الرقص يثير جنون سلفيي تونس: «مسلـم شايـك» هـو الحل
على جدول سلفيي تونس هذه الأيام مهمة جهاديّة جديدة. منذ عودتهم إلى ساحة المواجهة العلنيّة، بالتزامن مع الثورة على نظام بن علي، اختار السلفيون الصدام المباشر، وكانت الجامعات فضاء لانطلاق معركتهم الوجودية. الخلاف في كلية الآداب في سوسة والجدل الفتنوي حول فرض لبس النقاب ما زال حاضراً في الأذهان. أما اليوم، فينخرط السلفيون، ولا يمكن بالتأكيد شمل الحركة بالمجمل، في «رقص النار» مع «هارلم شايك» التي تشعل الشارع التونسي. صحيح أنه لا يمكن اختزال سبب الغضب السلفي برقصة، ولا الخوف التونسي من هذا الغضب ببعض اعتداءات متفرقة بين مدرسة هنا وجامعة أو شارع هناك. إلا أن الأمر بات بقياس قنبلة موقوتة مرشحة للانفجار بين لحظة وأخرى... والأسباب كثيرة.
«الشرطة السلفية» و«هارلم شايك»
بعد مقتل المناضل اليساري شكري بلعيد، ووقوع البلاد في حالة أمنية حرجة، بدأت تظهر دوريات لجماعات سلفية في العاصمة التونسية، ومحافظات أخرى، تدعي الحفاظ على الأمن وملاحقة المجرمين. وفي أحد التسجيلات تظهر مجموعة تسمى «الشرطة السلفية» مصحوبة بأناشيد دينيّة جهاديّة، وهي تتجوّل تحت شعار «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ويشارك في الدورية عشرات من السلفيين، مسلحين بالهراوات، ويتنقلون إما سيراً على الأقدام أو على دراجات نارية. وبحسب الصفحة الرسمية لتنظيم «أنصار الشريعة» السلفي فإن «هذه الدوريات هدفها حماية الأعراض والممتلكات». وكان السلفيون أطلقوا دعوات عبر «فايسبوك» إلى «أنصارهم» من أجل «حفظ الأمن»، كما وضعت بعض الصفحات أرقام هواتف «قد يحتاج أصحابها لمساعدة من الدوريات السلفيّة».
وشهدت هذه الظاهرة وقوع اشتباكات عدة مع السكان والشرطة، لا سيما في صفاقس وسيدي بو زيد. كما حصل في حي النور في سيدي بو زيد، حيث قاموا بالاعتداء على شبان بعد اتهامهم بـ«شرب الكحول وسبّ الجلالة»، وفي منوبة حيث اعتدوا على رئيس الشرطة.
اليوم، ومع انتشار رقصة «هارلم شايك» يكاد لا يمرّ يوم من دون اعتداء سلفي على أماكن تجمع الراقصين ـ الغاضبين، من دون مراعاة لحرمة مدرسة أو جامعة.
بداية اقتحم سلفيون مدرسة «الإمام مسلم» في العاصمة واعتدوا على الطلاب الذين نظموا الرقصة، بعد ذلك بأيام اقتحم نحو عشرة سلفيين مدعومين بطالبات محجبات «معهد بورقيبة للغات الحية» في «حي الخضراء» لمنع الطلاب من تنظيم الرقصة. وكان لافتاً ارتداء بعضهم للزي العسكري، فيما صفعت طالبة محجبة زميلتها ووصفتها بـ«الكافرة». وفي اليوم ذاته، اعتدى حوالي 20 سلفياً بالضرب على طلاب المدرسة الثانوية في الرقاب التابعة لولاية سيدي بو زيد. وبحسب مدرّسين، كانت المدرسة مراقبة قبل الاعتداء بأيام، كما أن الشرطة كانت متواجدة في المكان ولم تتدخل.
في اليوم التالي، وقعت اشتباكات بين طلاب جامعة منوبة قرب العاصمة وسلفيين تدخلوا لمنعهم من أداء «هارلم شايك»، لكن السلفيين انسحبوا بعد تدخل الشرطة للفصل بين الطرفين.
وفي سوسة، خلال الاشتباكات بين سلفيين وطلاب، استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب. الأمر الذي أثار ردود فعل معارضة، حيث خرج رئيس حزب نداء تونس المعارض الباجي قائد السبسي ليعلن تأييده لرقصة «هارلم شايك» «ما دامت تحترم الأخلاق».
كما عمدت رابطة حقوق الإنسان التونسية، بحسب رئيسها عبد الستار بن موسى، إلى زيارة وزير الداخلية (المكلّف حالياً بتشكيل الحكومة) علي العريض لتأكيد إدانتها مثل هذه الاعتداءات. وقد وعد الوزير، وفقاً لبن موسى، بالتحرك سريعاً من أجل معالجة هذه الظاهرة.
«مسلم شايك» على الطريقة السلفية
لا يقتصر جهاد بعض السلفيين على ساحات الرقص العامة، إذ ينتقل إلى كبار شيوخ السلفيين الذين يحذرون ممن «ضلوا سبيل الله»، ويصدرون فتاوى بتكفيرهم وإبادتهم. ثم يصل الجهاد إلى الفضاء الإلكتروني بتسجيل مصوّر تحت عنوان «مسلم تشايك».
وتناقلت الصفحات السلفيّة فتاوى وصفت الرقصة بـ«الكفر». كما بثت كل من صفحة «شيوخ السلفيين التونسيين» و«أهل السنة والجماعة» تسجيلاً لأبي صهيب التونسي، وهو من السلفيين البارزين، يدعو فيه «أتباعه إلى التعامل بحذر مع طلاب المدارس والجامعات الذين يرقصون تلك الرقصة». وفي المحاضرة الدينية يقول أبو صهيب «بعد خروج المتنطعين في المدارس وظهورهم بهيئة غير لائقة، أنبه إخواني السلفيين خاصة الطلاب منهم للتعامل معهم بحذر».
وفيما اعتبر أن «هؤلاء قد أعميت بصائرهم»، قال إنهم «مدفوعون بجهات تريد إيقاع الفوضى بين إخواننا السلفيين والطلاب»، خاتماً كلامه بالتهكم «ماذا يضرّ نباح الكلاب على السحاب» والدعاء»أرنا فيهم يوماً كيوم بدر».
وفي تسجيل «مسلم شايك»، يظهر خمسة طلاب في إحدى حجرات الدراسة، وبينما يرتدي أحدهم قناع «هارلم تشايك» الشهير ويرقص منفرداً، يعلو صوت الآذان فيهرع الباقون للصلاة، ويستمر هو في الرقص وحيداً. بعد ذلك يتساءل «أين اختفى الجميع»، ثم يركض ليلتحق بهم، حينها تخرج عبارة «هذا الفيديو للردّ على اللباس التنكري السخيف المثير للشبهات، وفيه الكثير من التفسخ والتخنث»، مصحوبة بآيات قرآنية.
المفارقة هنا أن كلمات أغنية «هارلم شايك» الثلاث «con la terroristas» تعني «مع الإرهابيين»، وربما لو فطن السلفيون ذلك لأعادوا النظر في الأغنية.
هكذا يواجه إسلاميو تونس اليوم ثورة من نوع آخر، تحتلّ السخرية فيها المقام الأول، وبين السخرية «البنّاءة» والعنف، لطالما أثبتت التجربة فشل الخيار الثاني. وكلما أظهر شبان تونس، ومثلهم شبان مصر، قدرتهم على تحويل هذه الرقصة من مجرّد إيحاءات جنسية إلى فعل ثوري شعبي، كلما جرّدوا السلفيين من عدة الشغل اللازمة: أدوات التكفير.
هذا الواقع، دفع بالسلفيين إلى إشهار سلاح «الدفاع عن فلسطين»، حيث يقول سلفي في إحدى التسجيلات «نريد أن ننهاكم عن المنكر، الإسرائيليون يقتلون إخواننا في فلسطين، وأنتم ترقصون؟». شعار بات فاقداً لبريقه. هدفه تحريك شبان ملّوا أساساً استغلال هذا الشعار لقمع كل ما يزعج أو يخيف الطبقات الحاكمة... ففضلوا النضال لأجل فلسطين على طريقتهم.
روابط ذات صلة
تونس
رقصة «مسلم شايك»
http://www.youtube.com/watch?v=yZsTyqtZq4w
«هارلم شايك»
http://www.youtube.com/watch?v=hakEPusG3O0
http://www.youtube.com/watch?v=cD2p-x619mo
مصر
رقصة «الإخوان»
http://www.youtube.com/watch?v=esyfhtjTI34
المقطّم
http://www.youtube.com/watch?v=dYysHQssOfY
http://www.youtube.com/watch?v=mEj8Tc5EI3g
http://www.youtube.com/watch?v=K41y1vMeNr8
هيفاء زعيتر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد