مؤتمر «أصدقاء سوريا» غداً: من يدفع بتركيا إلى سياسات انتحارية؟
يلتقي «أصدقاء سوريا» في اسطنبول غدا. تحوّلت اسطنبول إلى «باب عال» جديد بكل المعاني لكل المعارضين للنظام السوري، ليس فقط في سوريا بل في المنطقة العربية.
ولا توحي التعليقات التي تصدر من تركيا بأن السعي لحل الأزمة في سوريا سيكون من أهداف مؤتمر اسطنبول ولا من أهداف الدبلوماسية التركية.
بعد فشل مؤتمر «أصدقاء سوريا» الأول في تونس، سعت الدبلوماسية التركية إلى إيجاد سبل إضافية للضغط على سوريا. تارة بإثارة جديدة لاحتمال إنشاء «منطقة عازلة» وتارة بالضغوط على الزعماء الدوليين في قمة سيول النووية.
غير أن القلق الأكبر الذي كان يراود أنقرة هو «ظهور» مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان على مسرح التطورات. وقد اكتسبت مهمة أنان جدية كونها تجسيدا للبيان الرئاسي لمجلس الأمن الذي كان متوازنا إلى حد كبير من أجل مقاربة الشأن السوري في النظر إلى كل عناصره، وليس من عين غربية واحدة، كما كانت كل مشاريع القرارات التي ووجهت بالفيتو الروسي والصيني.
لم يكن التحول على الأرض بعد معركتي حمص وادلب وحده الذي ساهم بذلك، بل لأن الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، عرفت، وهي الأقدر على ذلك، أن للمصالح حدودا أحيانا لا يمكن تجاوزها.
الموقف الروسي الحازم تجاه الاحتفاظ بدمشق كان بمثابة رسالة إلى أن سوريا خط أحمر. من هنا بدأ البحث عن «يالطا» شرق أوسطية جديدة «تعطي» سوريا لروسيا والصين ومن معهما مثل إيران، في ظل عدم قدرة واشنطن على دفع ثمن شطب روسيا من المعادلة الشرق أوسطية. من هنا كانت المواقف الأميركية والفرنسية في اتجاه «الخروج» من المأزق السوري وتأييد خطة أنان. لكن المشكلة كانت تكمن في القوى الوافدة حديثاً إلى ملعب السياسة الشرق أوسطية، وفي مقدمها تركيا. و«يالطا» هي اتفاقية لتقاسم النفوذ في العالم بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لا يليق بالدبلوماسية التركية ألا تعلن دعمها لخطة أنان فيما كانت هي تحمل شعار الدبلوماسية الناعمة. الدول الكبرى كلها تدعم خطة أنان، إلا الحكومة التركية. لا يراهن أحد مسبقاً على نجاح الخطة، لكن لماذا لا تمنح فرصة؟
لا يليق بالدبلوماسية التركية أن تظهر على أنها «خشنة» بدلا من أن تكون ناعمة. فإذا كانت خطة أنان ستفشل، وهي قد تفشل، فما هو البديل سوى المزيد من الدماء والاحتقان والتوتر؟ ولماذا دعمت تركيا خطة الجامعة العربية سابقا ولا تدعم اليوم أنان رغم انه يحمل أيضا صفة ممثل الجامعة في مهمته؟
إن ما يرد في الصحافة التركية من تعليقات لدفع أنقرة إلى خيارات رديئة، بل انتحارية، يثير علامات استفهام كبيرة حول طبيعة الخطوة التركية المقبلة. ولعل من أكثر التعليقات استغرابا هو ما كتبه المعلق جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال» من أن نجاح الدبلوماسية التركية يكمن في فشل مهمة أنان وفي «موتها».
يصف تشاندار أولا مهمة أنان بـ«المتعجلة». ويقول إن الخطة جاءت ضد مبادرات تركيا حول «أصدقاء سوريا»، مضيفا أن الخطة جاءت لتمد كل مؤيدي النظام في سوريا بأسباب البقاء على قيد الحياة. واعتبر انه «يتوجب رفض الخطة لأنها تعني المزيد من سفك الدماء مهما أحيطت بعبارات جميلة».
ويقول تشاندار ان شرط إسقاط الخطة هو أن تتحد المعارضة السورية في اجتماع اسطنبول غدا الأحد. ومع انه يطرح شكوكا حول بلوغ هذا الهدف بسبب انسحاب الأحزاب الكردية من الاجتماع ومن التنسيق مع «المجلس الوطني السوري» وبسبب انشقاق المعارضة السورية في ما بينها، فإنه يرى أن وحدة المعارضة هي السبيل الوحيد لإضعاف «محور روسيا - إيران - بشار» كما يصفه، ولتفريغ خطة انان من أي مضمون، و«هذا هو الهدف الأساسي لاجتماع اسطنبول».
لا ينفصل كلام تشاندار عن مناخات قائمة في اسطنبول وأنقرة منذ أشهر عديدة، وهي أن مستقبل تركيا ونفوذها مرتبطان بسقوط النظام في سوريا وأي بقاء لهذا النظام، ولو ضعيفا، هو خسارة لتركيا.
ولم تقدّم زيارة رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان إلى سيول أي شيء من أجل مواصلة هذا التوجه الانتحاري. سمع كلاماً غير مشجع من قبل من الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه بالابتعاد عن أي تدخل عسكري ودعم خطة أنان، ومن طهران عاد أردوغان بموقف إيراني ثابت على دعم النظام السوري.
ومع كل يوم يمر تزداد الأمور تعقيدا بالنسبة لتركيا، وسيكون من السذاجة إهمال المستجدات على الواقع الكردي في المنطقة وتهديدات حزب العمال الكردستاني. ولن ينفع أن تتهم سوريا بتحريك هذه الخطوة، فالحزب موجود في شمال العراق ولم تحرك القوات الأميركية ساكنا ضده طوال عشر سنوات.
إن أفضل ما يمكن أن تتخذه الدبلوماسية التركية أن تنضم إلى الـ«يالطا» الجديدة، وموازين القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية تفرض نفسها في معركة ترسم بالفعل بدايات نظام إقليمي وعالمي جديد. ومن مصلحة تركيا أن تكون جزءا من هذا النظام التشاركي الجديد لا من نظام يحاول الاستفراد في جغرافيا لا تتحمل أي نوع من الهيمنة الأحادية. ومن الذي يريد ان يدفع تركيا إلى سياسات انتحارية في سوريا والمنطقة عبر اتخاذ مواقف متشددة لا تفيد أحدا؟
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد