حين نلملم أشلاء تراثنا الشفهي:مشروع تدعمه «اليونسكو» بتشجيع فرانكوفو
سعاد جروس: الذاكرة يطويها النسيان، وعاداتنا كما أغنياتنا وأدواتنا المنزلية والملابس التي نستخدمها، والأمثال التي نرددها هي جزء من هذه الذاكرة. وإذا كانت الأحداث التاريخية الكبرى قد وجدت من يسجلها، فإن الدراسات والبحوث تكشف كل يوم، كم أن ما اندثر وضاع خلال العقود القليلة الماضية، من ذاكرتنا كان كبيراً وعزيزاً. ثمة من بات يلملم أشلاء مهن كانت موجودة منذ نصف سنة فقط، ولم نعد نعلم عنها شيئاً، وهناك من يذكرنا بأنواع من القدور والأطباق كانت جداتنا تستخدمها وما عدنا نراها، او نعرف لها اسما، واغنيات تهدهد على أنغامها أطفال هذه المنطقة تاهت في النسيان. ثمة محاولات لجمع هذا المتناثر، قبل ان يضيع تماماً. محاولات جادة لكنها ما تزال في أولها، النموذج السوري، عينة تصلح لأن نقرأ من خلالها علاقتنا بتراثنا اللامادي، ومدى قدرتنا على استرجاعه، كي نبدأ المهمة الأصعب التي لم يفكر بها أحد جدياً بعد، أي قراءته، وتحليله، والاستفادة منه.
يختلف الباحثون حول تعريف وتسمية التراث (الشفوي) او (اللامادي)، وقد اختارت اليونسكو التسمية الثانية كونها الأكثر شمولاً. فبينما يقتصر التراث الشفوي على المحكيات والقصص والأمثال والأغاني والأهازيج واللهجات،... يتسع مصطلح (التراث اللامادي) ليشمل المحكيات والعادات والتقاليد والألعاب والأزياء والطبخ.. الخ. ومع أن الاهتمام بالتراث اللامادي ظهر منذ بداية القرن العشرين من ناحية الجمع والتدوين، إلا أنه الاهتمام به كاد أن يقتصر على الهواة، ولغاية عام 2001 لم يكن هناك وعي حكومي عربي عموماً بأهمية هذا التراث. وبحسب مصادر ثقافية متطابقة فإن العناية بالتراث اللامادي تنبهت إليه اليونسكو بدفع من التوجه الفرانكوفوني، مستفيداً من وجود إدارة اليونسكو في باريس، بهدف تعزيز مكونات الهويات المحلية للشعوب في منطقة «الشرق الأوسط» وأوروبا في مواجهة المد العولمي المؤمرك.
خلال عام 2001 عملت اليونسكو على إنشاء أو تخصيص جائزة لحماية وتشجيع أشكال التعبير الثقافي لتوفير الدعم المادي للأشخاص والمجموعات والمؤسسات والمنظمات المعنية بخطط العمل. وتم وضع اتفاقية خاصة بحماية التراث الثقافي غير المادي، دخلت حيز التطبيق عام 2003، وصادقت عليها الكثير من الدول ودعمتها وساندتها من أجل حماية التراث الحي والدفاع عن التنوع الثقافي. ويرى المهتمون والباحثون في التراث اللامادي، فرصة لإنعاش ذاكرة الشعوب، وإنقاذها من الإهمال والنسيان مع تغير العادات والتقاليد الاجتماعية جراء الانفتاح والتواصل التقني الحديث وتحول العالم الى ما يشبه الأواني المستطرقة.
برز الاهتمام الرسمي بالتراث اللامادي في سورية منذ التصديق على اتفاقية اليونسكو حيث أحدثت مديرية في وزارة الثقافة متخصصة في هذا المجال، فيما سبقت جمعية «العاديات» الأهلية المؤسسة الرسمية بأكثر من عقد، وشكلت فيها لجنة تعمل في المضمار نفسه. كما جرى قبل ثلاث سنوات تشكيل لجنة فنية لجمع وحفظ التراث الموسيقي والغنائي غير المدون، فتم تدوين نحو 40 عملاً بالتنسيق مع اللجنة الوطنية في وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو. وقد تقدمت جمعية «العاديات» بطلب اقترحت فيه تسجيل القدود الحلبية في التراث الإنساني اللامادي. ويقول رئيس جمعية «العاديات» محمد قجة، ورئيس الأمانة العامة لحلب عاصمة الثقافة الإسلامية، إن أهم ما أنجزته الجمعية هو تحويل الموسوعة الحلبية لخير الدين الأسدي إلى نسخة رقمية، يسهل استخدامها وقراءتها. وهي أهم وأكبر موسوعة على المستوى العربي في هذا المجال، وتشمل العادات والتقاليد والأمثال واللهجات والحكايات والأهازيج الحلبية. وتعمل الجمعية الآن على إعادة توثيق الأزياء في البيئة وإقامة معارض لها في مختلف أنحاء البلاد. فهذا التراث، بحسب رأي قجة، شكل من أشكال الذاكرة الوطنية، وحصيلة خبرة قرون من الزمن، وتوثيقه ضروري في مواجهة زحف ثقافة العولمة، وهو مهدد بالزوال. و«الجمعية تعمل بالتنسيق مع اللجنة الوطنية التي تسعى لتوحيد جهود المؤسسات والوزارات والجهات المعنية». ويتابع قجة قائلاً، بأن الاهتمام بدأ منذ فترة قصيرة، لكن المحافظة عليه تحتاج لعناية ودعم أكبر مما يبذل الآن.
رغم توفر الكثير من الكتب الجامعة والموثقة والأعمال الفنية وأخيراً المسلسلات الدرامية والبرامج التلفزيونية التي اهتمت بالتراث اللامادي في سورية، إلا أن الملاحظ تركز كثافة الكتب ضمن مناطق رئيسية. ففي حين تتكاثف الجهود في مدينتي دمشق وحلب ومنطقة الفرات، تكاد تغيب في المناطق الريفية الساحلية والجبلية وكثير من المدن الأخرى كحمص وحماه وادلب واللاذقية وطرطوس وبانياس، وغيرها. ويعود هذا الى أن أبناء دمشق وحلب من المثقفين قد أولوا اهتماما شخصيا وفرديا لهذا النوع من التراث.
الكاتب الأديب عادل أبو شنب يؤكد هذا بالقول: دمشق وحلب أكثر مدينتين من المدن السورية تمت العناية بتراثهما المادي واللامادي. وهناك الكثير من الجوانب في التراث السوري اللامادي الشديد التنوع لم تتم تغطيته بالبحث والرصد، ويكتسب توثيقه أهمية كبرى لما يمثله، كجزء من تاريخ الأمة على مر العصور، يتم تناقله شفاهاً. ويعطي أبو شنب مثلاً عن طريقة تبريد الطعام المتبعة قديماً في البيوت الدمشقية قبل اختراع الثلاجة الكهربائية، والتي لا يعرف عنها الجيل الحالي أي شيء، فهم لا يعرفون أنه كان في كل بيت وعاء أو طبق اسمه «الكبك» يوضع فيه الطعام، ويدلى من الأعلى بحبال وسط الفسحة السماوية في صحن الدار كي يتعرض للهواء البارد الذي يحفظ الطعام.
طبيب الأسنان محمود النجرس من مدينة الرقة، يستغل أوقات الفراغ منذ ربع قرن لتوثيق الأغاني الشعبية والعادات والأمثال والحكم والكنايات والقصص البدوية في البيئة الفراتية، من جرابلس الى أواسط العراق. يقول إنه يشتغل على البحث في الجانب الأخلاقي والقيم الإيجابية في هذا التراث، ويعد لموسوعة لكن الوقت لا يسعفه كثيرا، فهذا العمل يحتاج إلى تفرغ، وهو أمر غير ممكن لغياب تمويل يعينه على العيش. لذا لا يتعدى عمل محمود الدؤوب الهواية. إذ تحتاج عملية الرصد والتجميع لوقت وجهد طويلين وتكاليف للسفر إلى مناطق مختلفة والاحتكاك بالمجموعات البشرية المتنوعة. ويقول النجرس، لقد تأخر الاهتمام السوري الرسمي كثيراً بالتراث اللامادي، بينما ظهر هذا الاهتمام مبكراً في مصر والعراق، فهناك مكتبة عراقية تراثية غنية جداً، وفي جامعة القاهرة يتم تدريس الفنون الشعبية، وفي السنوات الأخيرة أُستحدث في الخليج مركز للتراث الشعبي يصدر عنه مجلة تعنى بفولكلور منطقة الخليج.
الأديب ابو شنب وثق في كتاب خاص لكثير من العادات الشامية، قدمه هدية للمدعوين إلى عرس ابنته منذ بضعة أعوام، في مبادرة منه للتذكير بالبيئة الدمشقية. فقد حاول كغيره من الأدباء والمثقفين الدمشقيين توثيقه في أعمال إبداعية من قصة ورواية وشعر، مثل الشاعر نزار قباني الذي كتب اجمل القصائد عن البيت الدمشقي والياسمين والورد والملابس. هذا ايضاً ما فعله الروائي فواز حداد في روايتيه الأولى والثانية «موزاييك» و«تياترو»، والروائية والباحثة ناديا خوست في روايتها «حب في بلاد الشام» ومقالاتها الصحافية التي عنيت عناية فائقة بالحفاظ على تراث الشام المادي واللامادي، كذلك الأديبة الراحلة ألفت الأدبي وغيرهم كثر ممن رصدوا النوادر والحكايا كالمحامي اللامع نجاة قصاب حسن، والباحثة سهام ترجمان التي وضعت ثلاثة مجلدات ضخمة، تعتبر من أهم المراجع في هذا الخصوص عن عادات وتقاليد ولهجات أهل دمشق، ضمنتها تفاصيل من المجتمع النسائي المغلق غاية في الطرافة والظرف. وكان قد سبق ترجمان إلى ذلك، الكثير من الباحثين والمؤلفين مثل محمد سعيد القاسمي صاحب «قاموس الصناعات الدمشقية»، كأهم كتاب يتناول الحياة الاقتصادية والمهن التي كان يمارسها أهل دمشق من أصغرها إلى أعلاها رتبة ومقاماً. فوردت في الكتاب مهنة «الكلابية» وهي قيام متسولين متخصصين بالوقوف على باب أهل الميت والمطالبة بأخذ مال وطعام. ومهنة «الخرقي» الذي يجمع قطع القماش البالية من مكبات القمامة ويعيد تدويرها من جديد. ومهنة «المقبعة» و«البلانة» ولغاية مهنة صائغ الذهب والصيرفي والنساج والبغجاتي، وغيرها، وقد انقرض الكثير منها. وهذه المهن تعكس نمط العلاقات الاجتماعية في المجتمع الدمشقي قبل قرن ونصف القرن من الزمن. فنرى المؤلف يتحدث عن مهن كان يمارسها تحديدا أو يبرع فيها يهود دمشق، وأخرى خاصة بالنصارى، وثالثة بأهل الشام من المسلمين، بحيث يحتاج هذا القاموس إلى دراسة أكاديمية معمقة تعطيه أبعاده الحضارية.
وفي حلب برز كتاب وباحثون معاصرون اثروا المكتبة التراثية الحلبية، كان من أهمها على الإطلاق موسوعة حلب المقارنة لخير الدين الأسدي. وقامت جامعة حلب بطباعة هذه الموسوعة بدءاً من أوائل ثمانينات القرن الماضي، واعيد طبعها وتوزيعها مجاناً خلال احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2006. وفي البيئة الفراتية برز الباحث عبد القادر عياش، المتوفى في الثمانينات تاركاً مجموعة من الكتب التي توثق حياة ولهجات البدو والحضر في شمال شرقي سورية وفي حوض نهر الفرات، تعتبر كنزا ثمينا لما تختزنه من معلومات تطلبت جهودا كبيرة في الجمع إلا أنها لم تغط سوى بعض المناطق السورية وليست كلها، لكنها لم تتجاوز الرصد في حالة الأدب والجمع في حالة التوثيق. وبحسب الباحث نشأت حمارنة، فإن دراسة التراث لا تزال تقتصر على التجميع والدراسات السطحية، ولم يتم ربطها بالمظاهر الحضارية، كون غالبية الذين يعملون على جمع التراث الشعبي من الأفراد ومنهم بعض الهواة، بينما هذا العمل يحتاج الى مؤسسات ترعاها الدولة، وهذه المؤسسات ينبغي أن يكون فيها من يتقن اللغات القديمة، وعلى إطلاع بما كتبه المستشرقون ومؤرخو الحضارة في العقود الأخيرة، للتمكن من تحديد الأخطاء الناجمة عن محدودية علم المستشرقين الذين كانوا أول من اهتم بتراثنا اللامادي. فمثلاً أحد مؤرخي الموسيقى يتصور أن الموسيقى العربية في العصر الإسلامي جاءت من فارس غير عارف بغنى الموسيقى في بلاد ما بين النهرين ومتجاهلاً أن الفرس تعلموا من بلاد ما بين النهرين قبل ظهور إمبراطوريتهم، ومتناسيا أيضاً أن أهم وأقدم الآلات الموسيقية موجودة في متحف بغداد وتعود إلى العصر السومري. كما أن من اهتم فيما بعد بهذا التراث من العرب كانوا تلامذة المستشرقين، فلم يظهر تيار يصحح الأخطاء الناجمة عن جهلهم. ويعطي مثلاً آخر عن قولهم، إن علم الفلك بدأ عند العرب ببيت الحكمة والأرصاد في عصر المأمون، ويتناسون أن الجيوش العربية التي ذهبت إلى الشرق والغرب كانت تتجه إلى القبلة وقت الصلاة أي أن البحوث الفلكية العربية بدأت قبل عصر الترجمة. إن البحث في التراث، برأي حمارنة، ضروري لاستكمال الوعي المعرفي، كموضوع مهم بقيمته الابستمولوجية.
لا شك أن البحوث العربية في إطار دراسة وتوثيق التراث لا تزال قليلة وقاصرة، لم تتجاوز كثيرا مرحلة الجمع، وهذا يعود لأسباب عديدة منها غياب العناية الحكومية، بما يعنيه ذلك من دعم وتمويل لمثل هكذا بحوث. فالباحث الموسيقي نوري اسكندر الذي اثبت أن الموسيقى الإسلامية والكنسية من أصل شرقي واحد، قام بشكل فردي بزيارة القرى والبلدات وحاول البحث في تراث الأغاني الشعبية بما يثبت نظريته، فوجد أن الكلمات تغيرت لكن الألحان ذاتها. وتروي المخرجة التلفزيونية المخضرمة رويدة الجراح، كيف قامت بإعداد وإخراج برنامج تلفزيوني منوع عن العادات والتقاليد الشامية، اسمه (أيامنا وأيام زمان)، واضطرت إلى البحث في تفاصيل انقرضت، وحاولت توثيقها بعمل فني درامي منوع، وقد بحثت عن صناعة نوع من السكاكر خاص بالعيد لم يعد موجوداً، فتمت إعادة تصنيعه لتوثيقه تلفزيونيا. بالإضافة لتفاصيل أخرى كثيرة تتعلق على سبيل المثال، بالكارات والإعلام والإعلان قديما، والأدوات مثل أشكال أواني الشراب الزجاجية وسواها ومعانيها ودلالتها وليس فقط استخدامها، وغيرها من أشياء باتت طي الذاكرة، وفي طريقها إلى الزوال. وتتمنى الجراح لو أن عملها استمر ولم يقتصر على عشر ساعات، ومع أنها بذلت كل ما بوسعها، إلا انه لم يأت ملبياً لطموحها فتوقفت. إذ لا أحد يشجع هذا النوع من البرامج التي تحتاج إلى بحوث حقيقية تتناول حياة البشر والبيئة المتكاملة التي أنتجت تلك التفاصيل. وتعتبر الجراح أنه من الجيد إنتاج مسلسلات درامية تعنى بإحياء تفاصيل تراثية، وتقول نحن نحاول لكننا غير جادين. فكلنا نهتم به بشكل شخصي، ولا توجد مؤسسات تعنى به، والمسلسلات الدرامية اليوم تحاول الدخول إلى الأعمال الشعبية، وتجتذب إليها أجزاء منه عبر تفصيلات تقول إنها تراث وهي ليست تراثاً كاملاً وإنما قريبة منه.
لا شك أن سورية تشهد حراكا ملحوظاً على صعيد حفظ التراث اللامادي، كجزء من حراك دولي يستنهض خصوصيات المجتمعات المحلية، مع تصاعد موجة الأسئلة الفكرية حول ماهية الهوية، في رد فعل على العولمة التي باتت واقعاً لا مفر منه. إلا ان ما يخشى منه ان يكون هذا الحراك موضة أو موجة عارضة تفرضها السياسات التوسعية الاستعمارية، او السياسات الاقتصادية العولمية، حتى لو كان الهدف المعلن، كما تقول اليونسكو، حماية التراث من المخاطر التي تواجهه من كل جانب، وبخاصة أنه كان يرزح تحت وطأة عوامل سياسية واقتصادية وأيضاً اجتماعية من شأنها أن تنال من قدرته على البقاء. ولكون المنظمة تحمل على عاتقها لواء حماية هذا التراث وجعله من أولوياتها إيماناً منها «بضرورة الدفاع عن تنوع الثقافات بالإضافة إلى اهتمامها بديمومة التطور المستديم للمجتمعات».
لا يمكن تجاهل الدراسات التي تفيد بأن دراسة الفولكلور والفنون الشعبية بدأت في أوروبا، تتخّذ هوية خاصة منذ بداية القرن التاسع عشر، وفي الوقت نفسه تقريبًا ظهر علم الأنثروبولوجيا (أى علم دراسة الإنسان) Anthropology كفرع مستقل من فروع المعرفة، أي في الزمن الذي بدأت فيه أوروبا بالبحث عن وسائل جديدة مساعدة لاستعادة أمجادها الإمبراطورية الاستعمارية، ومحاولة فهم المجتمعات المستعمرة والنفاذ من ثغرات تنوعها وتناقضاتها واختلافاتها وخلافاتها. وهو ما يعاد اليوم تكراره على نحو جديد، لا يجوز لشعوب المنطقة أن يتعاملوا معه ببراءة أو بسطحية سياحية، إذا كانوا معنيين حقيقة بإعادة صياغة هوية واضحة المعالم قادرة على الصمود في وجه التحديات السياسية والعولمية. فالنظرة الاستشراقية التي بنيت على كثير من الجهل، أسست لقيام جسور تواصل بين الشرق والغرب، لكنها أبقت على فجوات واسعة أعاقت التواصل، تراكمت مع الزمن، وكونت المستند والمرجع الأكاديمي لسوء فهم الذات قبل الآخر، وهو ما يحتاج اليوم إلى إعادة نظر عبر البحث والتنقيب. وهنا لا بد من مثال بسيط بغاية الوضوح يتصل بدعوات تمكين المرأة العربية التي يدعمها الغرب، ولو عدنا لأغاني التراث الشعبي ودرسنا مضامينها لأذهلتنا الشخصية النامية للمرأة العربية الشرقية المتمكنة والحرة في مجتمعها البدائي قبل طوفان المد الفكري الغربي التحرري وما يحمله من أفكار ثورية غربية غريبة عن واقعنا الشرقي. وحسبنا التأمل في هذه الأغنية التي قالتها عاشقة لحبيبها بعد قراره بعدم الزواج منها بسبب رفض والدته وأخواته، في حفل زفاف اجتمع به كل أهالي البلدة.
يللي كنت أريدك وعدت اليوم ما أريدك/ يللي كنت صيدك وراح الصيد من أيدك
غسل لأيدك بالصابون وشم أيدك/متلك كتيرين متلي ما حصل بيدك.
ولا يقل عنه غناء فتاة ريفية للموليا
ما أحلى الوما بالوما وما أحلى العزوبية/وما أحلى ركوب الجمل لو قادته بنية
وتقولي ما ريدو وتقول ما ريدو/لو كان عنتر عبس ومهيرته بأيدو
لأروح لقاضي القضا وحط أيدي بأيدو/ وقله المحبة رضا ما هي غصوبية
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد