موسم الانقلابات السياسية داخل كردستان العراقية

09-01-2008

موسم الانقلابات السياسية داخل كردستان العراقية

الجمل: تقوم خيارات السياسة الخارجية، أي سياسة خارجية، على الموازنة بين "الفرص" و"المخاطر" لتفادي الأضرار التي يمكن أن تتعرض لها المصالح الحيوية بفعل بعض الخيارات الخاطئة، ومن أبرز أخطاء دوائر صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية عملية إغفال "المخاطر" الطويلة المدى، والتورط تحت إغراء "الفرص" القصيرة المدى، التي بمرور الزمن تتحول إلى مخاطر أكثر ضرراً وتهديداً، وتشير معطيات خبرة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى أن الإدارات الأمريكية ظلت تترنح تحت ضربات فشل توجهاتها الخارجية، من تأثير "المخاطر" التي نجمت لاحقاً من جراء توجهات استقلال "الفرص" القصيرة المدى في الماضي.
* الأزمة الكردية نموذجاً:
استطاعت الفصائل الكردية، وتحديداُ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، من استغلال "فرصة" الحصول على الدعم الإسرائيلي والأمريكي على خلفية الصراع العربي – الإسرائيلي، وذلك وفقاً لحسابات المنافع القصيرة المدى، دون إيلاء الاعتبار للـ"مخاطر" طويلة الأجل المترتبة على ذلك، وعلى وجه الخصوص ردود فعل البيئة العربية – الإسلامية التي يوجد ضمنها إقليم كردستان موضوع الصراع. ونفس الشيء على الطرف الآخر، فقد استطاعت أمريكا وإسرائيل استغلال "فرصة" الحركات الكردية في استهداف دول وحكومات المنطقة المعارضة للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص استهداف العراق وإيران دون إيلاء الاعتبار للمخاطر طويلة الأجل التي يمكن أن تبرز في مستقبل الصراع.
المأزق الذي تواجهه السياسة الخارجية الأمريكية والتوجهات الإسرائيلية إزاء ملف الحركات الكردية يتمثل بوضوح في الآتي:
• الموقف التركي "المتشدد" إزاء مستقبل الملف الكردي.
• الموقف العراقي "المتواطئ" مع الموقف الكردي.
* انقلاب جماعة المحافظين الجدد:
حتى وقت قريب كان مايكل روبين (خبير جماعة المحافظين الجدد في الشؤون الكردية والذي قضى عاماً كاملاً متنقلاً بين المؤسسات التعليمية في الدهوك وأربيل بإقليم كردستان العراقي والذي يعمل حالياً خبيراً رفيع المستوى في معهد المسعى الأمريكي التابع لجماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي) يكتب المقلات ويقدم المحاضرات والندوات ويعد الدراسات حول القضية الكردية. يعتبر روبين اليهودي الأمريكي الأول والرائد في مجال التسويق داخل وخارج أمريكا لمشروع "الدولة الكردية المستقلة"، وقد ألف بعض الكتب في هذا المجال ولخدمة هذا المشروع. ولكن، وكما هي عادة رموز اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد فقد انقلب مايكل روبين فجأة على المشروع الكردي:
• في صحيفة وول ستريت جورنال كتب مقالاً حمل عنوان «مشكلة إرهاب تركيا هي مشكلتنا» أكد على حق تركيا في الدفاع عن النفس ضد الحركات الكردية وأضاف قائلاً بأن مسعود البرزاني يفرش سجادة الحرير أمام الدبلوماسيين ولكنه في نفس الوقت يقدم الدعم والملاذ الآمن للإرهابيين.
• وعلى موقع معهد المسعى الأمريكي نشر بحثاً مطولاً من تسع صفحات "كبيرة الحجم وبخط صغير" حمل عنوان «هل كردستان العراقية حليف جيد؟».
وعلى غير عادة الدكتور –الباحث الأكاديمي المرموق- لم يستعرض مايكل روبين أي مقدمات تمهيدية، وإنما ولج مباشرة في الموضوع، وشنّ هجوماً مكثفاً ضد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني.
تحدث "صديق الأمس" قائلاً بأن قيادة كردستان الحالية تجعل من عملية إقامة حلف كردي – أمريكي أمراً متهوراً وغير عاقل:
• بدلاً من أن تصبح كردستان العراقية ديمقراطية فإنها أصبحت نموذجاً أوتوقراطياً.
• بدلاًَ من أن يصبح الزعيم الكردستاني "نيلسون مانديلا" آخر، فإنه يحاول جاهداً أن يصبح "ياسر عرفات" آخر.
• بدلاً من الأقاويل المطالبة بجعل كردستان حليف لأمريكا، فإن ما يحدث في كردستان يجعلها بعيدة كل البعد عن الثقة والمصداقية.
إن كردستان العراقية برأي مايكل روبين هي المستفيد الأكبر من عملية تحرير العراق التي نفذتها الولايات المتحدة وقد:
• أصبح مستوى الدخل في كردستان هو الأعلى مقارنة بباقي المناطق العراقية.
• مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر في كردستان هو الأكبر بالنسبة لبقية مناطق العراق.
• الأمن في كردستان هو الأفضل بعد احتلال العراق.
• العزلة الدولية المفروضة على كردستان انتهت بعد بدخول الاحتلال الأمريكي.
• رحلات شركات الطيران الجوية تسير بانتظام بين العواصم الأوروبية مثل ميونخ وفيينا، وأربيل والسليمانية.
• قوات الاحتلال الأمريكية والمشتركة تنعم بالراحة والاستجمام والاسترخاء في فنادق الدهوك ومنتجعات دوكان الكردية.
* إدارة وآليات السيطرة على إقليم كردستان العراقي:
وصف مايكل روبين الزعيمين الكرديين مسعود البرزاني وجلال الطالباني بأنهما يطبقان نفس أساليب النظام العراقي السابق في فرض السيطرة على الأكراد والإقليم. وأشار روبين إلى أن أجهزة الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تتغلغل عميقاً في بنية المجتمع الكردي، ليس لحماية الأكراد وكردستان وإنما لحماية مصالح زعامة البرزاني – الطالباني. ومثلما كانت أجهزة أمن النظام العراقي السابق لا تتورع عن التنكيل والبطش بطلاب المدارس الثانوية والمتوسطة والابتدائية، فإن أجهزة مسعود البرزاني – جلال الطالباني تقوم بنفس الشيء تحت سمع وبصر القوات الأمريكية التي درجت على تجاهل الأمر خلال الفترة الممتدة من مطلع 2003م وحتى الآن.
يقول روبين، لقد فرض الثنائي البرزاني – الطالباني قبضتهما الشديدة على كل آليات السيطرة وفرض النفوذ المشروعة وغير المشروعة، وأصبحا يتحكمان ليس في الأجهزة الرسمية وإنما في التفاعلات الاجتماعية التي يجب أن تتم بين أفراد المجتمع الكردي  بشكل ديمقراطي سلمي، وتجسس البرزاني – الطالباني لا يكتفي بمراقبة الطلاب في الجامعات وإنما يمتد إلى مضمون البحوث العلمية وليس تلك التي يعدها الطلاب فحسب وإنما الأوراق العلمية التي يقوم بإعدادها الأساتذة أيضاً. تتضمن قبضة البرزاني – الطالباني التمييز بين أفراد وجماعات الأكراد، بحيث أصبحت عناصر البشمركة تتميز بمزايا التجاوز والبقاء خارج مظلة سيادة القانون، وحالياً لا يوجد في كردستان من يستطيع محاسبة عناصر البشمركة على ما يقترفونه من تجاوزات وجرائم في حق الأكراد أنفسهم.
ويشير مايكل روبين إلى قيام جهاز الأمن السري التابع لمسعود البرزاني بخطف أحد الصحفيين النمساويين بسبب نشره مقالاً تساءل فيه عن الفساد الذي تنخرط فيه عشيرة البرزاني علماً بأن الصحفي النمساوي قام بنشر وثائق تشير إلى الصلة بين الملا مصطفى البرزاني (والد مسعود) وجهاز المخابرات السوفييتية (كي جي بي). وبعد محاكمة استمرت جلستها 15 دقيقة فقط، حوكم الصحفي النمساوي الجنسية (الكردي الأصل) بالسجن 30 عاماً، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد تدخل المنظمات الدولية وحقوق الإنسان ووزارة الخارجية الأمريكية.
عموماً، تقول قصة اليهودي مايكل روبين بأنه:
• حصل على درجة البكالوريوس في البيولوجيا من جامعة «يال» الأمريكية، ومن نفس الجامعة حصل على درجة الماجستير في التاريخ.
• محاضر في شعبة التاريخ في جامعة «يال».
• عضو زميل بمنتدى «سيروف» التابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي.
• عمل أستاذاً زائراً في جامعات كردستان الثلاثة: السليمانية، صلاح الدين، الدهوك.
• عمل أستاذاً زائراً في الجامعة العبرية بإسرائيل.
• عمل مستشاراً سياسياً لليهودي الأمريكي الجنرال غاردنر رئيس سلطة التحالف التي حكمت العراق بعد الاحتلال وظل في بغداد لأكثر من عام.
• عمل مساعداً للشؤون العراقية والإيرانية في مكتب وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد.
• مؤسس ورئيس تحرير دورية الشرق الأوسط، التي يشرف عليها إيليوت إبراهام ودانيال بيبي واللبناني زياد عبد النور.
• يعمل حالياً في عدة وظائف أبرزها:
* كبير المحاضرين بمدرسة الدراسات العليا التابعة للبحرية الأمريكية.
* خبير معهد المسعى الأمريكي واللوبي الإسرائيلي المختص بالشؤون الكردية.
• وضع العديد من الكتب والبحوث والأوراق العلمية حول المسألة الكردية.
ونلاحظ أن مايكل روبين قد تضمنت خبرته العملية في بغداد محطتين:
• عمل كأستاذ زائر في جامعتا كردستان خلال فترة عام 2001م وعام 2002م وخلال هذه الفترة كان نظام الرئيس الراحل صدام حسين ما زال موجوداً، ولكنه تسلل إلى إقليم كردستان الذي كان آنذاك يمثل "محمية" أمريكية تخضع لسيطرة الثنائي البرزاني – الطالباني، ونلاحظ أيضاً أن هذه الفترة تعتبر هامة لجهة كونها سبقت مباشرة عملية الغزو والاحتلال لذلك فقد كان وجود روبين هناك يرتبط بشكل أساسي بحلقات جمع المعلومات الاستخبارية عن العراق وعن شمال العراق في تلك الفترة، إضافة إلى تعزيز التعاون بين جماعة المحافظين الجدد وزعماء الحركات الكردية، تمهيداً لعلاقات وتحالفات ما بعد الاحتلال.
• خلال فترة وجود روبين كمستشار سياسي للجنرال غاردنر الحاكم العسكري الأمريكي في العراق، لعب دوراً كبيراً في دفع التطورات باتجاه وضع وتنفيذ الترتيبات التي تمهد لانفصال إقليم كردستان.
أما خلال وجوده في أمريكا فقد كان أحد أفراد عصابة الأربعة التي يعتمد عليها اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد في عملية صنع قرار الإدارة الأمريكية داخل أروقة معهد المسعى الأمريكي:
• فريدريك كاغان مسؤول عن العراق.
• بارتيك كلاوسن مسؤول عن إيران.
• سونير كاغياتي مسؤول عن تركيا.
• مايكل روبين مسؤول عن كردستان.
وبعد هذه السيرة الذاتية والخلفية التاريخية الحافلة بالـ"شبهات" والأوراق الخفية، المعلنة وغير المعلنة، فإن انتقادات مايكل روبين للزعماء الأكراد خاصة البرزاني وطالباني، والحركات الكردية بشكل عام وقوات البشمركة وحكومة إقليم كردستان، لا يمكن اعتبارها صادرة عن قناعة "أكاديمية" جديدة توصل إليها البروفيسور مايكل روبين بل هي مواقف تعكس:
• نوايا جديدة لجماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي.
• احتمالات سياسة أمريكية جديدة إزاء ملف كردستان.
• تطورات استخبارية وربما صفقة جديدة يتوقع حدوثها في الملف العراقي، الملف الكردستاني، والملف التركي.
فما هي التحولات والمناورات الجديدة القادمة؟ ومن سينقلب على من داخل كردستان، داخل العراق؟ من المؤكد أن الأيام القادمة سوف تحمل رياحها التسريبات الجديدة القادمة من واشنطن أو تل أبيب أو أربيل أو أنقرة..... أو ربما بغداد.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...