على اليابان وكوريا الجنوبية، التي تمثّل نصف اقتصاد العالم، تستخدم كل أدوات القوة الاقتصادية ضد دولة تمثل 2٪ من الاقتصاد العالمي(3).
وقد صرّح وزير المالية الفرنسي (برونو لومير)، الثلاثاء، الأول من آذار/ مارس، بأن العقوبات الغربية على موسكو “بسبب غزوها أوكرانيا ستدفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار، مع إطلاق العنان لحرب اقتصادية عليه”، مؤكداً في مقابلة مع «فرانس إنفو» “أننا سندفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار، وميزان القوى الاقتصادي والمالي يميل كلياً لصالح الاتحاد الأوروبي الذي يكتشف الآن قوته الاقتصادية”(4).
وأعلن الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات على رحلات الطيران التابعة للشركات الروسية، ما يعني أنها غير قادرة على التحليق فوق الأجواء الأوروبية ولا الهبوط في أي من مطارات الدول الأعضاء. كما أعلن الرئيس الأميركي عدة عقوبات ضد مجموعة من البنوك الروسية وشخصيات بارزة، وقال إن بلاده بالتعاون مع حلفائها ستمنع ما يزيد على نصف الواردات الروسية، من السلع ذات التقنية العالية، التي تُستخدم في الصناعات العسكرية.
وجمّدت ألمانيا منح تصاريح لخط (نورد ستريم2) الروسي المخصّص لتصدير الغاز إلى أوروبا، وفرضت أستراليا عقوبات على الأثرياء الروس، وأكثر من 300 من البرلمانيين الروس، الذين صوّتوا بالسماح بإرسال الجيش إلى أوكرانيا.
وفرضت اليابان عقوبات على مؤسسات وشخصيات روسية، وعلّقت صادرات عدة سلع إلى روسيا، منها صادرات أشباه الموصلات Semiconductors، وكذلك فرضت بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا عقوبات على بيلاروسيا لدورها في تسهيل الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقد تزايدت موجة خروج الشركات من السوق الروسية، وهو ما يزيد من أوجاع الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من موجة تضخم مرتفع وانخفاض كبير في عملته المحلية (الروبل) مقابل الدولار الأميركي، حيث انخفض خلال عدة أيام من 79 روبلاً/ للدولار إلى 97 روبلاً/ للدولار في أول آذار/ مارس 2022.
وتضم قائمة الهاربين من روسيا، عشرات الشركات الضخمة، بما في ذلك “آبل” و”ديزني” و”فورد”، وشركة “وارنر ميديا”، كما توقفت الاستوديوهات الترفيهية العاملة في روسيا، وأعلنت “إكسون موبيل” أنها سوف تنسحب من آخر مشروع روسي لها للنفط والغاز في روسيا، وعدم الاستثمار في التطورات الجديدة، بينما قالت “بوينغ” إنها علقت عملياتها الرئيسة في موسكو. وبالمثل، تحرك اللاعبون العالميون الآخرون في مجال الطاقة، بما في ذلك “بي بي” BP و”شل”.
وفي قطاع السيارات، أعلنت شركة “فورد”، الأميركية، تعليق عملياتها في روسيا. وتمتلك الشركة حصة تبلغ 50% في شركة “فورد سوليرز”، وهو مشروع مشترك يوظف 4000 شخص على الأقل، وتجري مشاركته مع شركة “سوليرز” الروسية، حيث توجد ثلاثة مصانع في المدن الروسية الثلاث (سانت بطرسبرغ) و(إيلابوجا) و(نابريجني تشيلني)، وتشير الشركة إلى أنها “أوقفت بشكل كبير” عملياتها الروسية في السنوات الأخيرة.
كما أعلنت شركة “جنرال موتورز” أنها أوقفت جميع الصادرات إلى البلاد “حتى إشعار آخر”، بالرغم من أنه ليس لدى الشركة وجود كبير هناك، فهي تبيع فقط نحو 3000 مركبة سنوياً، من خلال 16 موقعاً للتجار، وهذا من بين أكثر من ستة ملايين سيارة تبيعها الشركة الموجود مقرها الرئيسي في ديترويت، سنوياً، في جميع أنحاء العالم.
وفي قطاع الطيران، علّقت شركة “بوينغ” دعمها لشركات الطيران الروسية. وأكد متحدث باسم الشركة أنها أوقفت مؤقتاً قطع الغيار والصيانة وخدمات الدعم الفني لشركات الطيران الروسية، وعلقت أيضاً العمليات الرئيسية في موسكو، وأغلقت مكتبها مؤقتاً في كييف.
وتبعت شركة “إيرباص” شركة “بوينغ” في الموقف نفسه، حينما أعلنت أنها “علّقت خدمات الدعم لشركات الطيران الروسية، وكذلك توريد قطع غيار للبلاد”. كما توقفت شركة “ميرسك” عن عمليات الشحن في روسيا.
وتصدّرت شركة “آبل” قائمة الشركات الهاربة من السوق الروسية في قطاع التكنولوجيا، إذ أعلنت الشركة، في بيان، عن توقف بيع منتجاتها في روسيا، وتحركت أيضاً لتقييد الوصول إلى الخدمات الرقمية، مثل “آبل باي” داخل روسيا، وقيّدت توافر تطبيقات وسائل الإعلام الحكومية الروسية خارج البلاد(5).
وانضمت شركتا أميركان إكسبرس و(نيتفليكس) إلى القائمة المتزايدة من الشركات التي تنسحب أو تعلق عملياتها في روسيا، بسبب العقوبات، على الرغم من أنها ليست ملزمة قانوناً بالقيام بذلك، إضافة إلى العقوبات الرياضية، حيث أوقفت مختلف الهيئات حتى الآن الفرق الروسية من المسابقات أو جرّدت البلاد من حقّها في استضافة الأحداث والبطولات، بعد بدء العملية الروسية في أوكرانيا.
ولم تقف العقوبات عند هذا الحد، بل طالت القطط الروسية، حيث قرّرت جمعية دولية لمحبّي القطط فرض قيود صارمة على القطط التي تُربّى في روسيا، وتلك التي تنتمي إلى أشخاص يعيشون في روسيا، وهي أحدث عقوبة وسط الصراع الروسي الغربى.
وفي المقابل، أكد رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، أن الشركات الغربية تتخذ قرارات بسبب “الضغط السياسي”، كذلك أشار إلى أن روسيا تعدّ مشروع قرار للحدّ من خروج قطاع الأعمال الأجنبي من روسيا، وقال: “في ظل العقوبات الغربية الحالية، يضطر قطاع الأعمال الأجنبي إلى عدم الاسترشاد بالعوامل الاقتصادية، بل واتخاذ قرارات تحت الضغط السياسي، لذلك تمّ إعداد مشروع مرسوم رئاسي لفرض قيود مؤقتة على خروج قطاع الأعمال الأجنبي من الأصول الروسية، وسيتم منعه من بيع الأصول الروسية، وأن الحكومة تعدّ مجموعة من التدابير رداً على العقوبات الغربية”.
وجاء ذلك في اجتماع حكومي عقد يوم الثلاثاء 1/3/2022 لمناقشة الشؤون الاقتصادية في ظل العقوبات الغربية التي تفرض على روسيا. وقال ميشوستين إن الحكومة الروسية ستخصّص من صندوق الرفاه الوطني (صندوق سيادي) قرابة تريليون روبل (نحو 10 مليارات دولار) لشراء أسهم في الشركات الروسية المتضرّرة من العقوبات الغربية.
ولفت ميشوستين إلى أن الحكومة الروسية دعمت في السنوات الأخيرة بنشاط برامج إحلال الواردات، كما أنها عملت على جذب المصنّعين والشركات إلى البلاد من أجل زيادة إنتاج السلع والبضائع في روسيا.
وقد أعلن البنك المركزي ووزارة المالية في روسيا عن حزمة إجراءات تاريخية لتحقيق الاستقرار المالي في البلاد، ومن هذه الإجراءات رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى 20%، كذلك إلزام المصدّرين في روسيا ببيع 80% من عائدات النقد الأجنبي(6).
فإذا تأملنا النتائج والتبعات والخسائر المتوقّعة على الاقتصاد الروسي، في مرحلتها الأولى، من جرّاء هذه التصرفات والإجراءات العقابية من جانب الشركات الغربية، مدفوعة طبعاً من حكوماتها، نستطيع أن نقدّر هذه الخسائر على النحو التالي:
1- هناك خسائر متمثلة في تجميد الولايات المتحدة والبنوك المركزية في دول الاتحاد الأوروبي نحو 250 مليار دولار من أموال الاحتياطيات الرسمية الروسية، وفقاً لما أعلنه الرئيس الأميركي، وكانت روسيا قد حققت احتياطياً نقدياً يقدّر بنحو 643.2 مليار دولار، حتى الـ 25 من شباط/ فبراير 2022، وهو ما يعدّ رقماً قياسياً، إذ يعادل أكثر من 17 شهراً من عائدات الصادرات الروسية، أي إنه من بين 643.2 مليار دولار هي قيمة الاحتياطيات الروسية، جرى سلخ – أو سرقة بالمعنى الحقيقى للكلمة – ثلثها تقريباً. وقد تشكّل الاحتياطي لروسيا من عدة مكوّنات، منها 32% في صورة يورو أوروبي، و13% في صورة يوان صيني، و16.4% في صورة دولارات أميركية، و1.7% في صورة ذهب، و2.5% في صورة حقوق سحب خاصة SDR صادرة من صندوق النقد الدولي. كما أن هذا الاحتياطي النقدي لروسيا قد توزّع بين 60% منه داخل روسيا أو لدى دول صديقة كالصين (أي نحو 380.0 مليار دولار)، والباقى وقدره 40% خارج روسيا لدى مصارف وبنوك مركزية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وهو الذي تعرّض للتجميد. وهذا درس آخر تتعلمه الشعوب من إيداع أموالها لدى المصارف والبنوك الأميركية والأوروبية والبريطانية، تماماً كما قامت بريطانيا من قبل بتجميد الاحتياطي الذهبي المملوك لدولة فنزويلا منذ عام 2019.
2- خسائر بسبب تخلّي المستثمرين عن الأصول الروسية من الأسهم والسندات وقدرها 170 مليار دولار، حيث انهارت الأسعار، بحيث يجري تداول ديون روسيا بالدولار بنحو 20 سنتاً على الدولار، بينما انخفض مؤشر “إم إس سي آي”MSCI) ) الذي يتتبّع الأسهم الروسية المتداولة في لندن ونيويورك أكثر من 90% هذا العام. وتظهر بيانات بورصة موسكو أن إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم الروسية بلغ 86 مليار دولار في نهاية عام 2021، كما يمتلك المستثمرون الأجانب وفقاً للبنك المركزي نحو 20 مليار دولار من ديون روسيا بالدولار، والسندات السيادية المقوّمة بالروبل بقيمة 41 مليار دولار، في حين تقدّر “جي بي مورغان” حيازات ديون الشركات بنحو 21 مليار دولار.
3- خسائر مترتّبة على قرارات مقاطعة بعض البنوك الروسية، ومنع أكبر بنكين في روسيا هما (سبيربنك) و(VTB) من التعامل بالدولار الأميركي. كما قام الغرب بإزالة سبعة بنوك روسية من نظام التحويلات المالية العالمية SWIFT، وهي خدمة الرسائل العالمية التي تربط المؤسسات المالية وتسهّل المدفوعات السريعة والآمنة.
4- ستؤدي الأزمة إلي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة قد تصل إلى 2.6%، بالمقارنة مع التوقعات السابقة التي كانت تبشّر بمعدل نموّ يزيد على 4.5% في عام 2022، إذ أسفر انهيار سعر صرف الروبل عن صعود معدل التضخم بنسبة وصلت إلى 20%، وفقاً لبعض التقديرات الغربية.
5- وقدّرت الخسائر المباشرة من العمليات الحربية – بما في ذلك المعدات العسكرية التي تمّ تدميرها، وسقوط ضحايا بين الأفراد، في الأيام الخمسة الأولى للحرب، بنحو 7 مليارات دولار، كما من المتوقع أن تشكل الخسائر في الأرواح البشرية وحدها 2.7 مليار دولار. وعلاوة على ذلك، فإن حجم التعبئة – بما في ذلك اللوجستيات والأفراد والذخيرة والوقود وإطلاق الصواريخ وما إلى ذلك – سيكلف المزيد من الأموال كل يوم. ووفقاً لتقديرات أجراها مركز التعافي الاقتصادي وشركة الاستشارات Cavetti& Easy Business وذكرها موقع “Consultancy”، فإن التكاليف اليومية للحرب على الخزانة الروسية تتجاوز ملياري دولار يومياً.
6- خسائر لكبار الأثرياء الروس، المرتبط بعضهم بالقيادة الروسية، تقدّر بنحو 83.0 مليار دولار، من أمثال “جينادي تيمشينكو” و”أليشر عثمانوف” ومالكي مجموعة ألفا “ميخائيل فريدمان” و”بيتر أفين”، وقطب صناعة الصلب (أليكسي مورداشوف) و”رومان أبراموفيتش” أحد أكثر المليارديرات شهرةً، حيث يمتلك نادي تشيلسي لكرة القدم، الذي تقدّر قيمته بنحو ملياري دولار، وأصول أخرى من بينها حصة في شركة صناعة الصلب Evraz Plc، وشركات الطاقة Velocys Plc وAFC Energy Plc، في حين أن حصته في شركة التكنولوجيا Yandex مدرجة في الولايات المتحدة. كما يمتلك عقارات في “إسرائيل”، التي يحمل جواز سفرها، وفي فرنسا، إضافة إلى قصر بالقرب من قصر كينسينغتون. وتظهر سجلات الممتلكات في نيويورك أنه نقل قصراً ضخماً في القسم الشرقي العلوي إلى زوجته السابقة في عام 2018. ويقدّر بعض المصادر الغربية ثروة زوجة أبراموفيتش، البالغة من العمر 55 عاماً، والتي ليست مدرجة حالياً في قائمة عقوبات المملكة المتحدة، بنحو 13.9 مليار دولار، وفقاً لمؤشر الثروة في بلومبرغ.
وهرباً من عقوبات الاتحاد الأوروبي، فقد غادرت طائرة “عثمانوف” من طراز إيرباص A340 ميونيخ، تاركة المجال الجوي للاتحاد الأوروبي. أما (فاجيت أليكبيروف)، رئيس شركة لوك أويل Lukoil PJSC، فقد انخفضت ثروته بنحو 13 مليار دولار هذا العام، وهو أكبر انخفاض بين 22 مليارديراً روسياً على مؤشر بلومبرغ للمليارديرات. كما شهد (ليونيد ميخلسون)، المساهم في شركة نوفاتك Novatek خسارة 10.2 مليارات دولار من ثروته في عام 2022 (7).
7- بالنسبة إلى تجارة روسيا الخارجية عام 2021، فقد بلغت نحو 684.5 مليار دولار، بزيادة 37.9% عن العام 2020. وبلغت صادرات السلع والخدمات والسلاح من روسيا 388.4 مليار دولار، بزيادة 45.7% عن العام السابق، أما الواردات فقد بلغت 296.1 مليار دولار، بزيادة 26.5%، وفقاً لبيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية FCS)). وكان أكبر خمسة شركاء تجاريين لروسيا يستحوذون على ما نسبته 86.9% من إجمالي التجارة في عام 2020، وهم الصين (بقيمة 112.4 مليار دولار)، وألمانيا (بقيمة 46.1 مليار دولار)، وهولندا (بقيمة 37 مليار دولار)، والولايات المتحدة الأميركية (بقيمة 29.7 مليار دولار). وقد بلغ الفائض في ميزان التجارة الخارجية للسلع الروسية نحو 92.3 مليار دولار أميركي. وبالإجمال، فإن ثلث الصادرات الروسية يذهب إلى الاتحاد الأوروبي، و12% إلى الصين.
وتعدّ الصين أهم دولة لروسيا من حيث التصدير بعد دول الاتحاد الأوروبي، حيث تستحوذ على نحو 12% من الصادرات الروسية. وتأتي هولندا بعد الصين، ثم ألمانيا، وبعدها إيطاليا وكوريا الجنوبية وبولندا، في حين أن الولايات المتحدة لا تتجاوز نسبة وارداتها من روسيا 3.0% فقط، حيث تحتل المرتبة الثانية عشرة من وجهات التصدير الروسية، فيما تأتي خلفهم اليابان بحصة 2%. وتتوزع أهم الصادرات الروسية كالتالي (8):
النفط الخام (بنسبة 19%)، المنتجات النفطية (12%)، الغاز الطبيعى (بنسبة 10%)، الديزل (بنسبة 5%)، الوقود السائل (بنسبة 4%)، الآلات والمعدات (بنسبة 6%)، الفحم (بنسبة 3%)، القمح (بنسبة 2%)، الألومينيوم غير المشغول (بنسبة 1%)، المنتجات الزراعية والسلع الأخرى (بنسبة 33%)، أي إن صادرات روسيا من النفط الخام والمكرّر والغاز الطبيعى والديزل والوقود السائل نحو 54% من إجمالي الصادرات.
أما صادرات روسيا من المنتجات الزراعية البالغة 71 مليون طن فقد بلغت عام 2020 نحو 30.5 مليار دولار، زادت في العام التالي (2021) إلى 37.7 مليار دولار، بزيادة 7.2 مليارات دولار. ومن أبرز صادرات المنتجات الزراعية الروسية عام 2021 محاصيل الحبوب، حيث تم تصدير حبوب بقيمة 11.5 مليار دولار، بزيادة نسبتها 12% عن العام السابق، ثم الدهون والزيوت لتصل إلى 7.3 مليارات دولار، إذ نمت صادرات هذه المنتجات في العام الماضي بنسبة 48%، فيما زادت صادرات الأسماك والمأكولات البحرية وبلغت 7.3 مليارات دولار، بينما صعدت صادرات اللحوم ومنتجات الألبان إلى 1.6 مليار دولار في 2021، أما منتجات الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية فقد بلغت 5.2 مليارات دولار.
ومن أبرز الدول المستوردة للمنتجات الزراعية الروسية دول الاتحاد الأوروبي، حيث اشترت منتجات زراعية من روسيا في العام 2021 بقيمة 4.7 مليارات دولار، بزيادة نسبتها 41% عن العام 2020، ثم تأتي في المرتبة الثانية تركيا التي استوردت منتجات زراعية من روسيا بقيمة 4.33 مليارات دولار (زيادة 38% مقارنة بـ2020)، فيما احتلت الصين المرتبة الثالثة، حيث استوردت منتجات زراعية روسية بقيمة 3.6 مليارات دولار. أما المرتبة الرابعة فكانت من نصيب كازاخستان، إذ اشترت منتجات زراعية من روسيا بقيمة 2.8 مليار دولار، تليها في المرتبة الخامسة كوريا الجنوبية، بمشتريات بلغت 2.5 مليار دولار.
واللافت أن قيمة صادرات المنتجات الزراعية تجاوزت قيمة صادرات الأسلحة الروسية بنحو 2.5 مرة، حيث تشير البيانات إلى أن صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية بالمتوسط بلغت نحو 13 مليار دولار، وتباع إلى أكثر من 50 بلداً.
أما صادرات القمح فإن روسيا تكاد تهيمن عليها عالمياً. فبينما تبلغ صادرات القمح عالمياً 203 ملايين طن، فإن روسيا تأتي في المرتبة الأولى عالمياً من حيث التصدير بـ37.3 مليون طن، تليها أميركا وكندا بـ26.1 مليون طن، وأوكرانيا في المركز الرابع بـ18.1 مليون طن. ويتجه أغلب القمح الروسي والأوكراني إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. أما من حيث الإنتاج فإن الصين تمتلك أكبر محصول للقمح بـ135 مليون طن، ثم الهند في المرتبة الثانية بـ103 ملايين طن، وروسيا في المرتبة الثالثة بـ77 مليون طن، وأوكرانيا السابعة عالمياً بـ28 مليون طن.
