دوائر الانقسام اللبناني ومستقبلها
الجمل: النيات الإسرائيلية، اتضحت أكثر فأكثر في (المرحلة اللبنانية) من العدوان الإسرائيلي الجاري حالياً، وحالياً –على الأقل- تسعى إسرائيل من أجل التأثير في لبنان، ضمن ثلاثة دوائر محورية مترابطة، وذلك على النحو الآتي:
• الدائرة الهيكلية: وذلك باستخدام الضغوط التي يولدها العدوان، باتجاه إعادة إنتاج خارطة جديدة لتحالفات القوى السياسية اللبنانية، لجهة إعادة توزيع أدوارها الوظيفية عن طريق استقطاب وبلورة معسكرين سياسيين في الساحة اللبنانية –لا ثالث لهما: (أصدقاء وحلفاء إسرائيل) في مواجهة (خصوم إسرائيل)، بحيث يكون لكل معسكر روافده الاجتماعية المتمثلة في (القاعدة الشعبية) التي تغذيه.. وفي هذا الصدد تهدف (الأطروحة الإسرائيلية) إلى افتراض مسبق بأن الشيعة اللبنانيون سيكونون وحدهم ضمن معسكر خصوم إسرائيل، في مواجهة بقية اللبنانيين الذين سوف يساندون معسكر أصدقاء إسرائيل أو على الأقل التيار الاجتماعي المحيط الذي يتبنى مقولة (لا مصلحة للبنان في أن يحارب إسرائيل)، وقد تبنت هذه الأطروحة أمريكا في العراق على أساس اعتبارات أنه يتكون من شيعة في الجنوب، سنة في الوسط، وأكراد في الشمال.. وبالتالي راهنت أمريكا على نجاح فرض سيطرتها عن طريق اللعب على هذه الخطوط الثلاثة.. وحتى الآن لم تنجح في ذلك، على النحو الذي دفعها إلى العمل من أجل إشعال فتيل الحرب الأهلية، أي (عرقنة) الحرب، قياساً إلى نموذج (فتنمة) الحرب الذي حاولت تطبيقه في حرب فييتنام قبل 40عاماً. وقد فشل نموذج الـ(فتنمة)، الـ(عرقنة)، بسبب عدم انتباه مخططو البنتاغون إلى وجود شيء اسمه الـ(وطنية)، يربط بين الأطراف الفيتنامية، والأطراف العراقية، والآن في المسرح اللبناني سوف تندم إسرائيل كثيراً عندما يتبين لها أن الـ(وطنية) اللبنانية، سوف تمثل العامل الذي يلعب دوراً في توحيد الشعب اللبناني أمام العدوان الإسرائيلي، وقد برهنت كل معطيات الخبرة التاريخية، أن مشاعر الانتماء الوطني أقوى تأثيراً من مشاعر الانتماء الطائفي، وذلك عند مواجهة الشعوب لخطر العدوان الخارجي.
أول الإشارات التي يجب أن يلتقطها ويفهمها محور تل أبيب- واشنطن، تتمثل في أن إسرائيل هي أحسن دولة في العالم تجيد صنع أعدائها.. فقد أدت مجزرة (قانا الثانية) إلى توسيع الرافد الاجتماعي الذي يغذي المقاومة اللبنانية التي يقودها حالياً حزب الله، وأضافت إليه رصيداً شعبياً أخجل (حكومة تيار المستقبل وأصدقاء زياد عبد النور البيروتيين) بما جعل رئيس الوزراء اللبناني فواد السنيورة يقرر إلغاء زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إلى بيروت.
• الدائرة القيمية: وذلك بإعادة إنتاج خطاب لبناني جديد، في مواجهة خطاب المقاومة للعدو الإسرائيلي، بحيث يركز على بناء منظومة قيمية تطرح مضمون يروج لمفاهيم من نوع: إن حزب الله هو المسؤول وحده عن هذه المواجهة والعدوان، إن حزب الله يخوض حرباً بالوكالة عن سورية وإيران، إن اللبنانيين ليس لهم مصلحة في هذه الحرب، لقد انسحبت إسرائيل من قبل وأوفت بالتزامها ومن ثم يجب على اللبنانيين الالتزام بعدم المواجهة مع إسرائيل، مثلما فعلت مصر. إن السلام مع إسرائيل ممكن، وسوف يحصل لبنان على عدم دعم أمريكا وفرنسا، وأوروبا، وسوف يجد اللبنانيون فرصة السفر بشكل واسع إلى أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي، أما إذا حاربوا إسرائيل، فسوف يتم وضع لبنان في قائمة الإرهاب، ولن يسافروا إلى (باريس)، و(لندن)، واستراليا وكندا.. وغير ذلك من المفاهيم التي تستند مفرداتها إلى النسق القيمي الذي أفرزته وأسست له الفلسفة البراجماعية الذرائعية، التي تقوم على أفكار جون ديوي، ووليم جيمس.
عندما تجد الـ(نعامة) نفسها في مواجهة هجوم الذئاب والوحوش الضارية، تقوم بدفن رأسها في الرمال، باعتبار أن ذلك يحقق لها النجاح في إخفاء نفسها، ناسية أن بقية جسدها مايزال مكشوفاً بالكامل لهذه الوحوش، وقياساً على ذلك، نجد أن بعض الـ(زعماء) اللبنانيين مازالوا يلهثون باجتهاد من أجل الركوب على قاطرة براجماتية وذرائعية المحافظين الجدد –التي يقودها لبنانياً زياد عبد النور (من أمريكا)- فراحوا ينشطون أكثر فأكثر على أجهزة الإعلام من أجل الترويج لمفردات الخطاب السياسي اللبناني الجديد.
الماكينات الإعلامية الدعائية التي تسوّق وتروج لهذا الخطاب، سوف تنكشف ادعاءاتها الوطنية الزائفة، عند المقاربة بين (أدائها السلوكي التسويقي)، والـ(أداء السلوكي للعدوان الإسرائيلي) والذي سوف يأخذ شكل المعادلة الرياضية الخاصة بعلاقة المتغيرات الطردية، أي كلما ازداد القصف وتقدمت القوات الإسرائيلية داخل لبنان، كلما ارتفعت وتيرة وحماس هذه الماكينات في الترويج لهذا (الخطاب الذرائعي). ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك ما قاله أحد أبرز زعماء البراجماتية الذرائعية الجديدة ( من الذين يرعاهم حالياً زياد عبد النور وبعض جماعة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن من أمثال فورمزر، وأبراهام)، وليد جنبلاط، والذي زعم أن النزاع الحالي يوجه ضربة قاضية للآمال في «لبنان المستقبل» وبأن لبنان أصبح أكثر تجذراً في المحور السوري- الإيراني.
لكن وبرغم الجهد الكبير الذي سوف تبذله ماكينات الدعاية اللبنانية (المدعومة إسرائيلياً- وأمريكياً)، فإن الطريق سوف يكون مسدوداً أمامها في نهاية الأمر.
الجميع في لبنان يدعمون المقاومة، وبالتالي أصبح كل زعماء تيار المستقبل –منتدى زياد عبد النور- يختمون عباراتهم الذرائعية، باستخدام بعض عبارات الـ(مجاملة) لحزب الله، والإعجاب المقتضب بمقاومته ووقوفه في وجه العدوان والغزو.
• الدائرة التفاعلية: عندما تتداخل الهياكل مع القيم تحدث التفاعلات..
وبالتالي فـ(هياكل المقاومة، مع النسق القيمي المقاوم) في مواجهة (هياكل زياد عبد النور مع النسق القيمي لبيت الطاعة الإسرائيلي- الأمريكي).
إن اتساع دائرة العدوان الإسرائيلي، سوف تؤدي بالتأكيد إلى اتساع دائرة التيار الاجتماعي المؤيد للمقاومة، وذلك بما يؤدي إلى سحب البساط من تحت (أصدقاء إسرائيل الصامتين حالياً في الساحة اللبنانية)، وسوف يأتي وقت لن يكون فيه وقت أمام الحكومة اللبنانية للاختيار بين أن تكون حكومة حرب ومقاومة، أم حكومة (بروكسي) تعمل وكيلاً لإسرائيل، والخيار الوحيد الذي سيكون أمام هذه الحكومة هو: إما حكومة حرب تدافع عن لبنان، أو الـ(سقوط) مفسحة المجال لحكومة جديدة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد