الانتخابات الطلابية التونسيّة: «النهضة» تخسر مجدّداً
للعام الثاني على التوالي ينجح الاتحاد العام لطلبة تونس، القريب من اليسار، في الحصول على غالبية مقاعد المجالس العلمية في الجامعات التونسية، بالتحالف مع قائمة حزب «نداء تونس» الصاعد والمستقلين ممثلي الحركة الدستورية التي حكمت البلاد طوال ستين عاماً.
وقد خاض الاتحاد العام لطلبة تونس الانتخابات تحت شعار قائمات «شكري بلعيد» تكريماً لدوره كأحد قادة المنظمة الطلابية اليسارية، ولدوره في إنجاز المؤتمر ١٨ للاتحاد الذي أعاد الحياة إلى المنظمة الطلابية. وللعام الثاني على التوالي يفوز الاتحاد بأغلب المقاعد ضد مرشحي طلبة الحزب الحاكم من ممثلي الاتحاد العام التونسي للطلبة، وحصدت قائمات الاتحاد ٢87 من ٥١٩ مقعداً في المجالس العلمية في 152 مؤسسة جامعية تونسية، وهو عدد لم يحققه اليسار التونسي، فيما حازت قائمات الاتحاد العام التونسي للطلبة على ١٣١ مقعداً بعد مشاركته في انتخابات ١٣٠ مؤسسة جامعية.
وفي أول رد فعل على النتيجة، أكد الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس، عز الدين زعتور، أنه «فوز تاريخي»، مشيراً إلى أنه دليل على انحياز الطلبة الجامعيين نحو التقدمية والديموقراطية ضد الرجعية. وأكد أن الفوز هو رسالة مضمونة الوصول إلى وزارة الإشراف التي عمدت إلى تهميش هذا الهيكل.
المثير للانتباه في نتائج انتخابات المجالس العلمية للطلبة هو نسبة الفوز في الكليات التي كانت تُعَدّ معاقل تقليدية للإسلاميين، مثل كلية العلوم بتونس التي فاز فيها اليساريون بثلاثة مقاعد، وكذلك كلية الشريعة التي فاز فيها الاتحاد بمقعد واحد للمرة الأولى في تاريخ الكلية. أما في كليات الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، فقد حقق طلبة الاتحاد العام لطلبة تونس فوزاً ساحقاً أكد الانحسار الكبير لحضور حركة النهضة داخل الفضاء الجامعي الذي يجسده الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي عاد للظهور بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم بحل هذه المنظمة باعتباره جناحاً تابعاً لحركة النهضة خلال حملة الاجتثاث التي استهدفت الحركة سنة ١٩٩١.
هذا الفوز الساحق، الذي حصلت عليه قوائم الاتحاد العام لطلبة تونس، شكك فيه ممثلو حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للطلبة، الذين رأوا أن الانتخابات وجهها الأساتذة المنحازون إلى المنظمة الطلابية اليسارية، وهو ما نفاه اليساريون الذين رأوا أن حركة النهضة لا تعيش إلا في مناخ الإيهام بأنها ضحية حتى وإن كانت في الحكم.
وإذا كان فوز قوائم اليسار التونسي متوقعاً بعد تجربة العام الماضي التي حازت فيها أعلى نسبة في عدد المقاعد، فإن المفاجأة الكبرى خلال هذه الدورة تعلقت بنصيب حركة «نداء تونس» بقيادت «عجوز السياسة التونسية المخضرم»، الباجي قائد السبسي؛ إذ حاز طلبة الحركة عدداً كبيراً من المقاعد جعلهم في المرتبة الثانية، وخاصة في جامعات وكليات صفاقس وسوسة والقصرين. وحاز المستقلون، الذين يمثلون غالباً الحركة الدستورية، نحو ١٣٠ مقعداً، ما يشير إلى أن الحركة الطلابية لا تزال عصية على حزب حركة النهضة الحاكم، الذي لم يحصل على غالبية المجالس العلمية في الكليات.
هذه المعطيات التي وفرتها الحركة الطلابية للعام الثاني على التوالي، تكشف أن حركة النهضة ليست قادرة على ضمان المستقبل؛ فالطلبة في النهاية يمثلون مستقبل تونس، وقد أثبتت حركة النهضة للعام الثاني على التوالي عجزها عن الفوز بأغلبية مقاعد المجالس العلمية، ما يؤكد ضعف تأثيرها في الفضاء الجامعي والطلابي.
بعد سنوات من التصحر السياسي ومن غياب الممارسة السياسية، استعاد الفضاء الجامعي زخمه التقليدي الذي استمر من ستينيات القرن الماضي حتى التسعينيات، قبل أن يمنع بن علي أي نشاط سياسي في الجامعات التونسية.
اليوم، في ظل «الحكم الإسلامي»، أصبح للنشاط الجامعي الآن أبعاد أخرى؛ إذ استعاد اليسار التونسي ممثلاً مع طلبة نداء تونس والطلبة الدستوريون روح المبادرة، وهو ما سيمنح المنافسة السياسية روحاً جديدة كانت تفتقر إليها الحياة السياسية في الجامعة.
المعطيات الجديدة الآتية من الجامعة التونسية تؤكد أكثر من حقيقة، أولها استعادة اليسار التونسي لروح المبادرة بعد الانتخابات التي خسرها اليسار بنسب مخجلة، وكذلك ظهور حزب نداء تونس كخصم جديد لليسار والنهضة على حد سواء ومحافظة الطلبة الدساترة (أتباع الحزب الحاكم سابقاً) على موقعهم تحت غطاء الاستقلالية. وينعكس هذا بالتأكيد على تفاعلات الحياة السياسية في تونس.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد