هل تنجح محاولات باريس لإعادة إسرائيل وسورية إلى طاولة المفاوضات
الجمل: تحدثت بعض المصادر الصحفية التركية عن محاولات وجهود يقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي من أجل تعاون دبلوماسي فرنسي-تركي يتيح لقصر الإليزيه الدخول كطرف شريك لأنقرا في جهود الوساطة التركية على خط المحادثات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة التي سبق أن بدأت ثم توقفت: ما هي حقيقة النوايا الفرنسية؟ وما هي حسابات قصر الإليزيه الجديدة؟ وما هي فرص نجاح جهود الرئيس الفرنسي ساركوزي في دبلوماسية الشرق الأوسط؟
* ماذا تقول المعلومات الجديدة؟
أشارت بعض المصادر الصحفية التركية مؤخراً إلى جهود دبلوماسية فرنسية تهدف إلى إقناع أنقرا بإمكانية وجدوى أن تتعاون الدبلوماسية التركية مع الدبلوماسية الفرنسية لجهة تحريك مفاعيل المحادثات غير المباشرة السورية-الإسرائيلية، وفي هذا الخصوص أشار تقرير صحيفة زمان توداي التركية والتحليل السياسي الذي نشرته صحيفة الأسبوع التركي إلى النقاط الآتية:
• نجحت جهود الوساطة التركية في تحريك مفاعيل المحادثات غير المباشرة السورية-الإسرائيلية، وبرغم قيام عدة جولات في هذه المحادثات، فقد أدت عملية الرصاص المسكوب التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة في نهاية العام 2008 ومطلع عام 2009 إلى توقف هذه المحادثات.
• توترت العلاقات التركية-الإسرائيلية بسبب جملة من القضايا أبرزها: الموقف التركي الداعم للفلسطينيين، تزيد روابط أنقرا مع حركة حماس الفلسطينية، إهانة الإسرائيليين للسفير التركي، وجاءت نكبة العلاقات التركية-الإسرائيلية بقيام تركيا بإلغاء المناورات المشتركة مع الإسرائيليين إضافة إلى قيام القوات الخاصة الإسرائيلية بالاعتداء على سفن قافلة الحرية في المياه الدولية وقتل 11 ناشطاً تركياً.
• لم تنجح جهود واشنطن في تحقيق التصالح وتطبيع العلاقات بين حليفيها في المنطقة تركيا وإسرائيل، إضافة لذلك، فقد توترت علاقات واشنطن-أنقرا بسبب الموقف التركي إزاء أزمة الملف النووي الإيراني، وأيضاً بسبب توجهات أنقرا نحو تعزيز علاقات تركيا مع سوريا وروسيا.
أشار تقرير صحيفة زمان توداي إلى تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي نيكولاس ساركوزي الأخيرة التي قال فيها بأن السلام ممكن بين سوريا وإسرائيل وأن تجديد الحوار والتفاهم الفرنسي حول هذا الموضوع سوف يحقق الفائدة والمنفعة لعموم منطقة الشرق الأوسط، وأضاف ساركوزي قائلاً بأن فرنسا تتعاون حالياً مع تركيا من أجل البحث عن الاتفاق، أما صحيفة الأسبوع التركي، فقد نشرت تحليلاً سياسياً لدبلوماسية ساركوزي الشرق أوسطية الجديدة، تطرق بقدر كبير من الشكوك وعدم التفاؤل إزاء مدى مصداقية ودبلوماسية الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي تجاه منطقة الشرق الأوسط.
* الدبلوماسية الوقائية الفرنسية: الخلفيات والبواعث
بعد صعود الرئيس الفرنسي الحالي نيكولاس ساركوزي إلى قصر الإليزيه، سعى مراراً وتكراراً لجهة القيام بدور في جهود دبلوماسية الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى النقاط الآتية:
- زار الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي كل دول شرقي المتوسط: سوريا، مصر، لبنان، الأردن، تركيا إضافة إلى إسرائيل.
- سعى الرئيس ساركوزي إلى حل أزمة الملف اللبناني إلا أن جهوده باءت بالفشل بسبب عدم قدرة باريس على اعتماد موقف مستقل عن الموقف الإسرائيلي-الأمريكي.
- سعى الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى الإسهام في تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنه لم يستطع تقديم ما يمكن أن يتجاوز سقف الشروط الإسرائيلية، إضافة إلى أن واشنطن لم تترك له فرصة ينفذ منها.
هذا، ولا حقاً فقد سعى الرئيس الفرنسي ساركوزي مراراً وتكراراً لجهة الدخول على خط محادثات دمشق-تل أبيب، على أمل أن يحصل قصر الإليزيه على دور الوسيط، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• عندما كانت المحادثات السورية-الإسرائيلية متوقفة، لم يسعَ الرئيس الفرنسي ساركوزي لجهة القيام بدور الوسيط، وبدلاً عن ذلك فقد كانت الدبلوماسية الفرنسية أكثر اهتماماً بالتعاون مع واشنطن لجهة تشديد الضغوط على دمشق.
• عندما نجحت أنقرا في القيام بدور الوسيط الراعي لعقد جولات المحادثات السورية-الإسرائيلية غير المباشرة، بدأت النوايا الفرنسية في إظهار رغبة قصر الإليزيه لجهة القيام بدور الوسيط.
• عندما تقدمت جولات المحادثات غير المباشرة السورية-الإسرائيلية، بدأت شهية قصر الإليزيه تنضج أكثر فأكثر إزاء الرغبة في القيام بدور الوسيط الذي يتوجب على دمشق وتل أبيب القبول بوساطته بدلاً عن الوسيط التركي.
لاحظ معظم الخبراء والمراقبين بأن انفتاح شهية قصر الإليزيه لجهة الدخول كوسيط على خط محادثات دمشق-تل أبيب غير المباشرة، هو انفتاح يحمل بين طياته عوامل الشكوك أكثر من عوامل المصداقية، وبكلمات أخرى، فقد تحدثت العديد من التحليلات السياسية لجهة أن الهدف غير المعلن لقصر الإليزيه هو عرقلة جهود الوساطة التركية، بما يوفر طوق النجاة للإسرائيليين، والذين ظلوا يسعون بشتى الوسائل لجهة التملص من التزام الاستمرار في جولات المحادثات غير المباشرة، وقد فسرت التحليلات السياسية حينها الموقف الإسرائيلي بأنه بسبب إدراك تل أبيب ليس إلى عدم رغبة أنقرا في القيام بدور الوسيط المنحاز لإسرائيل وحسب، وإنما لمدى جدية أنقرا في التعامل بمصداقية إزاء جولات المحادثات.
* فرضية قصر الإليزيه الجديد: إلى أين؟
تشير المعلومات والتحليلات إلى أن النوايا الفرنسية الجديدة إزاء استئناف الجهود الفرنسية لإيجاد دور شرق أوسطي لدبلوماسية قصر الإليزيه، هي نوايا مبعثها الإدراك الفرنسي للنقاط الآتية:
- توقفت جهود الوساطة التركية بسبب عملية الرصاص المكسوب التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة.
- تضاءلت احتمالات استعادة تركيا لدور الوسيط بسبب تدهور العلاقات التركية-الإسرائيلية.
وتأسيساً على ذلك، وكما تشير التحليلات، فقد افترض قصر الإليزيه وجود فرصة سانحة لدخول باريس كوسيط على خط محادثات دمشق-تل أبيب، وعلى هذه الخلفية فإن تحقيق النوايا الفرنسية على أرض الواقع قد واجه الآتي:
• القبول الإسرائيلي غير المحدود لفرنسا كوسيط في محادثاتها مع سوريا.
• الالتزام السوري الواضح لجهة التمسك بالاستمرار في جهود الوساطة التركية.
وتأسيساً على ذلك، تقول التسريبات بأن باريس أصبحت غير قادرة على القيام بالمناورة والالتفاف على دمشق، خاصةً وأن دمشق لها خبرة طويلة في التعامل مع الدبلوماسية الفرنسية. وفي هذا الخصوص تشير بعض التحليلات إلى أن باريس تسعى حالياً باتجاه التنسيق مع أنقرا لجهة مشاركة أنقرا في جهودها الدبلوماسية الشرق أوسطية، ولكن، ما هو غير واضح حتى الآن يتمثل في الآتي:
• مدى رغبة إسرائيل في القبول بأنقرا كوسيط في المحادثات مع سوريا، وعلى وجه الخصوص على خلفية التوترات التركية-الإسرائيلية المتزايدة.
• مدى رغبة سوريا في القبول بفرنسا كوسيط في المحادثات مع إسرائيل.
من الواضح للعيان، وهو ما أكدته العديد من التحليلات السياسية، يتمثل في أن إسرائيل ترغب في الوساطة الفرنسية أكثر من رغبتها في الوساطة التركية، وذلك لعدة أسباب من أبرزها: إضعاف الدور التركي في المنطقة، وذلك بما يتيح لإسرائيل الانفراد بزعامة الشرق الأوسط، إضافة إلى رغبة تل أبيب في معاقبة أنقرا بسبب مواقفها غير الداعمة لإسرائيل، إضافة إلى رغبة إسرائيل في تسميم العلاقات التركية-السورية، وما هو أكثر أهمية بالنسبة للإسرائيليين يتمثل في أن الوساطة الفرنسية سوف تتيح لتل أبيب المناورة والالتفاف واستخدام إستراتيجية «الباب والشبّاك» في المفاوضات، خاصة وأن الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي يعتبر الحليف الأوربي-الفرنسي الأول للإسرائيليين، وبالتالي عندما ترعى فرنسا المحادثات الإسرائيلية مع سوريا، فإن تل أبيب سوف تحصل عبر قصر الإليزيه على نفس المزايا التي ظلت تحصل عليها عبر البيت الأبيض، وبالتالي، لن يكون هناك بالنسبة للإسرائيليين فرق كبير في سيناريوهات المفاوضات مع الفلسطينيين وسيناريو المفاوضات مع السوريين. أما بالنسبة لسوريا، فهي ما تزال أكثر حرصاً لجهة عدم السماح لتل أبيب بالتلاعب وإفساد الجهود الدبلوماسية، إضافة إلى أن تمسك الدبلوماسية السورية بالمبادئ الواضحة العادلة، لا ينطبق فقط على نموذج تمسك دمشق بحقوقها العادلة في المنطقة، وإنما ينطبق على تمسك دمشق باحترام علاقاتها مع كل دول العالم، وعلى وجه الخصوص دول الجوار الإقليمي التي في قامة ومكانة تركيا، وبالتالي، فإن السماح لتل أبيب لجهة القيام بتسميم العلاقات السورية-التركية هو أمر غير وارد إطلاقاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد