خيارات واشنطن في استثمار حركة الاحتجاجات العربية (سورية نموذجاً)
الجمل: سعت واشنطن وحلفاءها الإقليميين والدوليين لجهة استغلال وتوظيف حركة الاحتجاجات السياسية السورية الأخيرة لجهة تحريك مفاعيل ملف الاستهداف مرتفع الشدة ضد دمشق وحلفاءها، ولكن، وعلى خلفية محدودية هذه الاحتجاجات تشير المعطيات إلى أن الأكثر احتمالاً هو الاكتفاء بملف الاستهداف المنخفض الشدة: فما هو الفرق بين الملفين، وما هي طبيعة الاستهداف المنخفض الشدة وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بمضمون مكوناته وخطوطه الأساسية؟
* مقاربة الحدث السوري: واشنطن ومنظور إدارة الأزمات
أصبح واضحاً ومعروفاً في أوساط جميع الخبراء والمحللين السياسيين والدوليين، أن واشنطن أصبحت أكثر اهتماماً بمقاربة الأزمات الإقليمية والدولية على أساس اعتبارات ما يمكن أن توفره من مزايا نسبية للمصالح الحيوية الأمريكية، وتأسيساً على ذلك أصبحت واشنطن أكثر انهماكاً في عمليات توجيه وإعادة توجيه ضغوط الأزمات على النحو الذي يحقق تعظيم المنافع إلى أكبر ما يمكن ويقلل الخسائر والمخاطر إلى أقل ما يمكن؛ وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى خطوط المنهجية التي تعاملت بها واشنطن مع الحدث السوري (الذي بدأت فعالياته منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011م الماضي، ووصل إلى خواتيمه على خلفية المواكب الشعبية الضخمة التي تحركت بالأمس في كافة المدن السورية دعماً لدمشق) على النحو الآتي:
• لجوء واشنطن خلال الثلاثة أشهر الماضية إلى تقديم مزايا وموارد القوة الإضافية لجهة دعم فعاليات المعارضة السورية: تقديم المال ـ تقديم الدعم الإعلامي ـ تقديم السلاح ـ تقديم الدعم الدبلوماسي ـ تقديم الحماية ـ تقديم حرية الحركة.. الخ.
• لجوء واشنطن خلال الثلاثة أشهر الماضية إلى محاولة بناء تحالف دولي إقليمي معادي لدمشق، ضمن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "نادي خصوم دمشق"، والذي ضم: باريس ـ لندن ـ لشبونة ـ إضافة إلى الدوحة ـ الرياض ـ أنقرا.
هذا، ولم يعد خافياً على أحد، أن جهود واشنطن المتعلقة باستهداف دمشق عن طريق خيار إقامة مناطق عزل الطيران عبر بوابة مجلس الأمن الدولي وصلت إلى طريق مسدود، كما أن استهداف دمشق عن طريق إقامة المناطق العازلة عبر بوابة أنقرا بما يؤدي إلى تدخل حلف الناتو قد وصلت أيضاً إلى نقطة الانغلاق، ولكن، برغم ذلك، فإن واشنطن لن تألو جهداً في استبدال خياراتها الفاشلة بخيارات أخرى جديدة تهدف إلى نفس ما كانت تهدف إليها سابقاتها الفاشلة، ولكن بالوسائل الأخرى.
* ملف الاستهداف المنخفض الشدة: خيارات واشنطن الجديدة إزاء دمشق
تقول إحدى الأوراق البحثية المنشورة على صفحات موقع جيوبوليتيكال مونيتور، وأعاد نشرها موقع غلوبال ريسيرتش الكندي الذي يشرف عليه الخبير ميشيل خوسودوفيسكي، بروفيسور الاقتصاد السياسي الرفيع المستوى، بأن واشنطن وحلفاءها، وعلى وجه الخصوص إسرائيل والسعودية أصبحوا أكثر اهتماماً لجهة القيام باستغلال المزايا التي يمكن أن توفرها لهم حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية الجارية حالياً، وفي هذا الخصوص، وبحسب المعلومات الواردة في الورقة، يمكن إسقاط مضمونها لجهة تشكيل خيارات واشنطن الجديدة، إزاء دمشق، على النحو الآتي:
• استهداف البيئة الداخلية السورية: وسوف يتضمن النقاط الآتية:
ـ تصعيد فعاليات الضغوط الاتصالية الإعلامية بما يؤدي إلى توسيع وتعميق التضليل الإعلامي والمعلوماتي، على النحو الذي يساعد في تصعيد المعارضة السياسية الداخلية على المستويين الرأسي والأفقي.
ـ تصعيد فعاليات الحرب الاقتصادية السرية، عن طريق توسيع أنشطة التهريب العابرة للحدود والمضاربات الوحيدة الاتجاه، بما يمكن أن يلحق ضرراً بقيمة العملة السورية وبمستوى المعيشة، إضافة إلى نشر الاضطراب التجاري في الأسواق الداخلية.
ـ نشر ثقافة العنف السياسي والعنف الهيكلي الرمزي لجهة توسيع وتعميق شدة الكراهية بين المكونات الاجتماعية والطائفية.
• استهداف البيئة الخارجية السورية: وسوف يتضمن النقاط الآتية:
ـ إضعاف حلفاء سوريا اللبنانيين: وذلك عن طريق دعم خصوم سوريا اللبنانيين المصحوب باستهداف كل مكونات قوى 8 آذار القريبة من دمشق، وبكلمات أخرى، طالما أن دمشق ظلت طوال المراحل الماضية ترفض التخلي عن حلفائها اللبنانيين، فإن المطلوب أمريكياً خلال الفترة القادمة سيتمثل في تصعيد الضغط المزدوج: ضغط على دمشق من أجل أن تتخلى عن حلفائها اللبنانيين، وضغط على حلفاء دمشق اللبنانيين لكي يتخلوا عنها.
ـ إضعاف حلفاء سوريا الفلسطينيين: وذلك عن طريق دعم خصوم سوريا الفلسطينيين المصحوب باستهداف كل المكونات السياسية والمجتمعية الفلسطينية الداعمة لدمشق، وبكلمات أخرى إذا كانت دمشق ظلت طوال المراحل الماضية أكثر اهتماماً بعدم التخلي عن الفلسطينيين، فإن المطلوب أمريكياً خلال الفترة القادمة سوف يتمثل في تصعيد الضغط المزدوج: ضغط على دمشق من أجل أن تتخلى عن حلفائها الفلسطينيين، وضغط على حلفاء دمشق الفلسطينيين لكي يتخلوا عنها.
ـ إضعاف روابط سوريا الإقليمية: وذلك عن طريق توجيه وإعادة توجيه مكونات خارطة الاصطفافات الدبلوماسية الإقليمية، بحيث يتم منع معسكر خصوم دمشق الإقليميين من القيام بأي عمليات اقتراب وتقارب جديدة مع دمشق، إضافة إلى العمل في نفس الوقت لجهة الضغط على حلفاء دمشق الإقليميين من أجل التخلي عنها والانضمام لمعسكر خصومها، ومن أمثلة ذلك التغييرات الطارئة التي حدثت في الموقف التركي الأخير إزاء دمشق.
تشير التطورات الجارية في هذه اللحظة، إلى وجود المزيد من الفعاليات الدبلوماسية الساعية لدعم الموقف الإسرائيلي، وذلك عبر بنود معادلة المقاربة الأمريكية القائلة، بأن كل ما من شأنه أن يضعف دمشق هو بالضرورة يعزز بطريقة أو بأخرى موقف إسرائيل في معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• تقوم أنقرا في الوقت الحالي بمحاولة رعاية واحتضان أوراق ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن أنقرا تستضيف حالياً خالد مشعل زعيم حركة حماس الفلسطينية، وبدعوة من أنقرا سوف يتوجه محمود عباس زعيم حركة فتح بزيارة تركيا، من أجل حل الخلافات المتصاعدة بين حركة فتح وحركة حماس حول كيفية إنفاذ بنود اتفاقية المصالحة الفلسطينية الأخيرة.
• ظل خالد مشعل زعيم حركة حماس بعيداً طوال الأشهر الماضية عن دمشق، وظل يتحرك على خط علاقات الدوحة ـ أنقرا؛ وتقول التسريبات بأن خالد مشعل الذي بقي فترة في الدوحة، يتواجد الآن في العاصمة التركية أنقرا، لجهة التفاهم مع القيادة التركية حول مدى إمكانية قيام حركة حماس بالاعتراف بشروط اللجنة الدولية الرباعية: الاعتراف بإسرائيل ـ التخلي عن المقاومة المسلحة ـ الاعتراف بالاتفاقيات التي سبق أن وقعتها حركة فتح مع إسرائيل، إضافة إلى السعي من أجل إنجاز صفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
أصبحت حركة الاحتجاجات السياسية السورية المحدودة على وشك الانتهاء، وبرغم ذلك فمن المتوقع أن تظهر بين الحين والآخر بعض الاحتجاجات الصغيرة المحدودة، وتحديداً في أيام عطلة الجمعة. وبالانطلاق من بعض الجوامع والمساجد المعروفة بتمركز وتواجد العناصر الأصولية المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين السورية، ولكن ما هو مهم يتمثل في الآتي:
• أصيبت واشنطن بخيبة أمل كبيرة إزاء مصداقية المعارضة السورية الخارجية في تنفيذ عمليات التصعيد السياسي داخل سوريا.
• أصيب الرأي العام العربي ـ الشرق أوسطي الداعم لقوى المقاومة بخيبة أمل كبيرة إزاء مصداقية القيادة التركية في تنفيذ عمليات تصعيد السياسي الدبلوماسي ضد المشروع الإسرائيلي.
هذا، وتقول آخر المعلومات بأن الزعيم الجمهوري المتشدد جون ماكين والزعيم الديموقراطي السيناتور جون كيري، قد تقدما بمشروع قرار يطالب إدارة أوباما بعدم التورط في إرسال القوات الأمريكية إلى ليبيا. وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى أن إرسال القوات الأمريكية إلى ليبيا كان يهدف في أحد جوانبه الرئيسية إلى التمهيد لجهة احتمالات إرسال القوات الأمريكية إلى سوريا في حالة نجاح فعاليات المعارضة السورية في تصعيد الاحتجاجات على طريق سيناريو احتجاجات بنغازي الليبية التي وفرت الذرائع والمبررات لعمليات التدخل بواسطة حلف الناتو وخصوم القذافي الخليجيين.. ولكن، وبفعل الإدراك الأمريكي المتزايد لجهة عدم تميز المعارضة السورية بالقدرات الكافية التي تتيح لها "صناعة الاضطرابات" في سوريا فمن الأفضل عدم توريط أمريكا في الفصل الأول الليبي طالما أن الفصل الثاني السوري ـ وهو الأهم ـ قد أصبح فشله مؤكداً.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد