تقرير الجمل حول توقعات ما بعد وقف إطلاق النار

الجمل: بدءاً من الساعة الثامنة صباح اليوم، تكون عملية صراع الإرادات في الساحة اللبنانية  قد دخلت مرحلة جديدة، وذلك لان مضمون القرار الدولي رقم 1701، وترتيباته الإجرائية، تتضمن المزيد من الوقود المحفز لصراعات العملية السياسية لا في لبنان وحده، وإنما في عموم النطاق الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط.
توصيف الوضع الكلي:
• على الصعيد العسكري الميداني:
- أدخلت إسرائيل 30 ألف جندي إلى جنوب لبنان في الساعات الأخيرة التي سبقت تنفيذ عملية وقف إطلاق النار.. وتعمل باجتهاد من أجل احتلال جنوب لبنان بعمق 20 كيلومتراً حتى نهر الليطاني، كذلك أعلنت عن رغبتها في إجراء مفاوضات لإطلاق سراح جنودها المعتقلين لدى حزب الله، إضافة إلى عزمها الاستمرار في حصار لبنان براً وبحراً وجواً.
- أعلن حزب الله عن قبوله لوقف إطلاق النار بتحفظ اشترط فيه أن المقاومة سوف تستمر مادامت القوات الإسرائيلية موجودة في جنوب لبنان.
• على الصعيد السياسي:
- إقليمياً: أعلنت الدول العربية عن ترحيبها بقرار وقف إطلاق النار، مع إبداء الكثير من الانتقادات والتحفظات حول مضمونه وملابساته وتداعياته، على وضع وتوازنات الصراع في المنطقة.
- دولياً: أعلنت أمريكا والدول الغربية الحليفة لها عن أملها في أن يتم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وأعلنت (تركيا) لحظة صدور القرار 1701 عن رغبتها في إرسال قوات من أجل المشاركة في عملية وقف إطلاق النار وحفظ السلام في المنطقة، كذلك أعلنت بعض الدول الأخرى، ومن بينها ماليزيا والمغرب.. أما السويد، فأعلنت عن عن رغبتها في استضافة مؤتمر يضم الـ(مانحين) من أجل تقديم الدعم الدولي لإعادة تعمير لبنان.. وبالنسبة لفرنسا، فقد أعلنت عن رغبتها بإرسال 1000 جندي فرنسي ضمن القوات الدولية إلى جنوب لبنان، إضافة إلى التوقعات بأن فرنسا سوف تقوم بعملية قيادة القوات الدولية.
- لبنانياً: تفادت الحكومة اللبنانية مناقشة أمر نزع وتجريد حزب الله، وذلك تجنباً للتداعيات السالبة التي يمكن أن تنشأ.. وبدأ رئيس الوزراء فؤاد السنيورة تحركاته من أجل تامين عملية تجميع القوات الدولية، كذلك لوحظت تحركات بوساطة النازحين اللبنانيين باتجاه العودة إلى مناطقهم في جنوب لبنان.
تفاعلات ما بعد الساعة الثامنة من يوم 14/8:
• النيات الإسرائيلية: تشير إلى رغبة في استمرار العدوان، وذلك لأن إدخال 30 ألف جندي إلى جنوب لبنان، يتناقض كلياً مع الرغبة في تحقيق السلام، خاصة وأن هذا العدد، إضافة إلى الحشود العسكرية الموجودة على الحدود داخل إسرائيل، لا يتناسب مع الطاقة العسكرية لمسرح القتال اللبناني الجنوبي، وبعبارة أخرى، إن هذا الحجم من القوة العسكرية، والمصحوب بعملية استمرار الحصار على لبنان، يشير إلى رغبة إسرائيل في توسيع المواجهة، وبالتالي فإن القرار الدولي 1701 بالنسبة لإسرائيل (وفقاً لسلوكها الحالي) ليس سوى هدنة، للراحة وتلقي الإمدادات الأمريكية والتأثير سلباً على وحدة اللبنانيين، وانتظار ذريعة أخرى لبدء المرحلة الثانية من الحرب والعدوان.
• النيات اللبنانية:
- حزب الله يفهم تماماً حقيقة النيات الإسرائيلية، وأيضاً يفهم تماماً أن صراعه ضد إسرائيل سوف يظل مستمراً ضمن دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي، وليس الأمر رهيناً بجنوب لبنان، بل يرتبط بوجود النزعة العدوانية الإسرائيلية التي تغذي هذا الصراع، على خلفية أن الأطماع الإسرائيلية واحدة سواء كانت غزو جنوب لبنان ومياه الليطاني، أو أراضي الضفة الغربية، والجولان، ومياه نهر الأردن... وغيرها.
- القوى السياسية اللبنانية الأخرى: باستثناء حزب الله، والأحزاب التقدمية اللبنانية، ظلت في حالة من الـ(صمت السلبي)، بما يشير إلى أنها تنتظر قدوم اللحظة المناسبة، لكي تقول ما تضمره، ويبدو أن هذا الصمت كان موقفاً تكتيكياً من جانب هذه القوى، خوفاً من الاصطدام مع الرأي العام اللبناني المؤيد بشكل كامل للمقاومة.
تقويم الوضع الكلي:
العملية السياسية التي بدأت بعد صدور القرار 1701 سوف تؤدي إلى انقسام القوى السياسية اللبنانية إلى معسكرين، الأول بقيادة المقاومة وسوف يراهن على عدم جدية ومصداقية إسرائيل وأمريكا في تنفيذ الاتفاقيات وبناء السلام في المنطقة، وبالتالي سوف يتمسك هذا المعسكر بحقه في مقاومة الاحتلال والوجود العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك الاحتفاظ بسلاحه، مادامت إسرائيل من الجانب الآخر تحتفظ  بترسانة أسلحتها التي تهدد الأمن الإقليمي، ولن تقبل المقاومة اللبنانية بنزع سلاحها، إلا كحل أخير ضمن عملية تحقيق السلام الشامل والعادل للصراع العربي- الإسرائيلي.
أما المعسكر الثاني، فسوف يكون هذه المرة منقسماً إلى معسكرين فرعيين، هما: (محور متشدد)، ويطالب بوضوح بتنفيذ كل ما تطلبه أمريكا وإسرائيل، وعلى الأغلب أن يضم هذا المعسكر الفرعي جماعة قرنة شهوان، الكتائب (بقيادة أمين الجميل)، والقوات (بقيادة سمير جعجع).. و(محور أقل تشدداً)، ويمكن أن يضم هذا المعسكر الفرعي: تيار المستقبل، وحزب جنبلاط، وبقية التيارات الصغيرة الأخرى في الساحة اللبنانية.. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المعسكر الفرعي لن يكون مختلفاً بقدر كبير عن سابقه، فكلاهما سوف يكون موافقاً على نزع سلاح حزب الله وقبول الأجندة الإسرائيلية- الأمريكية، والخلاف فقط سوف ينحصر بينهما في الكيفية التي يمكن أن يتم بها ذلك، باعتبار أن الحريري سوف يكون أكثر ذرائعية وبراجماتية في القبول، وذلك خوفاً من التداعيات السالبة التي يمكن أن تؤدي لردة فعل سنية دينية ضده داخل وخارج لبنان.. أما جنبلاط، فبرغم أن مكانه الطبيعي هو حصراً مع الكتائب والقوات، إلا أن نزعة الانتهازية السياسية، سوف تجعله يفضل الإمساك بـ(ذيل الحريري) وجماعة المستقبل في المرحلة القادمة، وذلك بشكل يحقق له (توازنات المصالح)، بين حلفائه الداخليين (في بيروت) وحلفائه الخارجيين (في واشنطن وتل أبيب).
الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا.. سوف تقوم بتنفيذ اللعبة السابقة نفسها إزاء لبنان والتي بدأت بـ(مؤتمر المانحين) في باريس، والذي استطاعت أمريكا استخدام أجندته (غير المعلنة) في الضغط والابتزاز على القوى السياسية اللبنانية، على النحو الذي مكن المخابرات الإسرائيلية من تنفيذ سلسلة الاغتيالات، أدى إلى انقسام الشارع اللبناني، وفتح الباب واسعاً أمام التدخل الدولي بالقرار 1559، وخروج القوات السورية من لبنان، بما ترتب عليه انكشاف الأمن اللبناني.
الآن، سوف تعود القصة نفسها، وبكلمات أخرى: سوف يكون (مؤتمر المانحين لإعادة تعمير لبنان) هو القارورة الجديدة للنبيذ القديم الذي سبق وأن حمل اسم (مؤتمر المانحين بباريس).
بمجرد صدور القرار الدولي 1701 أعلنت السويد (وكأنها على موعد ) عن رغبتها في استضافة مؤتمر يضم المانحين من أجل إعادة تعمير لبنان.. وبالتأكيد سوف تأتي أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان... وغيرها، إضافة إلى الدول العربية النفطية، وسوف يتم الإعلان عن التبرعات، وسوف تشترط أمريكا أن يتم وضع الأموال –إن تم دفعها- ضمن صندوق إعادة تعمير لبنان، والذي سوف تكون أمريكا مسؤولة عنه.
وسوف يتم توجيه الدعوات لـ(زعماء البيروتيين).. وغيرهم من زبائن أمريكا في مجلس النواب اللبناني.. وذلك ضمن سلسلة جولات مكوكية، (على الأغلب أن يقوم زياد عبد النور بتنسيقها بعد أخذ الإذن والموافقة من إليوت ابراهام وبقية زمرة الإيباك المنضوين تحت منتدى الشرق الأوسط، ومنظمة تحرير لبنان.
وسوف تقوم الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل بإملاء المزيد من الشروط عليهم في كل مرة، بحيث كلما نفذوا شرطاً، وطلبوا الدعم ومال إعادة التعمير، تقوم الإدارة الأمريكية بوضع شرط آخر.. وهكذا سوف تستمر عملية التأجيل والابتزاز، بشكل يؤدي إلى مزيد من الخلافات والانقسامات في الساحة السياسية اللبنانية، وسوف تقوم إسرائيل بمراقبة التطورات في هذه الساحة، وسوف تتدخل بلاشك، من أجل توجيه هذه التطورات لمصالحها، وإن تطلّب الأمر، فربما تلجأ لسلسلة من الاغتيالات التي تهدف إما لإقصاء خصومها أو لرفع معدلات الكراهية بين اللبنانيين، على النحو الذي يدخل العملية السياسية اللبنانية في نفق الحرب الأهلية، على النحو الذي يتيح لإسرائيل احتلال نصف لبنان الجنوبي بالكامل، ووضعه بالكامل تحت سلطة الكيان الصهيوني، والادعاء أمام المجتمع الدولي بدور الـ(مخلص) الذي يفعل ذلك من أجل السلام وإنقاذ اللبنانيين من خطر الحرب الأهلية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة