البدل النقدي : الإقتراب من نهاية الدعم الحكومي
زياد غصن:
أعطت الحكومة قبل أسابيع عدة الضوء الأخضر لفريق حكومي مؤلف من خبراء وباحثين اقتصاديين للعمل على تقديم دراسة بحثية لإمكانية استبدال بعض أشكال الدعم الحالي عبر تقديم بدل نقدي للمواطنين المستحقين، وكان دعم مادة الخبز هو الملف الأول الذي طرح على الفريق البحثي الذي جال بين الوزارات والمؤسسات الحكومية سعياً نحو جمع أكبر قدر من البيانات المتعلقة بهذا الملف.
وبحسب المعلومات فإن السيناريو المطروح يقوم على رفع سعر مادة الخبز بشكل تدريجي ليصل في نهاية المطاف إلى الكلفة الحقيقية، ومع كل زيادة تطرأ على سعر الخبز أو أي مادة أخرى مدعومة يطبق عليها مشروع البدل النقدي بحيث يتم تحويل قيمة الفرق بين ما يدفعه المواطن لقاء شراء مخصصاته اليومية من الخبز وبين ما تحدده الحكومة من دعم لكل مادة إلى حساب مصرفي خاص بصاحب البطاقة المدعوم.
فمثلاً، في حال تم رفع سعر ربطة الخبز الواحدة في المرحلة الأولى إلى 3 آلاف ليرة كما كان مقترحاً، فإنه سوف يصار إلى تحويل 2600 ليرة عن كل ربطة خبز يتم شراؤها فعلياً إلى حساب كل حامل بطاقة إلكترونية مستحق للدعم وهكذاً.
جبهات متعددة:
في المرحلة الأولى لن نشهد خفضاً لافتاً في كلفة دعم مادة الخبز أو أي سلعة أخرى، ذلك أن ما سيدفعه المواطن المستحق للدعم من مبالغ مالية مقابل حصوله على السلع والخدمات بأسعارها الجديدة سوف يعاد جزء منها إلى حسابه في نهاية الشهر، لكن الفائدة الأساسية ستكون من نصيب المؤسسات والشركات المعنية بإنتاج وتقديم السلع والخدمات المدعومة، فهذه ستكون بعد فترة من الزمن لا علاقة لها بالدعم أو غير معنية بتحمل تبعاته المالية، وعليه فإنه يفترض أن تنتقل تدريجياً من كونها مؤسسات مخسرة بسبب الدعم وتشابكاته المالية إلى مؤسسات قادرة على تحصيل قيمة مبيعاتها، الأمر الذي سيجعلها أمام مرحلة جديدة لن تنفع معها تبريرات المرحلة السابقة وشماعة الدعم وما نهب بسببها من أموال وهدر من إمكانيات.
فالمؤسسات والشركات العامة المعنية بملف الدعم ستكون بعد سريان البدل النقدي في مواجهة تحديات أساسية منها:
-مراجعة كلف الإنتاج لديها، وما يتطلبه ذلك من العمل على إعادة النظر بعملية احتساب الكلف لديها لتكون متوافقة مع الأصول المحاسبية المعتمدة مؤسساتياً، وتالياً ملاحقة وضبط جوانب الهدر والفساد، فمع مرور الوقت وزيادة معدلات التضخم فإن الكلف الحالية ستصبح أكثر وطأة على الخزينة العامة سواء بقي الدعم على حاله أو تحول إلى بدل نقدي، والكلف الحقيقية لن تظهر إلا إذا تم استبعاد كل النفقات غير الموضوعية أو تلك التي تتسبب بها الأوضاع العامة لإمكانيات وقدرات المؤسسة البشرية والتقنية والإدارية.
-طيلة العقود السابقة، كانت حجة المؤسسات العامة في خساراتها السنوية المتعاقبة هو في تحملها لفروق مالية كبيرة جراء اضطرارها بيع منتجاتها بأسعار أقل بكثير من كلف إنتاجها، لكن هذه المبررات ستختفي مع تمكن المؤسسات من بيع منتجاتها تدريجياً بأسعار الكلف، ولهذا فهي ستكون معنية بإطفاء خسائرها وتحويلها إلى أرباح مع مرور زمن ليس بالبعيد، لاسيما وأنها باتت قادرة على تحصيل قيمة مبيعات منتجاتها.
إذاً.. متى يمكن لخيار البدل النقدي أن يسهم في خفض كلفة الدعم وسد منافذ السرقة والفساد فيه؟
الأمر مرتبط بالخطوات والإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة على جبهتين، وبالتوازي مع تطبيقها لخيار البدل النقدي:
الجبهة الأولى على مستوى المؤسسات والشركات الحكومية: إذ إضافة إلى الخطوة الأهم والأساسية والمتعلقة بإعادة النظر بالطرق المتبعة في احتساب الكلف في المؤسسات والشركات المعنية، فإن الإسراع بإصدار قانون المشتريات الحكومية يمثل الخطوة الهامة الثانية، فالجزء الأكبر من الفساد والنهب في ملف الدعم يجري أثناء عملية توريد المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، وكشف ذلك لا يتطلب أكثر من إعمال الشفافية والإفصاح في المناقصات والعقود المنفذة أو المراد تنفيذها. ثم تأتي الخطوة الثالثة المتعلقة بمراجعة مراحل العملية الإنتاجية وضبطها لتخليصها من مظاهر الهدر والفساد. أما الخطوة الرابعة فهي في العمل على تأمين المادة بشكل أفضل من حيث الكمية والحصول عليها، وإلا فإن السوق السوداء ستبقى تستنزف الدعم أياً كان شكله وهيئته.
الجبهة الثانية هي على مستوى الفئات والشرائح المستحقة للدعم، والتي يتوجب تقييم مدى استحقاقها للدعم وفقاً لمعايير موضوعية تبنى على ما تحققه من دخل شهري ثابت، وليس بناء على ما تملكه كما تم في مشروع الاستبعاد الشهير. ودون شك فإن هذه عملية صعبة وشائكة ولا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها وإنما تحتاج لعدة سنوات، بالنظر إلى أن الأولوية القصوى تتمثل في إعادة بناء قاعدة بيانات موثق بها
هواجس التطبيق:
ثلاثة هواجس أساسية ترافق مشروع البدل النقدي للدعم يمكن اختصارها بما يلي:
– أثر ذلك على معدل التضخم جراء قيام الحكومة بتحويل مبالغ مالية كبيرة دفعة واحدة إلى حسابات المواطنين المستحقين للدعم، لكن في المقابل فإن بيع السلع والخدمات المدعومة بسعر الكلفة أو أقل سيتيح سحب مبالغ كبيرة من السوق على مدار العام. ونأمل أن يكون لدى الحكومة مقاربة ما تتيح لها ضبط معدل التضخم وفق هذه المعادلة.
– التخوف الشعبي من إمكانية أن تلغي الحكومة العمل بالبدل النقدي مستقبلاً تحت أي ذريعة، أو أن تبقى على قيمة البدل النقدي ثابتاً رغم ارتفاع معدلات التضخم، والسؤال ما هي الضمانات التي تحول دون تحقق تلك المخاوف، خاصة وأن الحكومة الحالية لديها سوابق كالمواد المقننة التي كانت تباع بسعر مدعوم عبر المؤسسة السورية للتجارة؟
– عدم قدرة المؤسسات المصرفية على تخديم أصحاب الحسابات المصرفية بشكل مناسب وبعيداً عن أي اختناقات وطوابير، لاسيما في ظل معاناتها جراء العقوبات وصعوبة حصولها على التقانات المصرفية اللازمة.
ونحن نعلم أنه في نهاية كل شهر أو أياً كانت المدة الزمنية المحددة لصرف تعويضات البدل النقدي، فإننا سنجد أن جميع الأسر سترغب بصرف مستحقاتها في اليوم الأول، في حين أن المعاناة الأكبر ستكون في الريف حيث لا مؤسسات المصرفية ولا صرافات آلية. فما هي خيارات الحكومة للتعامل مع هذه الهواجس؟
أثر
إضافة تعليق جديد