ماذا بعد لجنة بيكر- هاميلتون؟

10-12-2006

ماذا بعد لجنة بيكر- هاميلتون؟

الجمل:   توقع جميع المراقبين والمحللين المختصين بشؤون السياسة الأمريكية أن مجموعة دراسة العراق (لجنة بيكر- هاميلتون)، سوف تقدم مفتاح الحل الرئيسي للإدارة الأمريكية، وذلك باعتبار أن توصيات تقرير اللجنة النهائية، سوف تقدم المخرج المناسب.
برغم الإجماع حول أهمية لجنة بيكر، كان هناك سؤال يبرز فارضاً نفسه بين الحين والأخر:: هل لجأ الرئيس بوش لتشكيل هذه اللجنة تحقيقاً لـ(هدف استراتيجي معلن) والذي يتمثل في إيجاد المخرج لأزمة السياسة الأمريكية إزاء العراق والشرق الأوسط، أم أنه لجأ إلى ذلك تحقيقاً لـ(هدف تكتيكي غير معلن) يتمثل في إيجاد المخرج لأزمة جماعة المحافظين الجدد والجمهوريين في السياسة الأمريكية الداخلية، وذلك لتجاوز وعبور عقبة انتخابات الكونغرس الأمريكي التي تم إجراؤها في السابع من تشرين الثاني الماضي؟.
المتفائلون كانوا يؤكدون على الجانب الأول من السؤال، ويراهنون على موثوقية ومصداقية أن الرئيس بوش يسعى فعلاً لتحقيق الهدف الاستراتيجي المعلن. أما المشككون، فكانوا يؤكدون على الجانب الثاني من السؤال ويراهنون على عدم مصداقية وعدم موثوقية توجهات الرئيس بوش، وذلك باعتبار أنه ليس جاداً في السعي من أجل الحلول الاستراتيجية، وهو يسعى فقط إلى عبور عقبة الانتخابات، ثم الاستمرار بعد ذلك في تنفيذ أجندة السياسة الخارجية الأمريكية الموضوعة سلفاً ومسبقاً بواسطة جماعة المحافظين الجدد.
بدا واضحاً أن المتشائمين، أقرب إلى كسب الرهان، ففي الأيام التي سبقت صدور تقرير اللجنة النهائي، وأعقبت الانتخابات، ظهرت المعلومات والدلائل الآتية:
- ان لجنة بيكر ليست وحدها التي تعمل على دراسة الوضع في العراق، بل هناك مجموعة من كبار العسكريين والمستشارين في البنتاغون، تقوم بعمل مماثل.
- ان مجلس الأمن القومي الأمريكي يقوم بإعداد تقرير وتوصيات تتعلق بالعراق.
- ان خبراء ومستشاري البيت الأبيض يقومون بإعداد شيء مماثل تحت إشراف ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي.
- قام دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق بإعداد مذكرة خاصة بوضع العراق، وسلمها للرئيس بوش قبيل استقالته.
ووسط أجواء القلق والحيرة والإرباك التي سادت بسبب هذه المعلومات، فاجأ الرئيس بوش الرأي العام الأمريكي والشرق أوسطي والعالمي بحديثه الذي قال فيه: إن توصيات لجنة بيكر ليست ملزمة للإدارة الأمريكية، وفقط تمثل واحداً من بين عدة خيارات متاحة، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية سوف تقوم بدراسة كل هذه الخيارات، واللجوء إما لاختيار ما هو مناسب منها، أو التوفيق بينها بما يؤدي إلى استنتاج خيارات جديدة تحقق النجاح.
اللافت للنظر أن سيناريو لجنة بيكر- هاميلتون، تضمن العناصر الآتية:
* في فترة ما قبل انتخابات الكونغرس، تزايدت الانتقادات للإدارة الأمريكية في أوساط الرأي العام الأمريكي والعالمي في مسألة حرب العراق، وهبطت شعبية بوش إلى أدنى مستوياتها، وبدا واضحاً أن تداعيات الملف العراقي سوف تؤدي إلى هزيمة الجمهوريين.
* تم تكون اللجنة وكان اللافت للنظر في طبيعة تكوينها عدد من الخصوصيات، أبرزها:
- ان اعضاء اللجنة العشرة، منهم خمسة ديمقراطيين وخمسة جمهوريين، ويبدو أن بوش قد هدف من ذلك الإيحاء للرأي العام الأمريكي بأن الملف العراقي هو شراكة جمهورية- ديمقراطية.
- أعضاء اللجنة الجمهوريين، كانوا جميعاً من قدامى الجمهوريين، وقد هدف بوش من ذلك، القضاء على الخلاف الذي نشا داخل عضوية الحزب الجمهوري، والذي بدا واضحاً أن هناك عملية استقطاب واصطفاف تحدث داخل الحزب الجمهوري بين معسكر المحافظين الذين يتزعمهم أعضاء الحزب الجمهوري والذين عملوا في فترة إدارة ريغان وإدارة بوش الأب، ومعسكر جماعة المحافظين الجدد الذين يسيطرون حالياً على دوائر صنع واتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية.
- تم تحرير الوضع القانوني للجنة باعتبارها لجنة تطوعية، ويبدو أن بوش قد هدف إلى نفي وإلغاء أي طابع أو صفة مؤسسة تكسبها قوة إلزامية قانونية أو دستورية، وذلك لأن اعتبارها لجنة تطوعية، يعني من الناحية القانونية أن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية غير ملزمة بتوصيات تقريرها النهائي.
- تم تشكيل اللجنة قبل الانتخابات، وذلك للتلميح بأن الإدارة الأمريكية تسعى بشكل جاد للتعاون المشترك مع الطرف الآخر الديمقراطي من أجل حل المشاكل، وتم تحديد تاريخ تقديمها لتقريرها النهائي ليكون في فترة ما بعد الانتخابات، وذلك حتى يكون الأمر الواقع قد حدث، ولم يعد لما تقدمه من فائدة، طالما أن الانتخابات قد انتهت وتم التعرف على توازنات القوى بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس في دورته الجديدة.
* تسربت الكثير من المعلومات حول محاولات جماعة المحافظين الجدد اختراق اللجنة وتوجيه توصياتها النهائية، بحيث تتماشى مع خط الإدارة الأمريكية السياسي في فترة ما قبل الانتخابات.
* سلمت لجنة بيكر- هاميلتون تقريرها النهائي، والذي تضنم حوالي 73 توصية.
بعد تسليم لجنة بيكر- هاميلتون لتقريرها النهائي، برزت الكثير من المعلومات التي أكدت أن الإدارة الأمريكية الحالية، (بإشراف ديك تشيني وتابعه جورج بوش) تسعى للالتفاف على توصيات اللجنة. ومن أبرز المعلومات الواردة في هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• كبار المستشارين العسكريين في البنتاغون، والمختصين بالشأن العراقي يقدمون خطتهم الخاصة إلى الرئيس بوش، وقد تحدثت حول هذا الموضوع شبكة إي.بي.سي نيوز الأمريكية، في تقريرها الاخباري الذي كتبه جوناثان كارل والذي قال فيه: إن بيتر باس رئيس هيئة الأركان المشتركة، وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي قد أكدا على اقتراح تم تقديمه للرئيس بوشن يتعلق بالتركيز على تغيير طبيعة مهمة القوات الأمريكية الموجودة في العراق، بحيث تتخلى عن مقاتلة المتمردين، وتتحول إلى عملية التركيز على تدريب ودعم القوات العراقية..
كذلك تحدث التقرير عن الخلافات بين توصيات لجنة بيكر- هاميلتون، وتوصيات لجنة البنتاغون، وأشار إلى الآتي:
- توصي لجنة بيكر- هاميلتون بتخفيض عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق، أما لجنة البنتاغون فتطالب بالإبقاء على هذه القوات.
- توصي لجنة البنتاغون بإدماج بعض الوحدات الأمريكية المقاتلة ضمن وحدات القوات العراقية في المرحلة القادمة، وهو ما لم توصي به لجنة بيكر- هاميلتون.
- توصي لجنة البنتاغون بثلاثة جوانب، لم تقم لجنة بيكر- هاميلتون بالتوصية عليها. وهي:
* إمداد القوات العراقية بالمزيد من العتاد العسكري الأمريكي.
* اتخاذ الخطوات العسكرية الحاسمة للحد من خطر التدخل الإيراني في الشؤون العراقية.
* استخدام وحدات القوات الخاصة الأمريكية بهدف القضاء على قادة جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، بعد الحصول على موافقة حكومة نوري المالكي.
- لم تتضمن توصيات لجنة البنتاغون أي إشارة إلى تحديد تاريخ للانسحاب، أو لإعداد جدول زمني للانسحاب، أو حتى لكلمة الانسحاب نفسها، بعكس لجنة بيكر التي أشارت في توصياتها للانسحاب.
• إخراج القوات من العراق قد يتضمن الإبقاء على قدر أكبر من القوات في العراق، وهو عنوان حملته صحيفة نيويورك تايمز، الصاردة اليوم، 10 كانون الأول 2006م، وذلك ضمن التقرير الذي كتبه توماس تسينكر، والذي قال فيه: إن إحصائيات البنتاغون تشير إلى الآتي:
- 23% من القوات الأمريكية الموجودة في العراق تقوم بمهام قتالية داخل العراق.
- 30% من القوات الأمريكية في العراق تتضمن حوالي 52500 جندي يشكلون 15 لواء قتالي، يتضمن كل واحد من هذه الألوية حوالي 3500 جندي.
- ان كل واحد من ألوية القتال الأمريكية الموجودة في العراق يتضمن وحدات دعم وإسناد ونقل وإمداد واستخبارات.
- 20% من القوات الأمريكية الموجودة في العراق، هو وحدات فنية وهندسية، تقوم بعملية الدعم الفني والهندسي.
- 11% من القوات الأمريكية الموجودة في العراق تقوم بمهام الدعم الإداري والخدمي.
- 8% من القوات الأمريكية تقوم بالمهام المتعلقة بالاستخبارات والاتصالات.
- 4% من القوات الأمريكية تقوم بمهام الخدمات الطبية.
- 4% من القوات الأمريكية تقوم بالمهام الحرفية الأخرى.
ويصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن البنتاغون يعارض إجراء أي تخفيض في عدد القوات الأمريكية، لأن ذلك يؤدي إلى الإخلال بتوازن نسب توزيع القوات، بشكل يؤدي إلى اختلال المهام العملياتية داخل العراق، خاصة وأن القوات العراقية عاجزة تماماً في الوقت الحالي عن القيام بأي مهمة ميدانية داخل العراق.
• الصقور يدعمون ويسندون الرئيس الأمريكي الحائر المتردد، وهو عنوان التحليل الذي كتبه كل من ميشيل ابرامو فيتز، وغيلين  كيسزلر، على صحيفة الواشنطن بوست اليوم 10 كانون الأول 2006م، والذي أوضحا فيه أن الصقور داخل وخارج الإدارة الأمريكية يقودون حملة كبيرة تهدف إلى توجيه الانتقادات لتقرير وتوصيات لجنة بيكر- هاميلتون، وإثبات أن هذه التوصيات تفتقر أي موثوقية أو مصداقية، إضافة إلى أنها سوف تؤدي إلى إضعاف مكانة أمريكا في النظام الدولي الجديد.. كذلك يركز الصقور في حملتهم على التأكيد على أن تطبيق توصيات لجنة بيكر- هاميلتون سوف تهدد المصالح الحيوية الأمريكية بشكل يؤدي إلى تراجع قوى وهيمنة أمريكا، ويعرض الأمن القومي الأمريكي لخطر الانكشاف.
وأخيراً، بعد هذا الاستعراض لتقديرات الموقف، يمكن أن تطرح السؤال الآتي: ثم ماذا بعد لجنة بيكر- هاميلتون؟.. وفي هذا الخصوص، فإن الإجابة الأكثر وضوحاً، جاءت في التحليل الاستقرائي الذي كتبه كل نم جيم روتينبيرج وديفيد سانجير، على صفحة النيويورك تايمز، وقد حمل التقرير عنوان: (مساعدو بوش يبحثون عن بدائل لتوصيات مجموعة دراسة العراقي /لجنة بيكر- هاميلتون/، بعد وصفهم لهذه التوصيات بأنها غير عملية).
وبوضوح، يقوم التقرير (بعد استعراضه لتصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية التي تشكك في توصيات لجنة بيكر) باقتباس تصريح توني سنو الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، والذي قال فيه: (إن الرئيس الأمريكي باعتباره القائد الأعلى، مايزال ملتزماً بالاهتمام بأي تحليل ومشورة تصل إليه مهما كانت صغيرة، وسوف يتخذ قراراته –النهائية- بنفسه).
إذاً لقد كانت لجنة بيكر- هاميلتون، مجرد فاعل خير في أروقة الإدارة الأمريكية، وآن الأوان للإدارة الأمريكية لكي تدير ظهرها، ويستمر المحافظون الجدد في عملية الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة بقيادة ديك تشيني في دوائر صنع واتخاذ القرار داخل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...