سورية...لا سلام بعيدا عن أرض المعركة
الجمل ـ * توني كارتالوتشي - ترجمة رنده القاسم:
إلى جانب محاربة الدولة الإسلامية يسعى الغرب نحو "انتقال سياسي" ، الأمر الذي سعى له منذ 2011 بل و حتى قبل ذلك، و لا يزال الغرب يتوقع من الرئيس السوري الحالي بشار الأسد التنحي و أن يحل مكانه نظام تابع أكثر ارتباطا بالغرب.و بينما يعلن الغرب ، كجزء من اتفاق السلام، سعيه لإنهاء الدولة الإسلامية ، فانه لم يذكر أيا من الدول الراعية لوجود داعش ، و التي تضم الغرب نفسه..
تسعى سورية لاستئصال كل المجموعات المسلحة ، حتى تلك التي لا يزال الغرب يعلن أنها غير مرتبطة بالقاعدة.. تم الاتفاق على الانتخابات و من المؤكد أن السوريين سيعيدون الرئيس الأسد للسلطة ثانية كما فعلوا عام 2014... و مع معرفة أن الرئيس الأسد سيفوز بسهولة بأية انتخابات مستقبلية، يتمسك الغرب بقوة بمسألة تنحيه عن العملية لصالح المرشحين الذين يدعمونهم، ما يقوض الفكرة الأساسية القائلة بأن "الانتفاضة" من أجل الديمقراطية أو تمثل إرادة الشعب السوري في المقام الأول.
و اتفاق السلام، رغم العناوين المتفائلة عبر الغرب حول "الاتفاق بالإجماع" بين الدول، يفضح محاولة جديدة من قبل الغرب من أجل تأكيد روايته المتعلقة بالصراع السوري، و في الواقع "اتفاق السلام" ليس اتفاقا على الإطلاق ، و ما بقي هو نفس المعركة التي تشن منذ 2011 و على أرض هذه المعركة سيتم تحديد مصير سوري
منذ فترة و الغرب، و بشكل خاص الولايات المتحدة، يتبع نغمة أكثر استرضاء ... و رغم أنه لم يقل ذلك فعليا، إلا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يحاول أن يطبع في أذهان العالم أن "تغيير النظام" لم يعد متوقعا. و بالطبع تصريحات كهذه لا تزال تتبع بتوقعات الولايات المتحدة بأن الرئيس الأسد سيتنحى.و لكن و رغم هذه النغمة الجديدة التي تتخذها الولايات المتحدة، إلا أن شركاءها الإقليميين ، و خاصة تركيا و إسرائيل و السعودية يزيدون استفزازهم ضد سوريه و روسيا في محاولة لتوسيع الحرب التي تهدأ الآن لصالح دمشق.
حاولت تركيا إثارة صراع أوسع مع روسيا من خلال كمين لطائرة روسية، و من الواضح أن هذا تم بموافقة و مساعدة الولايات المتحدة. و استمرت إسرائيل بمحاولة استفزاز سوريه إلى الحرب، بضرب أهداف في و حول دمشق نفسها. و مؤخرا استضافت السعودية مجموعات مقاتلة تعمل في سورية من أجل اللقاء في الرياض ، و الكثير من هذه المجموعات فروع مباشرة عن القاعدة.
إذن و رغم أن الولايات المتحدة أعلنت أنها من جهتها ستسعى من خلال اتفاق السلام لمحاربة الإرهاب في سورية ، فان حليفها الأقدم في المنطقة يستضيف قادة مجموعات إرهابية مختلفة من أجل التآمر حول كيفية متابعة القتال بشكل أكثر فاعلية.و من الواضح أن السلام الوحيد الممكن تحقيقه هو عندما تهزم سورية و حلفاؤها العسكريون وكلاء الغرب في أرض المعركة و تكبح التدخل العسكري المباشر من قبل الغرب بزيادة نطاق أسلحة الردع إما المباعة للجيش السوري أو التي أحضرتها و عملت بها القوات الروسية الموجودة في أرض المعركة.
ومع تقدم الجنود السوريين المدعومين من الطيران الروسي من الحدود التركية في الشمال، فإنهم يقطعون خطوط إمداد الإرهابيين العاملين داخل سورية، و مع عزل القوات السورية للحدود السورية الأردنية، تقترب نهاية الحرب.
و تفاعل الغرب عبر نطاق واسع من ردات الفعل ، فحاول تصعيد الصراع ، و كذلك يتفاوض لإنهائه، و يحاول زيادة فاعلية ما تبقى من تأثيره على المعركة عبر قواته بالوكالة المتضائلة و التفكير بتدخل عسكري مباشر . كما و حاول أيضا بدء غزو و احتلال سري لأراض في كل من سورية و العراق في محاولة لتمزيق الدولتين بشكل يتعذر إصلاحه قبل النهاية المحتومة للحرب.
"مباحثات السلام" تهدف فقط لشراء المزيد من الوقت و محاولة تحقيق مكاسب أكثر قبل أن يتم كنس ما تبقى من عملائهم في ارض المعركة ، بكلمة أخرى لا تزال هناك محاولة أخرى لإعاقة الجهود الروسية السورية من أجل استعادة النظام في سورية و المحافظة عليها كدولة .
بالنسبة لسورية و حلفائها فإن البقاء في حالة تركيز أمر أساسي لإنهاء الصراع. و قد أثبتت الولايات المتحدة أنها خائنة بلا حدود، و تحت غطاء التقارب الزائف من قبل الولايات المتحدة نحو سورية كان صراع عام 2011 يجهز و يشن. و تحت قناع التعاون الزائف مع روسية في المجال الجوي السوري قامت الولايات المتحدة بمساعدة و تحريض تركيا على رصد و إسقاط الطائرة الروسية.
و هذا يفسر بأن أي اتفاق سلام لا يتم الوصول إليه من قبل قوى سياسية موجودة في سورية و مؤيدة لروسية لن يكون سوى خداع. يجب أن تحافظ روسية و سوريا على المظهر الدبلوماسي و لكن يجب أن تكونا واقعيتين فيما يتعلق بالعدو الذي يحاربانه و الدوافع و النوايا الحقيقية و الطموحات المستقبلية التي تقود هذا الصراع في المقام الأول. السلام لم يكن أبدا جزء من الخطة الغربية و لهذا فإن السلام لن يكون جزءا من الحل لسورية و حلفائها.
هزيمة وكلاء الغرب في أرض المعركة و حماية الحدود السورية و خلق عائق عسكري لمنع تدخل غربي مباشر ، يتضمن المزيد من الغارات في الأراضي السورية و العراقية من قبل تركيا و إسرائيل أو أي وكيل غربي آخر في المنطقة ، هي الشروط الوحيدة من أجل أي اتفاق سلام سيتم رفضه من قبل الغرب فيما بعد...
*كاتب و محلل جيوسياسي أميركي مقيم في تايلاند
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد