مسألة الاختلاط في المدارس والجامعات السورية
بمجرد اقترابي منهم ينسحب شابان من المجموعة فوراً، ليتواريا خلف الأشجار يراقبان ما يحدث من بعد.
أربعة شبان يتشاركون مقعداً في حديقة كلية الحقوق الأقدم في جامعة دمشق. أستأذنهم في مقاطعة جلستهم، وأخبرهم بأنني في حاجة الى بضع دقائق استطلع رأيهم في موضوع الاختلاط في الجامعات بين الشبان والفتيات. وقبل أن أكمل الكلمة الأولى واجهتني أبلغ إجابة إذ انسحب شابان من الجلسة لكوني في «منطقة محظورة».
يشكل هذان الشابان مع أمثالهم نسبة لا تقل عن ثلث طلاب جامعة دمشق. يرفضون مبدأ الاختلاط بين الشباب والفتيات في الجامعات والمدارس. وعلى رغم أن النسبة الأكبر تؤيد الاختلاط في الجامعات حيث بلغت 72 في المئة، في المقابل تبقى الأصوات الأخرى تعبر بوضوح عن موقفها الرافض للاختلاط لأنه «يسبب الكثير من المشاكل» أو لأن «مجتمعنا لا يناسبه الاختلاط بين الذكور والإناث». وثمة مبرر آخر لدى أصحاب هذا الرأي بأن «التحصيل العلمي يكون أفضل بغياب الاختلاط».
وعلى النقيض من ذلك يذهب الرافضون للفرز إلى أن وجود شباب وفتيات في قاعات الدراسة «دافع للمنافسة» و «يسمح بالتعرف الى الجنس الآخر في شكل أفضل» وأنه «لبناء مجتمع صحي يجب أن نكون سوية» و «لأننا سواسية لا فرق بين الذكور والإناث».
وترى غنوة الظاهر (22 سنة) الطالبة في كلية الآداب، أن «الإنسان في المرحلة الجامعية ينبغي أن يكون مدركاً لمسؤوليته في التعامل مع الطرف الآخر بالطريقة التي يراها مناسبة له. فالاختلاط فرصة للتلاقي بين نصفي المجتمع، وليس بالضرورة سبباً للمشاكل». وتعتقد زميلتها روز أن «الجامعة هي مؤسسة أكاديمية ولكن أيضاً اجتماعية وتحتاج الى أن يتشارك أفرادها مع بعضهم البعض لتقديم الدعم المتبادل».
ويضع بعضهم «حدوداً» للاختلاط ليكون طبيعياً وغير مبالغ فيه بحيث يبقى مرتبطاً بالحاجة إليه وبإطار «المساعدة في الدراسة»، كما يقول مازن أبو جيب الطالب في كلية الاقتصاد.
وبالانتقال من وسط الجامعات إلى المدارس الثانوية ففي دمشق 98 مدرسة ثانوية بين رسمية وخاصة منها 12 مدرسة مختلطة فقط. ويبلغ إجمالي عدد الطلاب في مرحلة التعليم الثانوي العام في هذه المدينة 38166 طالباً منهم 2603 فقط في المدارس المختلطة وفق أحدث إحصاء لمديرية التربية في دمشق.
وتحدد المدرسة بأنها مختلطة بين الذكور والإناث أو عكس ذلك من خلال قرار تصدره لجنة متخصصة بحسب ما توضح رئيسة دائرة الإحصاء في مديرية تربية دمشق هدى شيخ الشباب. وتضيف: «يتخذ قرار من هذا النوع بحسب حاجة المنطقة السكنية، ثمة مناطق لا يكفي عدد الطلاب فيها لافتتاح ثانويتين واحدة للذكور وأخرى للإناث لذا تفتتح في هذه الحال مدرسة واحدة مختلطة». وتنفي شيخ الشباب أن يكون التعصب عاملاً يتحكم بقرار تحديد نوع المدرسة مشيرة إلى وجود كثير من المدارس المختلطة في الريف، ومؤكدة على أن حاجة المنطقة هي الأساس.
وفي إطار الحديث عن الاختلاط بين الذكور والإناث في المدارس الثانوية، تبرز تجربة مدارس المتفوقين المختلطة المتواجدة في دمشق وبقية المحافظات السورية والتي يرى القائمون عليها أن «إيجابياتها أكثر من سلبياتها». ويقول مدير ثانوية الباسل للمتفوقين نعمة مسوّح: «تنقلت بين مدارس عدة منها المختلطة وغير المختلطة، ووجدت أن النوع الأول أكثر هدوءاً والتحصيل العلمي فيه أفضل، نتيجة المنافسة بين الذكور والإناث». ويضيف: «الاختلاط يخلق نوعاً من الأخوة بين الفتيات والشباب مما يقلص الهوّة بين الجنسين».
وتؤيد رهف جباوي تلميذة الأول الثانوي هذا الرأي مشيرة إلى أن مدرستها المختلطة تجعلها مهيأة أكثر لدخول جو الجامعة في المستقبل. وتقول رهف: «تغيرت نفسيتي بانتقالي إلى هذه المدرسة حيث اختلفت النظرة القاصرة إلى تعامل الشاب مع الفتاة، والتي كانت سائدة في مدرسة الإناث التي درست فيها سابقاً».
ويشكو طلاب هذه المدرسة المختلطة مشكلة واجهتهم من قبل بعض أعضاء الكادر التدريسي، ممن ليسوا مقتنعين بفكرة الاختلاط، وجاؤوا من طريق التعيين وليس الاختيار.
ويقول فراس سعد الدين وهو أحد طلاب الثانوية: «سبب تزمتهم كثيراً من المشاكل إذ أساؤوا التعامل مع الطلاب الذكور والإناث على السواء بتفسيرهم أبسط الأمور ضمن نطاق العيب والحرام».
ويشاركه الرأي زميله عمار رمضان (17 سنة) الذي يجد أن أكثر ما يعلمه الجو المختلط هو «اللباقة وحسن السلوك الاجتماعي». ويقول: «بوجود الجنس الآخر يكون هناك حساب دائم لتصرفاتك وتفكير برد فعل الآخرين».
وينصح عمار مدير مدرسته بتعميم التجربة ولكن بطريقة مبرمجة ومدروسة من قبل الجهات المتخصصة. ويقول: «مشاكل المراهقة لا تخفى على أحد، فلنضعها أمام أعيننا ونواجهها وذلك أفضل بكثير من أن تتفاقم في الخفاء».
لينا الجودي
المصدر: الحياة
التعليقات
كاماسوترا
لا يجوز
يجوز..... يجوز
الاختلاط في
إضافة تعليق جديد