مقالة في خصائص وسمات دونالد ترامب في كتاب (الحرب)
الجمل ـ د.نزار خليل العاني:
مقدمة :
مطلع التسعينيات ، كنت في نيويورك لزيارة شقيقتي ومن أعرف هناك ، وكانت لقاءاتي للناس تجري في البهو الأرضي لبرج " ترامب " وذلك لشهرة البرج وصاحبه كرجل أعمال أسطوري، ورأيت مظاهرة في البهو من عشرة أشخاص يدورون حاملين شاخصات تحمل شعارات بمطالبهم ، وأكلت ساندويشة فلافل - الشاطر والمشطور والكامخ بينهما - في أدنى طبقات البرج ، وأدنى طبقات المأكولات ! مساهماً ببضع "سنتات" في ثروة ترامب الهائلة !
كتاب الحرب:
منذ فترة قصيرة ، صدرت ترجمة كتاب ( الحرب) للصحافي الأمريكي الشهير "بوب وودوارد" ، والذي ألف ثلاثة كتب عن دونالد ترامب ، حققت مبيعات خارقة هي : ( الخوف) 2018 , (الغضب) 2020 ، ( الخطر) 2021 , ومقابلات عديدة منشورة في كتاب ( صوتي) .
في الفصل الأول من كتاب (الحرب) يتحدث الصحافي عن لقاء أجراه مع ترامب عام 1989 بعد قراءته لكتاب ترامب وعنوانه ( فن الصفقة) ، وفي ذلك اللقاء مفاتيح كبرى لشخصية ترامب المركبة ، وهي المفاتيح ذاتها التي أوصلته مرتين لسدّة رئاسة أمريكا والعالم .
ومفاتيح نجاح ترامب ، رجل الأعمال الشاب ( 42 سنة آنذاك) في عقد صفقاته العقارية ، هي وفقاً لرؤية الصحافي الثاقبة ، هي التالية : الغيرة على مظهر القوة ، والغريزة السليمة ، والاعتماد على الناس لا الدراسة والمعرفة ، والتقدم والضرب بقوة للفوز كملاكم . ص11 ومابعدها .
يذكر ترامب أنه سأل سائق تكسي عن أعظم منزل في بالم بيتش ، أجابه السائق : Mar-a-Lago ، فطلب ترامب من السائق أن يأخذه إليه ، وهكذا اشترى ترامب منزله الحالي بسبعة ملايين دولار ! وإحدى صفقاته الغريزية / الحدسية أدخلت إلى حسابه بفترة وجيزة 32 مليون دولار ! وقد اشترى ترامب أسهما في شركات بحوالي 100 مليون دولار ، وضجت مراكز الأبحاث الاقتصادية وسَعَت لمعرفة مصادر استشاراتي ، والحقيقة هي إنني اشتريت بدوافع عميقة من شعوري ص 15 .
وحين سأله بوب وودوارد عن قابليته للعمل في الخدمة العامة ؟ أجاب ترامب : مازلت صغيراُ، وأعمل حالياً لترك أموال ضخمة ورائي ! وعن شريحة أصدقائه أجاب ترامب : أصدقائي هم الذين أتعامل معهم ، وأنا أؤمن بالولاء وأتحاشى النكران !
وعن النكران ، حكى عن أحد المصرفيين الكبار من أصدقائه ، والذي كان الجميع يتمسحون بأذياله ، وكانوا على استعداد للحس قفاه ، لأنه يملك قرار إعطاء القروض ، ولما غادر موقعه ، صاروا لا يردون على مكالماته !
ويكره ترامب شريحة المفتشين والمراقبين الذين يقفون على الأبواب لاقتناص فرص الكسب والاسترزاق ، وأنه يتعامل معهم بخشونة ، لأنك إذا أبديت الضعف أمامهم سيبتزونك، ولن تتخلص منهم مدى الحياة ص 17 .
لقد أطلق وودوارد على ظاهرة ترامب ، الترامبية ، Trumpis , وأنه هو نفسه لم يتغير خلال 35 سنة ، منذ اللقاء الأول حتى الآن ، ولم تتغير مفاتيح شخصيته منذ كان شاباً ورجل أعمال ، يقتنص الفرص ويعقد الصفقات ، إلى أن أصبح رئيساً ، ومازال موقعه في أمريكا موضع اختلاف وجدل بين مؤيديه وبين معارضيه .
ويسرد الصحافي الكبير شهادات كثيرة أدلى بها الذي يعرفون الرئيس ترامب أو الذين عملوا معه ، وهي شهادات معظمها سلبية .
شهادات دامغة:
الجنرال المتقاعد " جون كيلي " ، رئيس موظفي البيت الأبيض ، وصفه (بالأحمق) ص 417 . وقال عنه " غاري كوهين" كبير المستشارين عنده ، ( كاذب محترف) ص418 . ووصفه " جون دود " أيضاً بأنه ( كاذب ملعون) ، إن أدلى بشهادة سينتهي به الامر ببدلة برتقالية ! وأعلن السيناتور ليندسي غراهام : أنا أحب سياسات ترامب ، لكنني لا أحب ترامب س 169 . أما الجنرال الترامبي المتقاعد " كيث كيلاج" فيتحدث عن معرفة ويقول : قرارات ترامب غالباً ما تُتخَذ في لحظة ص 312 . وأخبر مستشار مجلس الأمن القومي ، الجنرال ميلي ، فريقه لتوحيد الموقف من ترامب ، وإيقافه عند حده ، لأن هناك علامات على تدهوره العقلي كما يظن ، " ولكن الآن أدرك أنه فاشي تماماماً. إنه أخطر شخص على هذا البلد " ص 212 .
شهادات دامغة تجمع على أن صورة شخصية لمثل هذا الرجل تستدعي المراجعة . إن شخصاً على هذه الشاكلة . وكبار القادة من عسكريين ومدنيين ممن يشغلون مراكز في الصف الأول ، أجمعوا على القول : لا ينبغي أن يكون رئيساً ص 381 .
ثالوث الحكم الأمريكي الترامبي :
وهذا الصحافي المتمرس والخبير العريق بوب وودوارد ، والذي كان وراء فضيحة "واتر جيت " التي أزاحت نيكسون عن منصبه ، فيقول بوضوح أن عناوين كتبه الثلاثة عن ترامب ، وهي ( الخوف والغضب والخطر ) ، لم تأخذ هذه التسميات عبثاً ، بل لأنها .هي الثالوث أو الأقانيم التي حكم بموجبها أمريكا في فوزه الأول على هيلاري كلينتون ، وسيُعزى إليها نظام حكمه في السنوات الأربع القادمة بعد أن فاز بشكل كاسح على خصمه كامالا هاريس ، ولذا أطلقت عليه الصحافة صفة غالب النسوان !
وهناك شواهد على ثالوث شخصية ترامب ، وثالوث حكمه المتسم بالخوف والغضب والخطر .
عن الخوف والتخويف:
الخوف عند ترامب خوفان : أن يخاف هو ، أو أنه يلجأ إلى تخويف الناس من اعتداده بنفسه وحزمه وسلاطة لسانه ، وتخويف معاونيه ومستشاريه . وكذلك خوفه الشخصي من الهجرة غير الشرعية ، وتخويف المهاجرين . فقد تراجع وخاف حين وصل عدد ( القضايا الجنائية المتراكمة ضد ترامب - التي وصلت إلى 91 تهمة جنائية ) حسب قول الرئيس بوتين بالحرف ص 221 . لكن لائحة الاتهام الرسمية التي قُدِّمَث ضد ترامب أمام هيئة المحلفين الكبرى في محكمة مدينة ميامي تضمنت 37 تهمة فقط ، ولعل بوتين بالغ في العدد ليشير إلى حجم الفساد في هذه الدولة العظمى !
ونتيجة لهذا الخوف والتخويف ، فقد انكفأ ترامب لأشهر عديدة بعد فوز " جو بايدن " عليه بالانتخابات السابقة ، والتي شكك ترامب بنزاهتها ، وأنها سُرقت منه بالتزوير العلني ! وفي حالة الإنكفاء هذه ، بدأ يرسم الخطط للعودة للبيت الأبيض ، ويهيئ أسلحته للهجوم على خصومه ، لأن كل ناجح في الحياة ، لايتقبل الهزيمة بسهولة ، ولا يوجد شك أبدا في سيرة نجاح ترامب .
عن الغضب وتبعاته :
أما العامل الثاني في الثالوث ، وهو الغضب ، فقد تفجر في السادس من يناير / كانون الثاني عام 2021 , حين دفع بحوالي 2000 شخصاً من أنصاره ، ومن مليشياته ، ومجموعات يمينية متطرفة تؤيده وتدعمه ، مثل "أوث كيبرز" و " براود بويز" و " كيو أنون" ، للتحرك بقوله : نحن ذاهبون إلى الكابيتول ص 21 ، وأطلق على هذه المظاهرة شعار " إنقاذ أمريكا" عبر القتال بكل قوة ص20 . وبلغ به الغضب والعناد أنه كسر كل التقاليد المرعية في الانتخابات الأمريكية التي تقتضي أن يهنئ المرشح الرئاسي الخاسر ، الرئيس الفائز ، وكل الذين ضغطوا عليه فشلوا في تغيير رأيه وقراره . لكنه اكتفى بترك ورقة على سطح مكتبه في البيت الأبيض كحل وسط ، من كاتب كتاب ( فن الصفقة) .
الخطر السياسي الداهم :
وثالث الأثافي في شخصية وفلسفة حكم دونالد ترامب هي الخطر . فقد وصلت الأمور في الانقسام العمودي بين الحزبين ، الديمقراطي والجمهوري ، إلى خطر اندلاع حرب أهلية ، وهناك جنرالات حذروا من تفاقم الاشتباك والتمادي في حركات العنف التي ظهرت في غزو الكابيتول .
وحين وصف ترامب منافسته " نكي هيلي " على الترشيح الرئاسي عن الحزب الجمهوري بأن عقلها هو عقل عصفورة ، قام أنصاره بترك قفص طيور يحتوي على بذور تأكلها العصافير خارج غرفتها ص 313 . مما يؤكد أن التشدد وخطر الانقسام وصل إلى صفوف الجمهوريين أنفسهم ،
وباعتقاد وودوارد الشخصي ، في خاتمة المطاف ، ان أفضلية الرئيس بايدن قبل تدهور حالته الذهنية ، على الرئيس ترامب لا تحتاج إلى كثير من الذكاء ، ولأسباب كثيرة لا يخفيها ، وجاء ذكر بعضها في قراءتي هذه .
خاتمة :
إن الذين احتفوا بهذا الكتاب من المعلقين العرب ، ركزوا على ماجاء فيه من أسرار مواقف بعض القادة العرب حيال حرب غزة . وسيكون لي إطلالة على هذا الموضوع ، وعلى الكتاب بالكامل ، وتقويمي الشخصي له . لكنني آثرت أن أركز على نقل بعض خصائص شخصية الرجل الذي سيحكم العالم خلال السنوات القادمة ، ليعرف القاصي والداني معالم التهافت الكبير في قيادة الكون المشبوهة . جمهورياً وديمقراطياً ، وكلا الأخَوَين .....وتعرفون باقي المأثور الشهير ! هَزُلَت والله ، والذي ليس لنا غيره لتحسين أحوال الكون الذي من خصائصه الجوهرية كما في كتاب أرسطو ( الكون والفساد) !
يتبع إن شاء الله .
إضافة تعليق جديد