السورية من طائرتين مروحتين في الأربعينات إلى19في التسعينات و3حالياً
في خريف العام 1946 وبعد أشهر قليلة عى الاستقلال كانت طائرتان مروحيتان من طراز سيسنا مستير تعلنان تأسيس شركة الخطوط الجوية السورية عبر رحلات داخلية بين دمشق و حلب ودير الزور ثم القامشلي، ولم تخرج رحلات هذه الشركة عن النطاق المحلي إلا بعد عدة سنوات عندما رفدت الشركة بثلاث طائرات من طراز داكوتا دي سي3 في العام 1952 وبأربع طائرات من طراز داكوتا دي سي4 وذلك بعد نحو عامين فقط، وبأربع طائرات طراز دي سي6 في العام 1957، لتنطلق بذلك رحلات "السورية" نحو كل من بيروت ، بغداد ، عمان، القدس ، القاهرة، الكويت، والدوحة.. هذا إضافة إلى الرحلات الموسمية في مواسم الحج...
وفي الستينات فتح المجال الدولي أمام الرحلات السورية ، ففي العام 1963 - 1964 وبعد أن رفد أسطول السورية بطائرتين من طراز سوبر كارافيل نفاثة تم التوسع في الخطوط العربية والدولية باتجاه الغرب: أثينا ، ميونخ، روما ، براغ، باريس ، لندن ونيقوسيا.. وباتجاه الشرق: الظهران، الشارقة، دبي، كراتشي، دلهي، طهران، وليتم في هذه المرحلة تنسيق الطائرات القديمة داكوتا دي سي3 و دي سي4.
في عقد السبعينات كانت السورية على موعد مع فترة الازدهار هي الأولى في حياتها من حيث التسلسل الزمني والثانية لجهة حجم هذا الازدهار، ففي العام 1971 رفد أسطول المؤسسة بطائرتين من طراز سوبر كارافيل وتم التوسع في الخطوط والرحلات باتجاه جدة، أبوظبي، بنغازي ، بودابست، وموسكو ودخلت خطوط جديدة في الخدمة عام 1974 عندما أصبحت طائرات السورية تحط في صوفيا، كوبنهاجن، طرابلس، تونس، الجزائر، الدار البيضاء، وصنعاء.
على أن مرحلة الازدهار المؤسسة ونمو عدد المحطاتن والمدن والعواصم التي تغطيها شبكة المؤسسة بدأت في عام 1976 ، عندما تم رفد المؤسسة بثلاث طائرات بوينج 727 ، إضافة إلى تبرع دولة الإمارات العربية المتحدة بطائرتين من طراز بوينج 747 ، هدية من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، رحمه الله، عندئذ أصبح أسطول المؤسسة يضم تسع طائرات، خمس منها من النوع الحديث وأربع من طراز سوبر كارافيل، كانت تغطي رحلات short flights إلى استانبول - لارنكا- القاهرة - عمان.
وبوجود الطرازات الحديثة "آنذاك" بدت الحاجة ملحة لافتتاح خطوط جديدة وتوسيع قاعدة محطات المؤسسة، فجرى تنظيم التشغيل إلى عدد كبير من المحطات الأوروبية والإفريقية وبعض دول جنوب شرق آسيا.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي وبعد خروج طائرات الـ "سوبركارافيل" من الخدمة ، تم رفد أسطول المؤسسة بثلاث طائرات روسية الصنع من طراز TU 154 بسعة مقعدية متوسطة، لتزداد بذلك رحلات السورية وتفتتح خطوط جديدة إلى كل من فرنكفورت والرياض.
العصر الذهبي:
مع بداية عقد التسعينات ، الذي شكل في نهايته تقريباً مرحلة الازدهار الثانية زمنياً والأولى من حيث الأهمية، تم تزويد المؤسسة بثلاث طائرات من طراز بوينج 727 بعمر متوسط وكانت إهداء من الكويت وذلك بعد حرب الخليج.
وفي أواخر هذا العقد تم رفد الأسطول بست طائرات جديدة من طراز إيرباص 320 ليصبح أسطول المؤسسة يضم 17 طائرة، وكان ذلك هو العصر الذهبي للمؤسسة.
وفي بداية القرن الحالي ورغم تسيير رحلات جديدة إلى كل من بروكسل ، فيينا، برشلونة، ومانشتسر وإعادة افتتاح خط كوبنهاغن، إلا أن ذلك لم يكن ليوقف تدهور وضع مؤسسة الطيران العربية السورية، نتيجة خروج عدد من الطائرات خارج الخدمة تباعاً، وصدور قانون في الولايات المتحدة الأمريكية يمنع تصدير الطائرات السورية "وسلع أخرى كثيرة" وحتى قطع التبديل الضرورية لإعادة تشغيل بعض الطائرات، وهكذا فشلت الحكومة في التعاقد على شراء طائرات من الإيرباص الأوربية أو البوينغ الأمريكية، وترددها في التعاقد مع شركات روسية لتصنيع الطائرات.
وتبعاً للتسلسل الزمني للتطورات التي مرت على مؤسسة الطيران فكانت كالتالي: في عام 2003 تم إيقاف طائراتTU 154 لإنتهاء عمرها الافتراضي ، وفي عام 2006 أوقفت طائرات بوينج 727 عن الخدمة ، وفي أوائل 2007 أوقفت طائرتا بوينج 747 عن الخدمة، مما أدى إلى انخفاض أسطول المؤسسة إلى ست طائرات إيرباص فقط، ولم تتمكن المؤسسة من رفد أسطولها بأي طائرة جديدة بسبب الحظر الأمريكي المفروض على سورية بما في ذلك القطع التبديلية.
تراجع المحطات:
على أهمية الحظر التكنولوجي الأمريكي وتأثيراته على وضع المؤسسة من مختلف الجوانب، إلا أن سوء التخطيط الذي كان يقوم على نظرة قريبة وضيقة سبب رئيس آخر لا يقل أهمية عن السابق، ففي السنوات التي كان يمكن فيها لسوريا التعاقد وشراء طائرات قبل صدور الحظر الأمريكي والتشدد فيه لم يكن ينظر إلى مسألة التعاقد ببعد استراتيجي وبمنظور اقتصادي شامل... كأن يتم التعاقد مع الإيرباص مثلاً على شراء طائرات تلبي احتياجات المؤسسة المستقبلية ، لا الآنية منها.
وكانت من نتائج خروج الطائرات من الخدمة تعليق التشغيل لبعض المحطات ، برشلونة، مانشستر ، دلهي، كراتشي، مومباي، الدار البيضاء... إضافة إلى تخفيض تواتر عدد الرحلات لبعض المحطات الأخرى.
ومع اقتصار أسطول المؤسسة على طائرات الإيرباص فقط، واجهت المؤسسة صعوبة من نوع آخر تتمثل باحتجاز محركات طائرات الإيرباص لدى الشركة المعمرة "لوفتهانزا تيكنيك" بسبب ضغط الحظ الأمريكي، مما أدى إلى توقف ثلاث طائرات الأمر الذي استدعى الضرورة لاستئجار طائرتين من المملكة الأردنية، لمواجهة متطلبات شبكة التشغيل.
كان من الطبيعي ، انخفاض عدد المحطات الخارجية والمدن التي كانت تطير إليها طائرات السورية ، إذ إنه حالياً تقوم المؤسسة بالتشغيل إلى المحطات التي تصل إليها خطوطها العاملة وعددها 30 محطة ، بعد أن كانت تغطي 44 محطة.
السنياريوهات:
أما بالنسبة للسيناريوهات المتاحة في المستقبل فإن لدى المؤسسة حالياً وتبعاً لما أكدته للمحرر عدة خيارات هي :
- شراء طائرات من الإيرباص أو من البوينج ، في حال الحصول على شهادات تصدير من الحكومة الأمريكية وإزالة الحظر.
- استئجار طائرات روسية بقصد الشراء وهذا ما تعمل عليه المؤسسة بموجب مذكرات تفاهم مع الجانب الروسي.
- تعمير طائرتي الجامبو "بوينج 747" .
- شراء طائرات ذوات سعة صغيرة "50 - 75" راكباً ، كون بعض الأنواع لا يتطلب شراؤها الحصول على شهادات تصدير من الحكومة الأمريكية لأن المكونات الأمريكية الداخلة في تصنيعها أقل من 10%.
ومقابل هذا الواقع ثمة تساؤلات عن استمرار المؤسسة في الاحتفاظ بجيش هائل من الموظفين، وهنا ثمة إجابتان : الأولى تبرر العدد الإجمالي الذي يفوق 5 آلاف موظف بالسياسة الاجتماعية التي اتبعتها الدولة خلال السنوات السابقة، والإجابة الثانية تتعلق بالكادر الفني والمهني وهنا تؤكد إنها بحاجة دائماً لرفد كادرها من الأيدي العاملة الفتية ذات الخبرات الجيدة في العمل بشكل مستمر كي نتمكن من تلبية خدمات المسافرين بمطارات القطر، وذلك لعدة أسباب أهمها:
- انتهاء خدمة بعض العاملين من ذوي الخبرة الطويلة في مجالات عمل المؤسسة الاختصاصية ، لدى بلوغهم السن القانونية.
- تحول عدد لا بأس به من العاملين الميدانيين ، إلى العمل الإداري بسبب مرضي .
- زيادة عدد الشركات الهابطة في المطارات العاملة ، والتي يزيد عددها يوماً بعد يوم، وزيادة عدد الرحلات لبعض الشركات ، أي أن المؤسسة تخدم يومياً ما يزيد على مئة رحلة.
من الداخل :
في مقابل الضغوط التي تتعرض لها المؤسسة بفعل العوامل الخارجية، ثمة تحديات داخلية كبيرة تواجه عملية تحديث المؤسسة وتطوير عملها لاسيما في ظل المنافسة الإقليمية والدولية لها في عقر دارها، فالعدد الكبير للموظفين وطبيعة عمل المؤسسة والمزايا الممنوحة لبعض المهام فيها أوجد وعبر سنوات طويلة جواً من الفساد والمحسوبيات والعلاقات الشخصية، وهي تحتاج اليوم إلى إجراءات صارمة من خلال وضع معايير واضحة ومؤهلات شفافة لشغل المناصب والمهام "المغرية" من جهة، وإعادة تحديث وتطوير أنظمة العمل في المؤسسة والتعامل مع العمالة الفائضة بطريقة اقتصادية تحفظ حقوق العمال وتقدم قيمة مضافة للمؤسسة، لكن ومادامت الضغوط الخارجية مستمرة ولم تخفف حدتها ولم تفتح باباً للأمل بعودة قوية للمؤسسة، فإن المباشرة بمعالجة التحديات والمشاكل سيظل يسير ببطء وبالتالي تتأخر نتائجة وتأثيراته.
زياد غصن
المصدر:جريدة الخبر
التعليقات
ستراتيجيا !!!
إضافة تعليق جديد