الوعد الصادق في السياسة الدولية

09-08-2006

الوعد الصادق في السياسة الدولية

لم يخطئ أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، عندما أعلن في ختام اجتماع الوزراء العرب في بيروت، أن النظام العالمي الجديد قد انتهى. وقد قصد بذلك أن الأمم المتحدة، كما عرفناها الى الآن، تفقد العديد من أدوارها على نحو متسارع مع انتهاء الحرب الباردة وحلول العهد الامبراطوري الأميركي. فلم يعد سراً أن مجلس الأمن بات يصادر معظم صلاحيات الجمعية العمومية، فيما الولايات المتحدة تهيمن على نحو متزايد على قراراته، فإذا العجز خلال شهر عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في لبنان يردفه مشروع القرار الأميركي الفرنسي، الذي يتنافى مع أبسط أعراف ومواثيق المنظمة الدولية ذاتها بل وقراراتها ذاتها، علامتان فارقتان على هذا المسار.
لذا، فالوفد العربي الذي غادر بيروت إلى الولايات المتحدة لعله يخطئ في العنوان. فالمطلوب زيارة لا إلى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك بل واشنطن، عاصمة الامبراطورية الأميركية. وواشنطن هي من يجب ان تخاطبها القمة العربية إن هي انعقدت في مكة المكرمة نهاية هذا الأسبوع.
لنضع جانباً الحرب الإقليمية، كالتي أبلغنا الوزير المعلم أن سورية تستعدّ لها، وكذلك المقاطعة الاقتصادية، التي لا يستسيغها الرئيس مبارك بمثل عدم استساغته الحروب من أجل الآخرين. الموضوع الآن ممارسة ما يكفي من الضغط وبالوسائل السلمية من اجل وقف العدوان وجلاء القوات الاسرائيلية عن الاراضي اللبنانية واتخاذ قرار دولي أكثر انسجاماً مع مشروع الحكومة اللبنانية ذي النقاط السبع. والسؤال: ماذا يملك وفد الجامعة العربية؟ وماذا سوف تملك قمة مكة المكرمة، إن هي انعقدت، من وسائل لتحقيق ذلك؟
لا حرب من أجل لبنان، ولا حتى مقاطعة اقتصادية. بالتأكيد. ولكن هل تستطيع الدول العربية التي تزوّد آلة الحرب الإسرائيلية بالوقود من نفط وغاز أن توقف الإمداد، ولو خلال فترة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان؟
هذا ما كان بإمكان وزير خارجية قطر أن يلمّح إليه، ولو تلميحاً في اتصاله الهاتفي، يوم امس، مع وزيرة خارجية العدو. اللهم الا اذا كان سموه يعتقد ان مصادر قوته على نظيرته الإسرائيلية، وقدرته على التأثير، تكمن في فائض الذكورة لديه أو في قوة الحجج او في تفوّقه عليها في اللغة الانكليزية!
لا حرب ولا مقاطعة اقتصادية. طبعاً. لكن يمكن التهديد بسحب سفيري الاردن ومصر من تل ابيب، وهو إجراء دبلوماسي تلجأ إليه الدول لأسباب أقل بكثير من الحروب والاعتداءات المسلحة، ثم العمل على سحب السفيرين فعلاً. وسحب السفراء هو المطلب الشعبي العارم الذي ظن امين عام الجامعة العربية عمرو موسى بأن قراراً بصدده سوف يصدر عن الاجتماع الوزاري في بيروت. فهل يصدر مثل هذا القرار بمناسبة القمة العربية في مكة المكرمة؟
لا حرب، ولا مقاطعة اقتصادية. ايضاً وايضاً. بل يمكن استخدام كل ما يملكه العرب من طاقات سلمية بالتأكيد من اجل الضغط على الولايات المتحدة لكي تضغط هي بدورها على اسرائيل، تماماً حسب منطق الانظمة العربية الذي نعيش عليه في الذلّ والهزائم منذ لا أقلّ من ربع قرن!
وهنا بعض الممكنات والوسائل:
الإنذار بعدم تجديد عقود تأجير القواعد العسكرية للجيش الاميركي في الخليج، مثلاً.
إبلاغ العربية السعودية رسالة الى الحكومة الفرنسية مفادها بأن المملكة تفكر تفكر فقط في تأجيل تنفيذ صفقة طائرات حربية بمئات ملايين الدولارات وقعتها مع فرنسا مطلع العدوان الإسرائيلي على لبنان اذا لم يتحسن الأداء الفرنسي في موضوع تعديل مشروع القرار.
التلويح، فقط تلويح، بخفض إنتاج النفط وبالتالي رفع اسعاره، عملاً باقتراح سابق للاستاذ غسان تويني في هذا المجال.
التلميح بإمكان إيداع ارصدة الدول الخليجية خارج الولايات المتحدة الأميركية.
نترك جانباً التهديد بالانسحاب من العملية السلمية بعدما كشفت الحرب على فلسطين ولبنان، أنه لا يوجد شريك إسرائيلي وتعليق العمل بالاتفاقيات الثنائية بين الاردن ومصر واسرائيل وسواهما من اقتراحاتنا المغامرة.
تساق هذه كلها طبعاً بانتظار ان ينتهي الوزير وليد المعلم تدريبه العسكري في صفوف المقاومة اللبنانية على حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، فيستطيع آنذاك إطلاق المقاومة الشعبية لتحرير الجولان المحتل!
لسائل أن يسأل: وما الجدوى من جردة التمنيات هذه؟ وما الفائدة من التذكير بها مجدداً؟ والجواب بسيط: تسجيل الفارق لدى الرأي العام العربي بين ما نستطيعه وبين ما ينفذه، او لا ينفذه، حكامنا. فنمارس بذلك ابسط حقوق المواطنة في المساءلة والمحاسبة. وهو في عرفنا الترجمة الأمينة لمنطق الوعد الصادق اللبناني، الممهور بالدم، في ميدان السياسة الدولية.
المحاسبة قبل التغيير. بل المحاسبة سبيلاً الى التغيير. وكلاهما حق للشعوب العربية بل واجب عليها. بتلك وهذا يولد جديد في الشرق..

فواز طرابلسي

المصدر: السفير


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...