الأحداث السورية في الانتخابات التركية
الجمل: سوف تشهد الساحة السياسية التركية يوم الأحد القادم الموافق 12 حزيران (يونيو) 2011م، انعقاد فعاليات جولة الانتخابات البرلمانية العامة التركية، وبسبب تزايد أهمية الدور التركي الإقليمي والدولي، تبرز العديد من الأسئلة الحرجة: ما هي حقيقة الصراع السياسي التركي، وما هي علاقة الصراع السياسي الانتخابي بتوازنات تركيا الداخلية وعلاقتها بالتطورات الإقليمية والدولية وعلى وجه الخصوص لجهة تأثيرات الأوضاع الشرق أوسطية الجارية حالياً وبالذات فيما يتعلق بالحدث السوري؟
* الانتخابات العامة البرلمانية التركية: توصيف المعلومات الجارية
يعتبر البرلمان التركي بمثابة الكيان الرئيسي المعني بشؤون السلطة التشريعية، بما يشمل إصدار التشريعات والقوانين، إضافة إلى مراقبة أداء السلطة التنفيذية، وتقول المعلومات، بأن البرلمان التركي يتكون من 550 مقعداً، وبالتالي فإن نسبة الأغلبية التصويتية المطلوبة هي الحصول على 276 مقعداً.
على أساس اعتبارات التوازنات الحالية، يمكن الإشارة إلى وجود ثلاثة كتل برلمانية سياسية رئيسية، ظلت تهيمن وتمارس حضورها القوي على فعاليات السلطة التشريعية، وهي:
• حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، له 341 مقعداً، وبالتالي، فهو حزب الأغلبية الحاكم، وينتمي إليه رئيس الجمهورية عبد الله غول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، إضافة إلى الأغلبية العظمى داخل مجلس الوزراء، هذا، وزعيم الحزب هو رجب طيب أردوغان.
• حزب الشعب الجمهوري، له 112 مقعداً، وبالتالي فهو الحزب المعارض الرئيسي، ولم يسع للمشاركة في أي ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، وزعيم الحزب هو كمال كيليس دار أوغلو.
• حزب الحركة القومية، له 76 مقعداً، وبالتالي فهو ثاني حزب معارض، وزعيمه دولت باهسيلي.
تقول المعلومات، بأن عدد الأحزاب التي انخرطت في فعاليات هذه الانتخابات هو 27 حزباً سياسياً، وقد وقعت رسمياً على قرار المشاركة الانتخابية، وهناك تسعة أحزاب سياسية صغيرة قررت تغيير استراتيجيات خوضها للمعركة الانتخابية بحيث: بعض هذه الأحزاب قررت الدخول بشكل مستقل، أي ضمن قوائم المستقلين، وأحزاب أخرى، قررت تشكيل ائتلاف حزبي موحد لخوض الانتخابات ضمن برنامج مشترك واحد. وإضافة لذلك فقد قررت اللجنة العليا للانتخابات حرمان حزبين من المشاركة الانتخابية بسبب عدم اكتمال تقديم المستندات الضرورية اللازمة لخوض الانتخابات بحسب ما هو منصوص عليه في اللوائح والقوانين الانتخابية التركية.
أما بالنسبة لحزب السلام والديموقراطية (الكردي)، فمن غير المؤكد أن يحصل هذه المرة على نفس الوزن الذي حصل عليه سلفه حزب المجتمع الديموقراطي (تم حظره بواسطة المحكمة الدستورية العليا بسبب تورطه مع حزب العمال الكردستاني التركي). وتقول المعلومات بأن السبب الرئيسي يتمثل في قيام السلطات التركية بحظر معظم رموز وقادة الحزب من خوض المنافسة الانتخابية الحالية بسبب ارتباطهم وتورطهم في فعاليات الحركات الانفصالية الكردية المحظورة.
* قضايا الصراع الانتخابي
ينطوي القوام المجتمعي السياسي التركي على وجود أربعة قوى رئيسية فاعلة، لكل واحدة مذهبيتها السياسية الخاصة بها، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• القوى العلمانية: تساند بشكل واضح حزب الشعب الجمهوري الشديد الارتباط بالطابع الحضاري الأوروبي الغربي والأمريكي، ويجد هذا الحزب سنده الشعبي في سكان المدن الساحلية الكبيرة، وبالذات في المناطق الساحلية التركية المطلة من جهة الغرب والجنوب على البحر الأبيض المتوسط.
• القوى القومية ـ الاجتماعية: تساند بشكل واضح حزب الحركة القومية التركية، الشديد الارتباط بالطابع الطوراني القومي الاجتماعي، الذي يسعى إلى إدماج تركيا ضمن مناطق آسيا الوسطى والقوقاز، باعتبارها تمثل الأمة التركية، ومعظم أنصار هذا الحزب في المناطق الشمالية الشرقية وبعض مناطق الساحل التركي الشمالي المطل على البحر الأسود.
• القوى الكردية: تتمركز في مناطق جنوب شرقي تركيا وتساند بشكل واضح على المستوى "المعلن" حزب السلام والديموقراطية الحالي، وعلى المستوى "غير المعلن" حزب العمال الكردستاني، وذلك على أساس اعتبارات استخدام استراتيجية العصا (حزب العمال الكردستاني)، والجزرة (حزب السلام والديموقراطية) بحيث إذا وافقت السلطات التركية على توجهات حزب السلام والديموقراطية، فإن المجتمع الكردي سوف يقبل البقاء ضمن تركيا الموحدة، وإذا لم توافق على هذه التوجهات، فإن حزب العمال الكردستاني سوف يكون هو الوسيلة الأساسية لجهة إقامة كيان كردي منفصل عن الدولة التركية.
• القوى الإسلامية: تساند بشكل واضح حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الحاكم حالياً، وتتمركز هذه القوى في المناطق الداخلية، إضافة إلى بعض المناطق الساحلية، وتشير المعطيات إلى أن تزايد حجم هذه الكتلة يعود بشكل أساسي إلى عدة عوامل، أبرزها نسبة النمو السكاني المرتفعة خلال الحقب الماضية في المناطق الريفية ذات التوجهات الإسلامية السنية، إضافة إلى تزايد مشاعر الإحباط في أوساط الرأي العام التركي إزاء عدم رغبة دول الاتحاد الأوروبي ضم تركيا لعضوية الاتحاد.
على أساس اعبتارات الرهانات الجارية، تقول المعلومات، بأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي هو الأوفر حظاً لجهة الفوز بنتيجة الانتخابات الجديدة، وذلك بسبب الآتي:
• تزايد القدرات الاقتصادية التركية، بما أدى إلى إفلات تركيا من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأوروبية والأمريكية.
• نجاح عمليات التسويق السياسي التي ظل حزب العدالة والتنمية يقوم بها خلال العام الماضي، وذلك بما أتاح له ليس تحقيق النصر في كسب نتيجة الاستفتاء الدستوري الأخير فحسب وإنما في الحفاظ على التفوق التصويتي الذي حصل عليه في هذا الاستفتاء.
وإضافة لذلك، تقول المعلومات، بأن أحد أسباب تفوق حزب العدالة والتنمية المتوقع في الانتخابات العامة الجديدة، يتمثل ليس في قوة الحزب وإنما في ضعف خصومه، وعلى وجه الخصوص حزب الشعب الجمهوري، الذي ظلت الفضائح الجنسية والمالية تطارد رموزه، وحالياً تقول المعلومات، بأن الفضيحة الجنسية التي سبق أن تورط فيه زعيم الحزب السابق دينيس بيكال، تتم حالياً عملية ترويج واسعة لها، بحيث أصبحت في مقدمة الموضوعات التي تتم مشاهدتها عبر الانترنت.
* سوريا والشرق الأوسط: تداعيات ما بعد الانتخابات التركية
سعت حكومة حزب العدالة والتنمية خلال الثلاثة أشهر الماضية لجهة اعتماد مواقف سياسية خارجية تركية مثيرة للجدل والاهتمام، تمثلت أبرز مؤشراتها في الآتي:
• التورط في دعم جهود التحالف الأوروبي الغربي ـ الأمريكي ـ السعودي الخليجي الساعي لاستهداف نظام الزعيم الليبي معمر القذافي واحتلال ليبيا.
• التورط في دعم فعاليات المعارضة السياسية السورية الخارجية، وعلى وجه الخصوص جماعة الإخوان المسلمين.
• التورط في ممارسة الضغوط على حركة حماس الإسلامية الفلسطينية من أجل المصالحة مع حركة فتح، والمضي قدماً باتجاه إنفاذ شروط اللجنة الرباعية الدولية التي تطالب بـ: الاعتراف بإسرائيل ـ الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ـ التخلي عن نهج المقاومة المسلحة ونبذ الإرهاب.
مصدر الغرابة في هذه المواقف تمثل في أنها صدرت من حكومة حزب العدالة والتنمية، التي ظلت طوال الأعوام السابقة أكثر اهتماماً بدعم العلاقات والروابط السورية ـ التركية، والروابط التركية مع حركات المقاومة الفلسطينية، والروابط التركية ـ الإيرانية، إضافة إلى مواقف أنقرا الشهيرة: رفض المشاركة في عملية غزو واحتلال العراق ـ رفض المشاركة في فرض العقوبات ضد إيران ـ رفض الحصار الإسرائيلي ضد قطاع غزة ـ رفض المحاولات الأمريكية ـ الإسرائيلية لاستهداف سوريا عبر الأراضي والأجواء التركية.
توجد حالياً العديد من التفسيرات التي تحاول فهم التغييرات الجديدة التي طرأت في مسار السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية، وعلى وجه الخصوص إزاء سوريا، وفي هذا الخصوص نستعرض الآتي:
• وجود علاقات تركية سعودية خليجية قوية، تعززت أكثر فأكثر بسبب تأثيرات العامل الديني المتمثل في وحدة المذهبية السنية التي تجمع مجتمعات هذه الأطراف، وتأسيساً على ذلك، فقد وجدت المعارضة الإسلامية السورية (تحديداً حركة الإخوان المسلمين) المجال والأرضية المذهبية الدينية المشتركة بما وفر لهذه الجماعة الاندماج ضمن هذه الظروف.
• وجود علاقات وروابط استراتيجية تجمع أمريكا مع تركيا والسعودية وبقية البلدان الخليجية، وتأسيساً على ذلك فقد نجحت واشنطن في توحيد موقف حلفاءها الشرق أوسطيين، الأمر الذي دفع تركيا بالضرورة لجهة اعتماد المواقف الأكثر انسجاماً مع مواقف السعوديين والخليجيين إزاء دمشق.
• وجود طموحات تركية تهدف لإحياء المشروع القيادي العثماني الشرق أوسطي، والذي ظلت المجتمعات السنية تمثل ركيزته الداعمة الأساسية، وتأسيساً على ذلك، أصبحت أنقرا أكثر اهتماماً بتعزيز روابطها وتحالفاتها مع الجماعات السنية أولاً ثم الدول والحكومات ثانياً.
• وجود ضغوط أمريكية ـ إسرائيلية كبيرة، تضع تركيا أمام أكثر الخيارات حرجاً، بحيث إما أن تلتزم أنقرا بالوقوف إلى جانب أجندة محور واشنطن ـ تل أبيب أو تقوم واشنطن بنقل منشآتها الحيوية إلى العراق وجورجيا. إضافة إلى قيام الشركات الأمريكية بتمديد أنابيب نقل النفط والغاز عبر جورجيا، وعبر الأردن. بدلاً عن تركيا.
هذا، وإضافة لذلك، تقول المؤشرات بأن أكبر الخيارات الصعبة أمام حكومة حزب العدالة والتنمية الماثلة الآن يتمثل في خيار مواجهة تزايد عمليات حزب العمال الكردستاني، على النحو الذي يزعزع استقرار أمن تركيا. إضافة إلى احتمالات تزايد النوايا الأمريكية الهادفة إلى إدماج الاقتصاد العراقي ضمن الاقتصاد السعودي والخليجي، بما سوف يترتب عليه حرمان الاقتصاد التركي من العائدات الكبيرة التي ظل يحصل عليها من خلال حركة التجارة العابرة للحدود العراقية ـ التركية، ونفس الشيء بالنسبة لأوروبا، فقد أصبحت توجهات دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية الثلاثة: فرنسا ـ ألمانيا ـ بريطانيا، أكثر التزاماً لجهة الوقوف إلى جانب الخيارات الأمريكية ـ الإسرائيلية الشرق أوسطية، وعلى وجه الخصوص إزاء سوريا وإيران والفلسطينيين، الأمر الذي دفع أنقرا إلى خيار الوقوف إلى جانب التوجهات الأوروبية على أمل أن تحصل أنقرا على بعض المكاسب في ملف الأزمة القبرصية، وملف المناطق البحرية المتنازع عليها بين تركيا واليونان، إضافة إلى ملف عضوية الاتحاد الأوروبي.
من الصعب التكهن باحتمالات أن تسعى أنقرا قريباً إلى تحسين موقفها الحالي إزاء ملف الاحتجاجات السياسية السورية، وبكلمات أخرى، طالما أن التزام أنقرا بموقفها الحالي الداعم لحركة الإخوان المسلمين السورية سوف يتيح لها الحصول على المزيد من المزايا والمنافع التجارية السعودية والخليجية، إضافة إلى رضا أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، فمن المتوقع أن لا يحدث تغيير أساسي في الموقف التركي إلا بعد أن تستقر الأوضاع الشرق أوسطية المضطربة. بما في ذلك أوضاع تركيا الداخلية نفسها، وحتى إذا نجح حزب العدالة والتنمية في حسم نتيجة الانتخابات لصالحه. فإن النوايا الأمريكية ـ الإسرائيلية الساعية إلى القضاء على حزب العدالة والتنمية واستبداله بحزب الشعب الجمهوري التركي ما تزال موجودة، وهو أمر يمكن الرهان عليه من خلال الحضور المكثف لليهود الأتراك في فعاليات حزب الشعب. سواء على مستوى القيادة أو حتى على مستوى القاعدة الشعبية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
تركيا العثمانية
إضافة تعليق جديد