قدّاس لراحة نفس الإمبراطورية

02-06-2020

قدّاس لراحة نفس الإمبراطورية

كلا، هذه ليست بنغازي في برقة بل في هيوستن، تكساس. إنّ الثورة الأميركية هي فيض مزدوج: أولاً، هي امتداد للنضال السرّي والعنيف الذي يمزق الفصائل في الدولة العميقة الأميركية، النضال الذي انضمت إليه الدوائر الحاكمة في دولٍ حليفة أخرى. وهي ثانياً تعبير عن السأم من مجتمعٍ متفكك ومنقسم وغير منصف، وملعبٍ لعدد لا نهائي من التجارب والتلاعب للحفاظ على امتياز النخب.
 
التلاعب يتمّ بأقصى سرعة. حيث يقود الرجال المشهورين الذين يرتدون الزيّ الأسود أو القلنسوات عمليات الكسر ويوجهون النهب. إنهم ليسوا متظاهرين، بل مجموعات منظّمة لها هيكلية تنظيمية، تعمل وفقاً لأجندة راسخةٍ ومخفية دائماً. هدفهم الواضح هو بثّ الفوضى.
 
هذه المجموعات ليست محايدة. إنهم ينتمون إلى فصيلٍ من فصائل السلطة في الولايات المتحدة. السرعة التي تمّ بها إصلاح واجهة الدعاية، قناة CNN في أتلانتا تنبئ بالكثير عن المحرّضين الحقيقيين للاضطرابات الاجتماعية في الولايات المتحدة. الحال ليس كذلك بالنسبة للبضائع والمحلات التجارية لبقية السكان. كما هو الحال في ليبيا أو سوريا أو أوكرانيا، يقوم العملاء المقنّعون بتوجيه العنف أو مفاقمته. هؤلاء العملاء الاستفزازيون يختبئون خلف ستار المعادين للفاشية، وهم من بين ما يُسمَّون بالعنصريين الآريين، هم إلى جانب المنظمات السوداء، يجمعون المعلومات الاستخبارية للوكالات الفيدرالية ويتم إرسال بعضهم لتنظيم وتمويل المنظمات الإسلامية في الشرق- الأوسط أو الراديكالية في أوكرانيا وجورجيا وفي كل مكان آخر في أوراسيا. إنهم كلاب الجحيم. كلاب النخب الحاكمة القابعة في الظل.
 
إنها الدولة الشمولية التي أنشأتها سلالة بوش الفاسدة والمجرمة ومجرم الحرب أوباما وبايدن. ما يقرب من عقدين من الحروب الظالمة ضد دولٍ منزوعة السلاح وفقيرةٍ للغاية، إنّه النمو الاقتصادي البطيء على الرغم من عمليات تهريب المخدّرات التي نظّمتها المئات من الشركات الواجهة لوكالة المخابرات المركزية في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، إنّها الزيادة المخزية للتأمين الصحي، هي عشرات عمليات إطلاق النار والقتل الجماعي التي تستغلها وسائل الإعلام المأمورة، وتفاقم العلاقات بين الأقليات والانقسام غير المحدود للمجتمع من خلال اختراع فئاتٍ جديدة، الانقسام أو بالأحرى الحرب ضد الأسرة، ضد الإنسان، ضد أيّ علاقةٍ اجتماعية صحّيّة وتوّجت هذه التحفة الفنية من الفوضى بإنشاء داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية لمواصلة الخدعة الكبيرة للحرب التي لا نهاية لها ضد الإرهاب المزعوم، تجارة لا نهاية لها للنخب ومبرر لكلٍّ من المستوطنات في فلسطين وإنشاء التظيمات المعادية للفاشية والبلطجية عندما يبدأ الرأي الغربي في الاستيقاظ قليلاً، باتّباع نموذج العملاء الذين اخترقوا منذ زمنٍ طويل دوائر اليمين المتطرف الأوروبي.
 
إنها حرب. حرب حقيقية. ما يحدث في الولايات المتحدة يهمّنا جميعاً لأننا عانينا من تداعيات هذا الصراع حتى الموت بين فصائل الإمبراطورية. لقد احتجزونا جميعاً تحت ذريعة خادعة جداً تستند إلى تلاعبٍ فظٍّ حول ناقلٍ بيولوجي خدع أفضل الأطباء في العالم. إن عملية الحرب النفسية المسماة فيروس كورونا COVID-19 هي جزء لا يتجزأ من الحرب العالمية الحالية وتندرج في إطار آثار الثورات الملونة والربيع العربي وعمليات التلاعب الكبرى من مثل 11 أيلول/ سبتمبر. إنّها تشكلّ ذروة الصراع بين فصيلين عالميين.
أحد أهداف هذه الحرب هو تنحية أو استقالة أو تصفية دونالد ترامب، وهي خيارات لها الأولوية بعد حلقة إبشتاين وتعرية الفساد الشديد والانحراف اللامحدود للنخب الحاكمة. عملية COVID-19 هي فشل كامل وتثير التساؤل حول أهمية الطب الحالي، وهو موضوع يجب معالجته بشجاعة في المستقبل، وقد بقي الأرض الخصبة للكسور الاجتماعية في الولايات المتحدة، وهي دولة لحقها الدمار الإجتماعي على يد الليبرالية المتطرفة أو بالأحرى الجشع الاقتصادي والعنف والعنصرية.
 
من خلال تصنيف حركة المعادين للفاشية - Antifa  - كمنظمة إرهابية غير محلية وبالتالي منظمة إرهابية عالمية، فإن إدارة ترامب تواجه مخاطرة كبيرة لأن هذه الحركة ليست منظمة مركزية أو وطنية، إنها سديم من المجموعات التي لا يوجد لها قادة حقيقيون والممولة من رعاة أقوياء مخفيين. ليس الملياردير المجري سوروس هو الوحيد الذي يموّل البلطجية، ولكن هناك العشرات من المحسنين الذين أعلنوا عن أنفسهم، وجميعهم من أصحاب المليارات المنتسبين بلا تحفظ إلى الصهيونية الدولية. هؤلاء هم أنفسهم مموّلي الليكود الذين يقدمون الأموال إلى Antifa تحت تسمية أقصى اليسار بينما يموّلون أحزاب أقصى اليمين. إنها استراتيجية قديمة قدم تلك الاستراتيجية التي حدّدت في الكواليس مسار معركة واترلو عام 1815.
 
كلّ ذلك لا يبرر العنف الشديد متعدّد الأوجه الذي يعاني منه السكّان الأميركيون من أصلٍ أفريقي أو العنف غير المتناسب لبعض أفراد الشرطة الذين يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة ودوافع إجرامية. أدّى تجنيد قدامى المحاربين الذين ارتكبوا جرائم حربٍ خطيرة للغاية ضد المدنيين في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى إلى تفاقم ظاهرة عنف الشرطة في الولايات المتحدة. يتمّ استغلال الغضب الشعبي المشروع ضد عنف الشرطة من قبل الدولة العميقة في الولايات المتحدة وأذرعها المسلحة لكسب المعركة واستعادة قوّتها الاستبدادية. قد يكون دونالد ترامب انحنى إلى ما لا نهاية أمام "إسرائيل" ومؤيديها، وهدّد فنزويلا وإيران، وانتقد الصين باستمرار من خلال تصنيفها على أنها العدو الذي يجب قتله، ولكن ذلك لن يجنّبه حرباً في قلب واشنطن العاصمة وعلى ضفاف بوتوماك. هذا السيناريو معقول أكثر من ذي قبل لأن الانقسام الذي نشأ بين القاعدة الانتخابية لترامب وأعدائه يتخذ بعداً إيديولوجياً أكثر وضوحاً من العداء بين النازيين والسوفيت خلال الحرب العالمية الثانية.
تعتبر عملية COVID-19 حيلةً كبيرة لكنها لم تعد تخدع أي شخص. وصل التلاعب إلى مستوًى عالٍ للغاية. لقد تم التلاعب بنا جميعاً من خلال إحصاءاتٍ عن فيروسٍ جديد من عائلة الفيروسات التاجية وقبل كل شيء من خلال عرضٍ موجّه لإحصاءات الوفيات التي تجاهلتها المجتمعات الغربية تماماً. إنّ COVID-19 ليس سوى تتمّة للعبة الكبرى الجارية. هذه اللعبة الكبرى التي خرجت عن مسارها في سوريا أو بلاد الشام.
 
في عام 2021، كل شيء يدعو للاعتقاد بأنّ هذه الحرب العالمية الهجينة العالية ستستمر مع ابتكارات أخرى تشمل الهجمات السيبرانية التي تستهدف شبكات الكهرباء الوطنية أو العابرة للوطنية، أو قطع الإنترنت أو إطلاق هجمات بيولوجية وكيميائية أخرى. والأمر المؤكّد في الوقت الحالي هو أنّ استئناف الولايات المتحدة للتجارب النووية أمر لا مفرّ منه، ممّا يضع حدّاً للوقف الاختياري للتجارب وللآلية الأخيرة من أجل نزع السلاح النووي. لكن الأوان سيكون قد فات لأنّ الصين وروسيا استوعبتا درجة التهديد الكامن في سقوط الإمبراطورية الذي قررته النخب التي لا اسم لها وتستعدّان لأسوأ سيناريو ممكن. 
 
كما هو الحال في أيّ حربٍ سيكون السكان هم الوحيدون الذين يعانون من الاهتزاز غير المسبوق لمحور العالم.
 
31/ 5/ 2020 /المصدر: https://strategika51.org/2020/05/31/requiem-pour-un-empire/

هيئة تحرير موقع استراتيجيكا-51:: ترجمة: علي إبراهيم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...