دور تيارات الصهيونية الدينية في الحياة السياسية في "إسرائيل"
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات كتاباً جديداً بعنوان "دور تيارات الصهيونية الدينية في الحياة السياسية في "إسرائيل" 2000–2019". ويتناول دور الصهيونية الدينية وأثرها على التحولات الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسرائيلي. ويقع في 145 صفحة من القطع المتوسط، وأصله رسالة ماجستير في الدراسات الإسرائيلية، في جامعة القدس بفلسطين المحتلة في سنة 2019. ويوفر الفصل الثاني "وسائل الصهيونية الدينية في الصعود داخل الدولة".
يسعى الكاتب في كتابه إلى تبيان انعكاس سيطرة الصهيونية الدينية على تآكل نظام الحكم في "إسرائيل" وتحديد مستقبلها، وإظهار حجم الضعف الذي أصاب الأحزاب العلمانية والحريدية نتيجة نمو هذا التيار، بالإضافة إلى إبراز حجم النفوذ الذي تؤديه الصهيونية الدينية في السياسة، وصناعة القرار في الفترة التي تغطيها الدراسة.
ويشتمل الكتاب على ثلاثة فصول، إضافة إلى الاستنتاجات والتوصيات.
وقد استعرض الباحث في فصله الأول حقيقة الصهيونية الدينية، وأساسها الديني والفكري؛ باعتبارها حركة روحانية كبيرة، على الرغم من اختلافها عن التيار الحريدي الأرثوذكسي، برزت في المجتمع الإسرائيلي كثيراً خلال ثمانينيات القرن العشرين، وتحديداً بعد سنة 1982، ووُضعت مبادئها الأساسية على يد كبار الحاخامات والقادة السياسيين. وقد تعاقبت عليها، منذ بداية نشأتها، تيارات مختلفة ومتنوعة؛ لكنها ظلت على الهوامش وفي الصفوف الوسطى، إلى أن أتى فكّ الارتباط مع غزة سنة 2005، الذي حمل معه عدداً من التحولات السياسية والاجتماعية.
وفي فصله الثاني، ذكر الكاتب وسائل الصهيونية الدينية في الصعود داخل الدولة، ففي ظلّ حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو (2015–2019) مثلاً، أصبح وجودهم في مراكز القوى المهيمنة بارزاً، من ضباطٍ في الألوية القتالية النخبوية، إلى قضاةٍ يمسكون بنحو ثلث تركيبة المحكمة العليا الإسرائيلية، كما يشغلون مناصب رئيسية في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى قيادات برزت في قطاعات الخدمة العامة؛ فالمستشار القانوني للحكومة، وقائد الشرطة، ورئيس جهاز الموساد، إضافة إلى مدير مكتب رئيس الوزراء، والسفير في أمريكا، جميعهم ينتمون إلى تيار الصهيونية الدينية. ولقد اهتمت الصهيونية الدينية بالإعداد المسبق الذي يهيئ دخول الجندي للجيش، فالمدارس التمهيدية التحضيرية التوراتية ما قبل العسكرية ظهرت وانتشرت في نهاية الثمانينيات، وأدت إلى ازدياد نسبة الجنود المتدينين من ذوي الأصول الدينية الوطنية الذين يخدمون في الوحدات القتالية للجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى تراجع نفوذ العلمانية في الجيش لصالح الصهيونية الدينية.
وأفرد الكاتب الفصل الثالث لأثر وصول تيار الصهيونية الدينية للسلطة، حيث استطاع المتدينون الحصول على مزيد من الامتيازات، وعززوا قوتهم المؤسساتية بشكل يفوق حجمهم الاجتماعي والسياسي، بحصولهم على حقائب وزارية كبيرة كالتعليم والقضاء، وزيادة المساعدات الاجتماعية للمدارس الدينية وطلابها؛ فأثر ذلك على الصفة العلمانية للدولة، وأثر على النظام القانوني في “إسرائيل”. فخلال فترة ولاية شاكيد كوزيرة للقضاء، عيَّنت من هذا التيار 300 من أصل 800 قاضٍ، وعينت 6 قضاة من أصل 15 قاضياً في المحكمة العليا، والذي يشكل 40% من القضاة، وهي أرقام قياسية.
وتعرَّض الكاتب لتبني الأحزاب اليسارية والعلمانية لمواقف هذا التيار، نتيجة توسع ذفوذه وتأثيره؛ فحزب ميرتس ليس الحزب الوحيد الذي تحولت قناعاته ليصبح قريباً من اليمين في طرحه الأيديولوجي والسياسي، ويحاول إرضاء المستوطنين في الضفة الغربية. لقد أصبح اليساريون الذين كانوا يعارضون الاستيطان والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية إلى جانب الإبقاء على المستوطنات فيها، إنه انتقال من اليسار إلى اليمين. كما نشهد انتقال اليمين إلى أقصى اليمين عند أحزاب أخرى كما هو حال الليكود.
وكان من آثار وصول تيار الصهيونية الدينية للسلطة، تسارع عملية ضمّ الضفة الغربية لـ”إسرائيل"، إذ تزايدت الأصوات بين سنتي 2011-2019، التي تدعو إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. ومن الناحية العملية، فإن عملية ضمّ الضفة الغربية بدأت بالفعل عبر خطوات رسمية قانونية وتشريعية، خصوصاً بعد سنة 2014، كإقرار الكنيست الإسرائيلي لـ"قانون التنظيم".
وختم سعيد بشارات كتابه بعدة توصيات، كان من بينها ضرورة بناء استراتيجية تتعامل مع هذا المستجد الذي يحاول تصفية القضية الفلسطينية، والذي يُعدّ مانعاً كبيراً أمام إحراز أي تقدُّم سياسي في الحاضر والمستقبل.
الرابطة الدولیة للخبراء والمحللین السیاسیین
إضافة تعليق جديد