المستقبل: «رواية اسمها سورية» استقراء لفلسفة تاريخ سورية الحديث
قضت المصادفة المحضة أن يتم توقيع موسوعة "رواية اسمها سورية" بدمشق في اليوم نفسه الذي صدر فيه الحكم على الكاتب ميشيل كيلو بالسجن ثلاث سنوات (لاثارته النعرات الطائفية واضعاف الشعور القومي) وهو (ميشيل كيلو) أحد المشاركين الاساسيين في هذا المشروع.
وفي تقديمه لموسوعته التي أطلق عليها اسم "رواية اسمها سورية" أثناء حفل التوقيع في فندق الشام قال محرر الموسوعة الكاتب والصحافي نبيل صالح: "لطالما كرهت مقرر التربية الوطنية والتربية القومية وأنا طالب ثانوي ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن الكيفية التي تشكل بها وعي السوريين ومن هم الاشخاص الذين ساهموا بتشكيل هذا الوعي".
ويقول في تقديمه للموسوعة: التاريخ هو حركة الذئاب في الزمن، وكذلك هي الرواية. ليس هناك من أخيار أو أشرار بشكل مطلق، فما هو شر بالنسبة لنا خير بالنسبة لأعدائنا، والعكس صحيح، فقيمة كل امرئ بحسب ما يقدم لأهله وقومه ووطنه أولاً، وللمثل العليا ثانياً، حيث تبدو الأخلاق أمراً ثانوياً عندما تعترض مصالح الأمة. وهذا أمر يفهمه السياسيون والقادة الكبار في اللحظات التي يمر فيها التاريخ متدفقاً بين أيديهم، مثلما تمر العجينة بين يديّ الخباز إلى بيت النار، فإما أن يتلقفها في اللحظة المناسبة رغيفاً حقيقياً، تتلمسه أيدي الشعب وأسنانه، وإما أن تتجاوزه اللحظة، فيحترق ما كان بين يديه ويذهب إلى العدم.
حاولنا في هذا العمل استقراء فلسفة تاريخ سورية الحديث عبر سرد حكايات مئة شخصية أدركت القرن العشرين، وقد توفرت على اختيارها لجنة إشراف مؤلفة من نخبة من المفكرين والباحثين الأكاديميين.
وأضاف: قمنا بغربلة هذه الشخصيات المئة، لنختارها من بين 190 اسماً، وهم الممثلون الفحول لطبقات القادة والسياسيين والعلماء والمفكرين والشعراء والكتاب والفنانين. وعرضنا هذه الشخصيات بحيث تكوّن مجموعة أبطال رواية اسمها سورية التي عملتُ على تحريرها، بحيث تكون أقرب إلى سيناريو درامي تتوفر فيه المتعة والتشويق لسير الأحداث والشخصيات على امتداد 1600 صفحة.
وأشار صالح إلى أن وضع المراجع والمصادر كان في نهاية الكتاب بدلاً من نهاية كل بحث، حتى يبقي ضمن الجو الروائي للكتاب، "وقد رتبنا ورود الشخصيات بحسب سنة ولادتها حتى نحافظ على التسلسل التاريخي لأجواء الرواية".
وأكد صالح أن الهدف النهائي من هذا الكتاب استقراء الحكايات الحلوة والمرة التي تشكل جزءاً كبيراً من ذاكرة السوريين، وذلك للتعرف على الشيفرة الثقافية التي تملي عليهم سلوكهم وتفاصيل حياتهم.
جاءت الموسوعة في ثلاثة مجلدات وشارك فيها أربعون كاتبا وصحافيا من أبرزهم : فواز حداد ـ ميشيل كيلو ـ نبيل سليمان ـ وائل السواح ـ خيري الذهبي ـ حسين العودات ـ سعاد جروس ـ روزا ياسين حسن ـ وليد اخلاصي ـ عابد اسماعيل ـ عادل محمود ـ حسن م يوسف ـ راشد عيسى ـ محمد منصور ـ ناظم مهنا ـ خضر الآغا... وتشكلت هيئة الاشراف من أحمد برقاوي ـ يوسف سلامة ـ محمد جمال باروت ـ محمد محفل.
أهدى المحرر الموسوعة الى (الوزير الشهيد، رمز الاستقلال والحرية يوسف العظمة).
غلب على الموسوعة الشخصيات الثقافية فمن حيث العدد فاقت هذه عدد الشخصيات السياسية بأضعاف ومن أبرز الشخصيات التي ضمتها الموسوعة أدونيس ـ حنا مينة ـ ممدوح عدوان ـ محمد الماغوط ـ بوعلى ياسين ـ سعيد حورانية ـ هاني الراهب ـ صادق جلال العظم ـ صدقي اسماعيل ـ سعدالله ونوس ـ حيدر حيدر ـ نزار قباني ـ زكريا تامر ـ سليم بركات...
ومن الشخصيات السياسية والوطنية: يوسف العظمة ـ حافظ الاسد ـ شكري القوتلي ـ صلاح جديد ـ خالد العظم ـ سليمان المرشد ـ عز الدين القسام ـ فارس الخوري ـ هاشم الاتاسي ـ صالح العلى ـ أحمد مريود ـ زكي الارسوزي ـ سلطان باشا الاطرش ـ أنطون سعادة ـ مصطفى السباعي ـ الياس مرقص ـ ياسين الحافظ..
كما ركزت الموسوعة على بعض الشخصيات النسائية التي ساهمت في تشكيل الثقافة والوعي السوريين: مريانا مراش ـ ماري عجمي ـ وداد سكاكيني ـ غادة السمان...
كما لم ينس محررو الموسوعة التعريج على بعض الفنانين السوريين الذين استقروا في وجدان الناس وعززوا أهمية الفن ان كان في التمثيل أو التشكيل أو الموسيقى: دريد لحام ـ نهاد قلعي ـ تيسير السعدي ـ على الدرويش ـ عمر البطش ـ فاتح المدرس ـ لؤي كيالي...
وكان لافتا اهتمام الموسوعة بشخصية اقتصادية وتجارية مثل بدر الدين الشلاح رئيس اتحاد غرف التجارة السورية السابق ووالد الدكتور راتب الشلاح الذي حل محل والده بنفس المركز. وأهمية الشلاح ليست فقط اقتصادية وانما سياسية أيضاً حيث ساهم بفعالية في الوقوف بوجه حركة الاخوان المسلمين بداية الثمانينات من القرن الماضي ومنع أية اضرابات تساعد الارهاب الاصولي ومساندته القوية للسلطة آنذاك.
الموسوعة راعت ذاكرة الناس أكثر مما راعت الايديولوجيات السائدة أو وجهات نظر السلطات المتعاقبة فنحن في الموسوعة نقرأ عن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث كما نقرأ عن مصطفى السباعي مراقب عام الاخوان المسلمين في سورية (الخمسينات) وخالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري لاكثر من نصف قرن.
وفي الوقت الذي تتجاهل فيه كتب التاريخ الرسمية والمدرسية شخصية اشكالية كسليمان المرشد زعيم الطائفة المرشدية في سورية، أعادت الموسوعة له الاعتبار بوضعه ضمن خارطة الظروف الموضوعية والذاتية التي أنتجت ظاهرة المرشد في النصف الأول من القرن العشرين.
وبينما تتجاهل الكتب المدرسية شخصية سياسية هامة كصلاح جديد عدو حافظ الاسد اللدود ورفيقه السابق في نفس الحزب أفردت له الموسوعة فصلاً خاصاً كما ركزت على شخصية حافظ الاسد الكارزمية وتأثيرها على مدى ثلاثين عاما في سورية.
من جهة أخرى أخذت الموسوعة بعين الاعتبار أهمية بعض الشخصيات في طوائفها والاحترام الكبير الذي تحظى به بين أفرادها، وتضمنت الموسوعة فصولاً عن بعض الشخصيات الوطنية الكردية كابراهيم هنانو والشاعر المعروف سليم بركات، أي ان الموسوعة كما أراد لها محررها نبيل صالح عمل روائي وطني يحتفي بذاكرة السوريين وبالشخصيات التي ساهمت على مر السنين بتعزيز اللاحم الوطني والابتعاد عن كل ما يفتت هذا اللاحم من خلال تكريس الهوية الوطنية السورية.
"رواية اسمها سورية" قصص ممتعة وسلسلة عن أشخاص شكلوا هويتنا محكية بلغة بسيطة وعميقة لا تمت الى وعورة الفكر أو الى متاهات التأريخ بأية صلة.
ورغم ذلك احتج بعض الكتاب والصحافيين على محرر الموسوعة متهمين اياه بأنه أهمل الكثير من الشخصيات المهمة حسب رأي هذا البعض، فإبنة الشاعر محمد عمران الشاعرة، رشا عمران، غضبت كثيرا لعدم ورود اسم والدها في الموسوعة معتبرة والدها أهم من شاعر كممدوح عدوان مثلا! واحتج آخرون على عدم ورود أي ذكر للرئيس السوري السابق الدكتور نور الدين الاتاسي (1966/1970)، كما احتجت بعض أطياف المعارضة لعدم ذكر المعارض المخضرم رياض الترك لما له من تأثير في المعارضة وفي البلد... وأمام هذه الانتقادات لم يجد نبيل صالح مهربا الا باطلاق وعد قاطع بأن يستكمل هذه "الرواية التي اسمها سورية"!!.
ما يشبه الخاتمة
كتب نبيل صالح في صحيفته اليومية الالكترونية الجمل مايلي: تحية إلى ميشيل كيلو في سجنه.
الدراما التي عشتها يوم أمس أنني احتفلت مع 300 كاتب ومثقف سوري في قاعة الأمويين بفندق الشام بمناسبة صدور كتاب "رواية اسمها سورية" في الوقت الذي صدر فيه الحكم على الصديق ميشيل كيلو بالسجن ثلاث سنوات... فميشيل شارك إلى جانب أربعين كاتباً سورياً في إنجاز هذا الكتاب، فكتب عن المربي طاهر الجزائري والمفكرين إلياس مرقص وياسين الحافظ، والأخير هو صاحب "المنطلقات النظرية" التي أصبحت فيما بعد قرآن الرفاق البعثيين قبل أن يقوموا بسجن مؤلفها ياسين الحافظ (أيام صلاح جديد) بعد نشره تحليلاً لآليات وأسباب هزيمة 5 حزيران!؟
وميشيل الشيوعي قد حوكم بالأمس بتهمة "إضعاف الشعور القومي" وهذي التهمة يمكن أن تطال كامل الشيوعيين والإسلاميين في سورية باعتبار أن أيديولوجيتهم تنادي بالأممية لا القومية... واليوم أتذكر زيارة ميشيل مع الصديقين أحمد برقاوي ويوسف سلامة لمقر "الجمل" أثناء التأسيس حيث عرض ميشيل علىّ دعم فريق التحرير السياسي في (الجمل) فضحكت وأنا أقول له: يا ميشيل، أنا معجب بثقافتك وأختلف مع تحليلاتك واستنتاجاتك، وأنا لدي زوجة جميلة وثلاثة أطفال أحب أن أسمع صياحهم يومياً بدلاً من سماع صراخ آمر السجن... ويبدو أن النكتة قد وصلت إلى نهاية مرارتها بعدما حصل ميشيل على نفس مصير بطله ياسين الحافظ!؟).
احمد الخليل
المصدر: المستقبل
إقرأ أيضاً:
الوطن العمانية: «رواية اسمها سورية» تحلل الشيفرة الثقافية للسوريين
الحياة: «رواية اسمها سورية» تثير عاصفة نقدية في دمشق
الشرق الأوسط: «رواية اسمها سورية» كتاب جريء بالمقياس السوري
الوطن السورية: «رواية اسمها سورية» انعاش للذاكرة الوطنية
الراية القطرية: «رواية اسمها سورية» استقراء لتاريخ سورية الحديث
السفير: «رواية اسمها سورية» تجمع الأبطال والأشرار وتثير شهية النقاد
الكفاح:«رواية اسمهاسورية» مدونةعاطفية وثائقية تجمع الجمالي بالسياسي
قناة المنار: «رواية اسمها سورية» تتجاوز حدود سايكس بيكو
الثورة : "رواية اسمها سورية" تقدم ذاكرة السوريين بلغة الأدب
مونتكارلو: «رواية اسمها سورية»ترسم خريطة سورية الثقافية خلال قرن
الدستور: مئة شخصية تروي التاريخ السوري في "رواية اسمها سورية "
مجلة شبابلك: «رواية اسمها سورية» كتاب كل السوريين
النور السورية: حسبك تجنب اللوم حول "رواية اسمها سورية"
سيريا نوبلز: «رواية اسمها سورية» بين التشويق والتأريخ
الأخبار: العسكر والسياسيون يتداولون بطولة «رواية اسمها سورية»
إضافة تعليق جديد