دول الجوار السوري: مستوى التأثُّر والتأثير في الأحداث القائمة

الجمل: بدأت العديد من التساؤلات تطرح نفسها من جديد، مرة أخرى حول موقف دول الجوار الإقليمي السوري إزاء تطورات الحدث الاحتجاجي السوري، وبالذات إزاء المسار الإقليمي العربي الجديد الذي بدأ يتشكل على خلفية توجهات الجامعة العربية ومحاولات خصوم دمشق استخدامها كبوابة جديدة لتدويل الحدث السوري، بعد أن فشلت محاولات أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة تدويله خلال الأشهر الماضية: فما هي طبيعة ردود فعل الجوار الإقليمي السوري إزاء المعطيات الداخلية والخارجية المتعلقة بالحدث الاحتجاجي السوري بعد مرور ثمانية أشهر وبضعة أيام على اندلاع شرارته الأولى؟

* المعطيات الجديدة في بيئة الحدث السوري: الإدراك الخارجي المتحول
تحدثت التقارير كثيراً عن فعاليات تدويل الحدث السوري، وبرغم مرور بضعة أشهر على انطلاق هذه الفعاليات، فإن جميع الجهود الماضية لم تكلل بالنجاح، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    آليات مجلس الأمن الدولي: سعت واشنطن وحلفاءها لجهة استخدام مجلس الأمن الدولي، بما يتيح لخصوم دمشق الدوليين تكرار سيناريو التدخل الدولي في ليبيا مرة أخرى في سوريا، ولكن محور موسكو ـ بكين، أصبح واعياً بطبيعة النوايا الأمريكية ـ البريطانية ـ الفرنسية، وبالفعل فشلت محاولة تمرير مشروع القرار الدولي الأول، ومرة أخرى فشلت محاولة تمرير مشروع القرار الدولي الثاني الذي سعى خصوم دمشق الدوليين لجهة تمريره باعتباره يجد مساندة الاتحاد الأوروبي.
•    آليات جامعة الدول العربية: سعى محور الرياض ـ الدوحة، لجهة العمل بالوكالة عن أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، عن طريق تنشيط فعاليات تكتل معادي لدمشق داخل الجامعة العربية، بما يؤدي إلى توظيف فعاليات العمل الإقليمي العربي وصولاً إلى تصعيد التوترات الإقليمية العربية ـ الشرق أوسطية، بما يتيح الوصول إلى مجلس الأمن الدولي عبر نافذة الجامعة العربية. وبرغم أن محور الرياض ـ الدوحة قد سعى إلى تجاوز الثوابت المنصوص عليها في مواثيق العمل العربي المشترك، فإن كل ما تم التوصل إليه حالياً هو "تعليق" عضوية سوريا، وبكلمات أخرى لم يتم حتى الآن الوصول إلى مستوى "تجميد" عضوية سوريا بما يفسح المجال أمام إدخال ما يعرف بـ"المجلس الوطني السوري" المعارض كممثل لسوريا في الجامعة.
•    آليات دول الجوار الإقليمي: ترتبط سوريا بجوار إقليمي مع ستة كيانات (لبنان ـ الأردن ـ العراق ـ تركيا ـ إسرائيل إضافة إلى الأراضي الفلسطينية التي تشكل كيان شبه دولاتي). وعلى أساس اعتبارات التطورات الجارية فإن تركيا تشكل التيار المرتفع الشدة في العداء ضد دمشق، والأردن والسلطة الفلسطينية تمثلان الكيانات المنخفضة الشدة في العداء ضد دمشق، مع وجود مؤشرات إلى تحولهما باتجاه العداء المرتفع الشدة خلال الأسابيع القادمة، ولبنان والعراق تمثلان الكيانات الأكثر اعتدالاً لجهة التعامل الواقعي النزيه مع الحدث السوري، وما هو لافت للنظر أن إسرائيل، وإن كانت تمثل العدو الرئيسي الذي ظل يقف وراء كل الاستهدافات المعادية لدمشق، فإنه على الأقل أصبحت أكثر اهتماماً بعدم الظهور إعلامياً بمظهر الذي يروج الأكاذيب ويسوق الكراهية ضد دمشق، طالما أن بعض الأطراف العربية أصبحت تقوم بهذا الدور.
على أساس اعتبارات سيناريو الضغوط الإقليمية الجارية حالياً ضد سوريا في منطقة الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن يسعى محور الرياض ـ الدوحة لجهة الاندماج الكامل ضمن محور أطراف مثلث واشنطن ـ لندن ـ باريس، بما يؤدي إلى إدماج المسارين ضمن مسار واحد يستهدف دمشق، وهو المسار الذي يسعى رموزه الخمسة لجهة البحث عن طريق لتحييد محور موسكو ـ بكين داخل مجلس الأمن الدولي.

* دول الجوار الإقليمي السوري: ماذا يطرح مطبخ معهد السلام الأمريكي
تطرقنا من قبل إلى العديد من وجهات النظر المطروحة بواسطة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المرتبط بجماعات اللوبي الإسرائيلي، وأيضاً تطرقنا للعديد من وجهات نظر خبراء مركز العلاقات الخارجية الأمريكي المرتبط باليهود الأمريكيين ذوي التوجهات الليكودية، والآن، نستعرض وجهات نظر خبراء معهد السلام الأمريكي المرتبط بتيار اللوبي الإسرائيلي الناشط داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي المسيطر على الإدارة الأمريكية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    مقاربة الموقف الأردني: وجهة نظر الخبير إدوارد دبليوم غنيهم
نشر معهد السلام الأمريكي ورقة بحثية أعدها الخبير إدوارد دبليو غنيهم، حملت عنوان (الأردن والاضطراب الجاري حالياً في سوريا)، وأشار فيها إلى النقاط الآتية:
ـ تدرك السلطات الملكية الأردنية جيداً مخاطر تأثير الاضطرابات السورية على استقرار الأردن، وبالتالي فإن لعمّان مخاوف متزايدة إزاء احتمالات انتقال العدوى إلى الأردن.
ـ ردود الأفعال الأردنية ظلت على المستوى المعلن تتفادى الدخول في أي عداوات مع دمشق، وعلى المستوى غير المعلن، تنخرط عمان في كافة فعاليات استهداف دمشق.
ـ يوجد توتر أردني ملكي حقيقي إزاء احتمالات أن تؤدي التصعيدات في سوريا إلى تقويض استقرار الأردن، وأيضاً مخاوف إزاء احتمالات قيام دمشق بالانخراط في فعاليات استهداف عمّان. خاصة وأن دمشق، وإن كانت لم تتورط في ذلك، فإنها قادرة تماماً على زعزعة استقرار النظام الملكي الأردني.
ـ تواجه السلطات الملكية الأردنية مشكلة حقيقية، فهي مواجهة بضغوط داخلية مكثفة بواسطة فعاليات الاحتجاجات الأردنية، ومواجهة أيضاً بضغوط خارجية إقليمية ودولية من أجل الانخراط في معاداة دمشق.
هذا، وتخلص ورقة الخبير إدوارد دبليوم غنيهم إلى أن عمّان سوف تسعى خلال الفترة المقبلة لجهة اعتماد مسار سياسة خارجية تجميع بين محاولة تهدئة الوضع الداخلي الأردني. وإرضاء طموحات حلفائها الخارجيين وذلك تفادياً لتدهور الوضع السياسي الداخلي الأردني، وتفادياً لإغضاب حلفاء عمّان الخارجيين وبالذات محور الرياض ـ ادلوحة، ومحور أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن.
•    مقاربة الموقف العراقي: وجهة نظر الخبير سيان كاني
نشر معهد السلام الأمريكي ورقة بحثية أعدها الحبير سيان كاني، حملت عنوان (دعم بغداد الحذر للوضع السوري القائم)، وأشار فيها إلى النقاط الآتية:
ـ رد الفعل العراقي إزاء الحدث السوري، استند على إدراك الحكومة العراقية الحالية بمخاطر تداعيات تصاعد الاضطرابات السورية على الأوضاع السياسية العراقية الداخلية.
ـ تستطيع بغداد الإسهام في السيطرة على التوترات السورية الداخلية، وحالياً تسعى بغداد لجهة تقديم دعم محدود لدمشق.
ـ النظام السياسي العراقي الحالي يتميز بالهشاشة وعدم التماسك إزاء تطورات الملف السوري، وبالتالي من غير المتوقع أن تصل بغداد إلى اعتماد موقف حاسم إزاء دمشق، وذلك بفعل اختلاف توجهات المثلث المسيطر على السياسة العراقية: القوى الشيعية ـ القوى السنية ـ القوى الكردية.
هذا، وخلصت مقاربة الخبير سيان كاني، إلى أن دمشق تتمتع بالدعم والمساندة القوية بواسطة أغلبية شرائح الرأي العام العراقي، وبالتالي سوف تظل الحكومة العراقية أكثر تأرجحاً بين خيارات المفاضلة بين دعم دمشق، ودعم خصوم دمشق الدوليين والإقليميين.
•    مقاربة الموقف اللبناني: وجهة نظر الخبيرة منى يعقوبيان
نشر معهد السلام الأمريكي، ورقة بحثية أعدتها الخبيرة منى يعقوبيان، والتي اشتهرت خلال دراساتها وأوراقها البحثية السابقة، بالوقوف إلى جانب مواقف إدارة بوش الجمهورية، ومواقف قوى 14 آذار اللبنانية، وعلى خلفية ذلك، فقد أشارت ورقتها البحثية إلى تأثيرات الحدث السوري على لبنان، وفقاً للنقاط الآتية:
ـ يوجد انقسام لبناني داخلي على أساس وجود كتلة لبنانية تقف إلى جانب دمشق وتقودها قوى المقاومة الوطنية اللبنانية، وكتلة لبنانية تقف إلى جانب خصوم دمشق، وتقودها قوى 14 آذار اللبنانية الموالية لأطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن.
ـ تتفاوت إدراكات القوى السياسية اللبنانية المنقسمة إزاء الحدث السوري، فخصوم دمشق ينظرون إلى انهيار دمشق باعتباره يشكل فرصة لهم من أجل إضعاف خصومهم اللبنانيين (معسكر المقاومة) بما يفسح أمام رموز قوى 14 آذار العودة للسلطة مرة أخرى، وحلفاء دمشق اللبنانيين ينظرون إلى استهداف دمشق باعتباره استهداف لوجودهم، طالما أن تيار المقاومة لن يكون موجوداً عملياً في حالة انهيار دمشق.
ـ قدرة لبنان لجهة السيطرة على فعاليات الحدث السوري هي قدرة محدودة.
هذا، وخلصت ورقة الخبيرة منى يعقوبيان إلى أن مفاعيل الحدث السوري الداخلية، هي التي سوف تملي الوضع الحقيقي الذي سوف يعزز النتائج الحقيقية، وبالتالي لن يكون للقوى السياسية اللبنانية سوى تأثير محدود في الوقت الراهن.
•    مقاربة الموقف التركي: وجهة نظر الخبير إيفال شلايفر
نشر معهد السلام الأمريكي ورقة بحثية أعدها الخبير إيفال شلايفر، حملت عنوان: (من الترغيب إلى الإقصاء: مصالح تركيا إزاء الحدث السوري)، وأشارت الورقة إلى النقاط الآتية:
ـ تطورت العلاقات التركية ـ السورية خلال السنوات الماضية من العداء والخصام إلى التوافق والتعاون.
ـ قبل اندلاع فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، نظرت تركيا إلى دمشق باعتبارها حجر الزاوية لجهة دعم خطط وطموحات أنقرا باتجاه التحول إلى قوة إقليمية شرق أوسطية مهيمنة.
ـ سعت أنقرا إلى الاهتمام  بتطورات فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، والسعي لاعتمادها كعامل قوة مضاف لصالح النفوذ التركي في المنطقة.
ـ موقف أنقرا الأخير الداعم لخصوم دمشق الداخليين أدى إلى حدوث القطيعة بين أنقرا ودمشق، وبرغم ذلك، فإن أنقرا ليست لها سوى قدرة محدودة لجهة الانخراط في مخططات استهداف دمشق.
هذا، وخلصت الورقة إلى أنقرا وإن كانت تنخرط في فعاليات العداء لدمشق، فإن تركيا ما تزال أكثر حذراً وانتباهاً لاحتمالات فشل الفعاليات الاحتجاجية السورية، وبالتالي، فعلى الأغلب أن تسعى أنقرا لجهة القيام بدور "المتفرج" الذي يسعى إلى الكيل بمكيالين، بحيث يسعى إلى الإعلان عن رغبته في تحقيق الاستقرار، وفي نفس الوقت ينخرط سراً لجهة دعم خصوم دمشق الداخليين المتحالفين معه.

على أساس اعتبارات تطورات الأحداث والوقائع الجارية حالياً في فعاليات الحدث السوري، يمكن الإشارة بكل وضوح إلى الحقيقة القائلة بأن "بؤرة الأزمة" لم تعد موجودة في داخل سوريا، وإنما أصبحت موجودة في خارج سوريا، وبكلمات أخرى، لقد انقضت ثمانية أشهر وبضعة أيام على اندلاع شرارة هذه الاحتجاجات، وبرغم ذلك، فإن هذه الاحتجاجات ما زالت محدودة، وعلى وشك أن تفقد طاقة الزخم الداخلي وفقط تبقى الزخم الخارجي الذي أصبح أكثر سعياً لجهة إعطاء الاحتجاجات الداخلية طاقة زخم جديدة عن طريق التصريحات والتهديدات والسعي لتوظيف آليات القرارات الدولية والإقليمية، وجميع هذه الفعاليات يمكن أن تنتهي دفعة واحدة، إذا قرر الفرقاء السوريون الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني الجاد.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة