حرب القرم
حرب القرم هي حرب قامت في عهد السلطان العثمانيّ عبد المجيد الأول بين الإمبراطوريّة الروسيّـة والدولة العثمانيّة في 4 أكتوبر 1853م، واستمرّت حتّى عام 1856، ودخلت مصر، وتونس، وبريطانيا، وفرنسا الحرب إلى جانب الدولة العثمانيّة في 1854م، والتي كان قد أصابها الضعف، ثُمّ لحقتها مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا.
كانت الأماكن المُقدّسة بفلسطين محور اهتمام الدول العظمى، وكثر التنافس فيما بينهما لوضع اليد عليها وإدارتها، مِمّا جعل الضغوط كبيرة على الدولة العثمانيّة، والتي قامت بسبب تلك الضغوط بمنح امتيازات جديدة للكاثوليك، وبالتالي الخضوع للضغوط الفرنسيّة، وتسبب هذا الموقف في استياء روسيا، وكان بمثابة ذريعة لإعلان الحرب على الدولة العثمانيّة.
قامت روسيا بإرسال بعثة دبلوماسيّة للتفاوض مع السلطان العثماني في قضيّة الأماكن المقدسة للحصول على امتيازات للأرثوذوكس في الدولة، وتنحية الرهبان الكاثوليك، وتولّي الرهبان الأرثوذوكس بدلاً منهم، بحيث تصبح الكلمة العليا للأرثوذوكس في الأماكن المقدسة بفلسطين ..
إضافة إلى هذا، طلبت البعثة الروسيّة تنحية فؤاد أفندي وزير الخارجية العثمانيّ من منصبه، بسبب علاقاته مع دول الغرب، وشعرت بريطانيا وفرنسا بأن تجاوب العثمانيّين مع مطالب الروس معناه زيادة النفوذ الروسيّ بالمنطقة، فقامت بريطانيا من جانبها باستدعاء أبرز دبلوماسييها، وهو السير ستراتفورد للتباحث في شأن إحباط تلك المساعي والأطماع الروسيّة في المنطقة، أمّا فرنسا، فقامت من جانبها بإرسال وحدات من أسطولها إلى المياه العثمـانيّة، وأصبح هدف الدولتين بريطانيا وفرنسا تحويل هذا الخلاف بين الروس والعثمانيين من مذهبي إلى سياسي، ودعا السفير البريطاني في الأستانة الدولة العثمـانيّة للوقـوف في وجه الأطماع الروسيّة والتصدي لها، مؤكّداً وقوف بريطانيا وفرنسا إلى جانب الأستانة في التصدي لتلك الأطماع، وبالفعل نجحت الدبلوماسيّة البريطانيّة في إقناع السلطان العثمانيّ برفض المطالب الروسيّـة، الأمر الذي أدّى الى إثارة غـضب الروس، وتمّ قطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين استعداداً للحرب.
بدأت الحرب العثمانية-الروسية في 3 يوليو 1853م، وكان مسرحها الأول في أوروبا بمنطقة البلقان، حيث قام حوالي 35 ألف جندي روسيّ باحتلال رومانيا، والتي كانـت تابعة آنذاك للدولة العثمانيّة، وأبلغت روسيا دول أوروبا، بأنّها لن تدخل في حرب شاملة ضد الدولة العثمانية، وأن مافعلته إجراء وقائي لحين اعتراف العثمانيون بحقوق الأرثوذكس في كنيسة القيامة بالقدس، وأنها سوف تنسحب فور هذا الاعتراف.
قام العثمانيّون والروس بحشد قوّات ضخمة على جبهات القتال، وعلى جبهتيّ الدانوب والقوقاز، واستطاع القائد العثماني عمر باشا أن يلحق هزيمة كبيرة بالروس على نهر الدانوب، وأن يدخل رومانيا، وفي جبهة القوقاز ساند الزعيم الشيشانيّ الإمام شامل القوّات العثمانيّة أثناء القتال ضد الروس.
أرادت الدولة العثمانية أن تدفع بريطانيا وفرنسا إلى دخول الحرب إلى جوارها، حيث دبّرت إرسال مجموعة من قطع الأسطول البحري العثماني القديمة إلى ميناء سينوب على البحر الأسود، وهي تدرك أن هذه السفن لا بد أن يهاجمهما الروس، وبالفعل هاجم الروس هذه السفن، وقاموا بإغراقها جميعاً، وتمكّنت روسيا من تدمـير الأسطول العثماني في واقعة سينوب عام 1853م، وقتل حوالي ألفيّ جندي عثماني، وأثارت هذه المعركة قلقاً في الأوساط في لندن وباريس، وحذّرت الصحافة العاصمتين من الخطر الروسيّ.
عرض الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العُثمانيّين وروسيا، إلّا أنّ القيصر الروسيّ رفض ذلك، خاصّة بعد انتصارات عمر باشا في رومانيا، فبادر نابليون الثالث بالاتفاق مع بريطانيا ضد القيصر، وقبلت لندن العرض الفرنسيّ بحماسة شديدة، وغادر سفيرا لندن وباريس مدينة سانت بطرسبرغ الروسيّة في 6 فبراير 1854م، وتمّ عقد معاهدة إستانبول في 12 مارس 1854م بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، ونصّت على ألا تعقد أي دولة من هذه الدول صُلحاً منفرداً مع روسيا، وأن يتفاهم قواد الدول الثلاث في الحرب ضد روسيا، وأن تكون الوحدات الإنجليزيّة والفرنسيّة والسُفن التابعة لهما في إستانبول خاضعة للقوانين العثمانية.
أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في 27 مارس 1854م، ونشبت معارك ضخمة في عدة جبهات أثناء حرب القرم، إلا أنّ أهم هذه المعارك كانت معركة سيفاستوبول التي خاضتها الدول الثلاث للقضاء على القوّة البحريّة الروسيّة في البحر الأسود، حيث كانت القاعدة البحريْة لروسيا في شبه جزيرة القرم (حالياً في أوكرانيا).
استمرّت المعركة قرابة العام، قُتل خلالها حوالي 35 ألف وعدد من القادة الكبار من كلا الجانبين، حتى انتهى الأمر بسيطرة الدول الثلاث على الميناء في 9 مايو 1855م، وفي هذه الأثناء توفي القيصر الروسي نيكولاي الأول وخلفه في الحكم ابنه ألكسندر الثاني، والذي شعر بعدم قدرة بلاده على مواصلة الحرب، فقرر التفاوض للسلام، خاصّة بعد المذكرة التي تقدمت بها النمسا إلى روسيا وحذّرتها فيها من أن دولاً أوروبيّة أخرى قد تدخل الحرب ضدها.
استمرت الحرب أكثر من عامين ونصف، حاربت فيها الدولة العثمانية منفردة في السنة الأولى منها، وتميّزت هذه الحرب بمتابعة الصحافة لها،زمن خلال إرسال مراسلين عسكريّين على جبهات القتال.
إضافة تعليق جديد