ومن أبرز مشتري الحبوب من روسيا احتلت تركيا المرتبة الأولى في قائمة أكبر مشتري الحبوب من روسيا، حيث استوردت بقيمة 2.41 مليار دولار، بعدها تأتي مصر في المرتبة الثانية، حيث استوردت الأخيرة حبوباً من روسيا بقيمة 1.6 مليار دولار.
وإذا حاولنا تقدير حجم الخسائر المتوقعة للاقتصاد الروسي من جرّاء هذه الحرب المسعورة، تواجهنا ثلاثة سيناريوهات مرتبطة بالمدى الزمني لاستمرار الأزمة الأوكرانية وهي:
السيناريو الأول: استمرار المعارك العسكرية لمدة ثلاثة شهور.
السيناريو الثاني: استمرار المعارك العسكرية لمدة ستة شهور.
السيناريو الثالث: استمرار المعارك العسكرية لمدة سنة كاملة.
ففي الحالة الأولى نقدّر حجم الخسائر الاقتصادية والمالية على روسيا على النحو التالي:
انقطاع الصادرات الروسية إلى أوروبا والولايات المتحدة ودول حلف الناتو – عدا النفط والغاز – خلال هذه الفترة، مضافاً إليها خسائر تجميد الاحتياطي النقدي، علاوة على خسائر انهيار أسعار الأسهم والسندات الروسية وعوائد فوائد الإيداعات المصرفية الروسية في هذه الدول، يضاف إليها تجميد أصول وثروات رجال الأعمال الروس في الخارج، علاوة على انقطاع عوائد السياحة من هذه الدول، وتضاف إليها تكاليف العمليات الحربية، علاوة على خسائر مترتبة على توقف بعض خطوط الإنتاج داخل روسيا، سواء بسبب توقف توريد مستلزمات التشغيل المستوردة أم بسبب انسحاب الشركات والشركاء الأجانب.
وهكذا نستطيع أن نتوقع أن تخسر روسيا معظم تجارتها السلعية مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – عدا الغاز الطبيعي وجزء من النفط الخام والمشتقات، ولو مؤقتاً – أي ما يعادل خسارة 200.0 إلى 250.0 مليار دولار في السنة الأولى للحرب الاقتصادية.
وإذا جمعنا مكوّنات الخسارة الروسية المتوقعة وفقاً لهذا السيناريو، في هذه الفترة القصيرة، نقدّرها بنحو 400 مليار دولار إلى 500 مليار دولار.
أما إذا طالت العمليات العسكرية لستة شهور كاملة، فالمرجّح أن هذه الخسائر سوف تتزايد، وخصوصاً ما يتعلق منها بتكاليف العمليات الحربية، لتصل إلى 700 مليار دولار.
أما السيناريو الثالث الخاص باستمرار العمل العسكري لمدة سنة كاملة، فالمرجّح لدينا أن تلامس الخسائر الروسية تريليون دولار.
فكيف سيواجه الاقتصاد والقيادة الروسيين هذه الخسائر المتوقّعة ويقلصان آثارها وتبعاتها على الاقتصاد والمجتمع الروسي؟
أما الخسائر والأضرار غير المباشرة المتوقعة على الاقتصاد والمجتمع والدولة الروسية، والناتجة عن ضغوط دول التحالف الاستعماري الغربي على بقية دول العالم، وإجبارها على مقاطعة روسيا، والمشاركة الجزئية في هذه الحرب الظالمة، وكذلك مجموعة الإجراءات المضادة التي اتّخذتها القيادة الروسية، فسوف نعرض لها في مقال مقبل.
الهوامش والمصادر
(1) اليوم السابع بتاريخ 27/2/2022
(2) https://www.masrawy.com/news/news_economy/details
(3) جريدة الشرق الأوسط بتاريخ الأربعاء – 29 رجب 1443 هـ – 2 آذار/ مارس 2022
(4) https://arabic.rt.com/business
(5) https://arabic.rt.com/business
(6) https://www.youm7.com/story
(7) https://www.skynewsarabia.com/business
(8) https://www.bbc.com/arabic/interactivity
https://arabic.rt.com/business
الميادين
إضافة تعليق جديد