التنافس على الطاقة في شرق المتوسط
إعداد: نور الشربجي
كتب سايمون هندرسون مقالاً بعنوان «تواجه الجهات المتنافسة على الطاقة في شرق المتوسط واقعاً اقتصادياً قاسياً» نشره معهد واشنطن بتاريخ 17 تموز/يوليو 2020.يقول هندرسون: يغرق شرق البحر المتوسط أكثر فأكثر في الاضطرابات الإقليمية. ففي 13 تموز/يوليو، قال المسؤولون في شرق ليبيا إنهم سيرحّبون بالتدخل العسكري المصري من أجل التصدي للدعم الذي تقدّمه تركيا للحكومة المنافسة التي تعترف بها الأمم المتحدة في طرابلس. ويشمل دعم أنقرة اتفاقاً تم التوصل إليه العام الماضي بشأن حدود بحرية مشتركة ستسمح لتركيا بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
يعود البحث التركي –والذي لم يؤت ثماره– عن احتياطيات الهيدروكربون جزئياً إلى النجاح النسبي لاكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط من قبل قبرص ومصر و"إسرائيل" على مدى العقدين الماضيين. لكن من الناحيتين الجغرافية والقانونية، فالحدود البحرية التي طالبت بها أنقرة حديثاً هو أمر صعب ومُبالغ فيه. ففكرة امتلاك تركيا وليبيا منطقتيْن اقتصاديتيْن خالصتيْن مجاورتيْن تفترض قبول تفسير مريب لـ "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" لعام 1982 وهي: أنّ (كريت) وأجزاء أخرى من اليونان تقتصر على الحدود الممتدة على المسافة المعيارية البالغة 12 ميلاً والمتخصصة للمطالب السيادية البحرية، وليس المسافة البالغة 200 ميل والمتخصصة للمطالب الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، عقدت أنقرة الاتفاق مع السلطات التي لا تسيطر على الجزء المناسب من الخط الساحلي الليبي. هناك تطور آخر هو عدم وجود حدود بحرية مرسومة بين ليبيا ومصر. وبموجب القانون الدولي، تتطلب الحالات المشابهة اتفاق جميع الأطراف المعنيّة –ولا يمكن ببساطة عرض الموضوع للقاهرة على أنه أمر واقع.إن أحد الدوافع المتصورة للاتفاق بين تركيا وليبيا هو ردع بناء خط أنابيب في قاع البحر لتصدير الغاز القبرصي إلى الأسواق الأوروبية. فرغم إمكانية بناء هذه الخطوط عبر المناطق الاقتصادية الخالصة التابعة للبلدان الأخرى، إلا أنه يجب الحصول على الإذن أوّلاً. وحتى لو يتجنب اتفاق أنقرة المتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة مع طرابلس هذه العقبة، فقد تبرز حالات لا متناهية من التأخير بسبب الهواجس البيئية، سواء كانت حقيقية أو متصورة.
أدى التأثير الاقتصادي الناتج عن فيروس كورونا، إضافة إلى تكلفة تطوير احتياطيات الغاز في أعماق قاع البحر على بُعد أميال عديدة من الشاطئ، إلى إعادة تقييم توقعات الطاقة في المنطقة. فمثلاً، اكتشفت كلٌّ من شركات "إكسون موبيل"، و"نوبل إينرجي" في هيوستن، و"توتال" الفرنسية حقولاً كبيرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة في قبرص قبل تفشي الوباء، ولكن من المرجح أن تُرجئ القيام بالمزيد من عمليات التنقيب لعدة سنوات في أفضل الأحوال. وهذه الوقائع التجارية الجديدة أكثر أهمية من أي مطالبات تركية بمثل هذه الاكتشافات (ولا تعترف أنقرة بأنه حتى لدى قبرص "منطقة اقتصادية خالصة").
إنّ خط الأنابيب المقترح لقاع البحر، الذي تبلغ كلفته 7 مليارات دولار ويمتدّ من حقول الغاز البحرية القبرصية إلى اليونان وإيطاليا، يثير الشكّ بشكل متزايد نظراً لانخفاض سعر الغاز واعتماد الخط على إيجاد احتياطيات إضافية لتحقيق الأرباح. وتخطط الجزيرة حالياً لاستيراد الغاز من أجل توليد الكهرباء، والذي سيحلّ محل واردات الفحم المستخدَم عادةً في محطات الطاقة المحلية.
من جهتها، تواجه "إسرائيل" صعوبة في استقطاب شركات التنقيب للبحث عن احتياطيات جديدة في حقليْ ليفياثان وتمار، رغم النجاح الذي حققته شركة "نوبل إينرجي" سابقاً في العثور على مخزون كبير. إنّ تراجع أسعار الغاز يعني أنّ هذا التنقيب يوشك أن يصبح غير قابل للاستمرار بالنسبة للشركات. وتفاوضت "نوبل" مع شركائها الإسرائيليين بشأن سعرٍ طويل الأمد يفوق التكلفة الحالية لحمولات الغاز الطبيعي المُسال المستورد، ما دفع "شركة الكهرباء الإسرائيلية" إلى البدء بشراء الغاز الطبيعي المُسال للمبيعات المحلية الإضافية. وربما تكون البلاد قد اكتسبت أمن الطاقة من حقولها من الغاز، لكنّ أحلامها المتعلقة بصندوق الثروة السيادي قد تلاشت في الوقت الحالي، وربما إلى الأبد.
ولا تزال مصر الجهة الفاعلة المهيمنة في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط، إذ إنّ إجمالي احتياطها من الغاز أكبر بكثير من احتياطيات "إسرائيل" أو قبرص. وتتميز القاهرة أيضاً بسوق محلية كبيرة، وقدرتها على تصدير فائض الكميات عبر محطتين للغاز الطبيعي المُسال على شاطئ دلتا النيل. ومن المتوقع أن يتم قريباً التوقيع على عقود لِستّة مراكز تنقيب بحرية جديدة غرب الدلتا، من بينها مركزان تمتلك فيهما شركة "نوبل" حصة.
أما قصة النجاح التي حققتها مصر في مجال الطاقة، فهي تسبب على الأرجح الإحباط لأنقرة، إذ تُعدّ القاهرة منافستها الرئيسة. فحتى ضمن تحديد تركيا الموسّع للمياه المُطالَب بها، لم تبلغ حملة تنقيبها عن الطاقة أهدافها الكبيرة جدّاً. لكن إحدى النتائج الجيدة هي أنّ وارداتها من الغاز الطبيعي المسال أقلّ ثمناً الآن، ولو أنّ معظم طلبها المحلّي ما زال يعتمد على صفقات الإمداد طويلة الأمد مع روسيا وأذربيجان وإيران.
بالنسبة لسورية، فإن أيّ دور تأمل أن تلعبه في التنقيب البحري يبدو غير مرجح مع استمرار الحرب الدائرة فيها، ولا يكثر التفاؤل حول تقديرات الطاقة في الزاوية الشمالية الشرقية من البحر المتوسط. أما لبنان فيتمتع بتوقعات أفضل، رغم أنّ عملية الحفر الأولى في بحر بيروت كانت مخيّبة للآمال، ولا يُحتمل القيام بالمزيد من التنقيب خلال الأزمة السياسية والماليّة الراهنة.
وبصرف النظر عن الخطاب الساخن في المنطقة، يشير المنطق الاقتصادي على المدى القريب إلى أن الجانب المتعلق بالطاقة من التوترات في شرق البحر المتوسط مبالغٌ فيه إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، يجب أن يبقى التعاون في مجال الطاقة أساساً لانخراط السياسة الأمريكية في المنطقة، إذا كان فقط للمساعدة على اعتدال المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة.
الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات
إضافة تعليق جديد