سوريه: البحث عن طريق نحو السلام
الجمل- ترجمة رندة القاسم: في الواحد و العشرين من آذار 2012 وافق مجلس الأمن بالإجماع على بيان متعلق بتسهيل حل الأزمة السورية. و يضم البيان ستة مقترحات تؤكد على وقف إطلاق النيران من الجانبين، و انسحاب الجيش السوري من أماكن سكنية، و استمرار بعثة الأمم المتحدة لأجل الوساطة برئاسة كوفي أنان، و بدء حوار سياسي بين الحكومة السورية و المعارضة. و قد وضع البيان من قبل روسيا و كوفي أنان و جامعة الدول العربية، و نال فيما بعد موافقة ممثلي الدول الأوربية الرائدة و أعضاء آخرين في مجلس الأمن.
و وافقت الحكومة السورية على تنفيذ بنود البيان، غير أن المعارضة ، الممثلة بالمجلس الوطني السوري، وصفت الأمر بالخدعة لأجل منح بشار الأسد المزيد من الوقت. و قامت مجموعات معارضة للحكومة بهجمات إرهابية، لممارسة الضغط على مهمة كوفي أنان في دمشق.
و تستمر الحرب الإعلامية ضد سوريه، إذ ذكرت كل من ال CNN و Euronews أن قوات الحكومة السورية، التي تضم وحدات جيش تستخدم المدفعية الثقيلة، قد هاجمت المعارضة تماما بعد تبني بيان مجلس الأمن مودية بحياة سبعين شخصا. و قيل بأن المصدر هو "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الخيالي و مقره لندن و الذي لا يملك موظفين أو مكتبا، و لم يتم أبدا التأكد يوما من معلوماته.
و لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية تقول ((Human Rights Watch)) بأن المعارضة السورية متورطة في " خطف و تعذيب رجال أمن و مدنيين و إجبارهم على الإدلاء بأقوال و قتلهم" . و هي الحقيقة التي أكدت عليها دمشق مرات عديدة عن طريق أدلة موثقة .
و كفرد من وفد صحفي، رأى كاتب هذه السطور صور الأجساد المشوهة لجنود سوريين، ماتوا نتيجة للتعذيب على يد ميليشيات مناهضة للحكومة تضم في صفوفها مقاتلين من القاعدة. و المجلس الوطني السوري في اسطنبول، و بغض النظر عن عمله تحت غطاء الناتو، لم يبدُ و لا حتى ما يشبه نظرة الحزن حيال ما يحدث بحيث يظهر ك " ممثل شرعي للشعب السوري".
في شباط 2012 تركت أكثر من عشرين شخصية هامة المجلس الوطني السوري و ألفوا هيئتهم الخاصة (مجموعة الوطنيين السوريين). و في آذار انضم إلى صفوفهم ثلاثة من زعماء المعارضة البارزين، قائلين بأنهم تركوا المجلس بسبب الخلافات المتعلقة بسياساته. و ما من شيء مفاجئ، فالمجلس الوطني السوري خليط من جماعات و شخصيات تتدرج من الديمقراطيين الليبراليين إلى الأخوان المسلمين و من الانفصاليين الأكراد إلى المسلمين المتطرفين و كلهم يسعون تجاه أهداف مختلفة و غالبا ضبابية.
الأخوان المسلمون "المعتدلون" و الإسلاميون الراديكاليون ، من تربطهم علاقة متوترة برئيس المجلس برهان غليون، هم أكثر العناصر تنظيما. و حقيقة أنهم نجحوا في إقناع عبدو حسام الدين، معاون وزير النفط و الثروة المعدنية السوري، و بعض القادة العسكريين رفيعي المستوى (تقول المصادر الرسمية السورية أن عددهم اثنين و يقول المجلس الوطني السوري أنهم عشرون) بالانضمام إلى صفوفهم يمكن أن يعتبر نجاحا نسبيا للمجلس.
و فورا طالب المنشق حسام الدين بمنصب عال ضمن بنية المجلس و تحدى قيادته. كما اندلع خلاف آخر حول قيادة الجيش الحر بين العميد مصطفى أحمد الشيخ، الذي فر إلى تركيا، والعقيد رياض الأسعد، الذي سبقه بالانضمام إلى صفوف المجلس.
و مع تنظيف حمص و ادلب من المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة، قام الجيش السوري فعليا بالتخلص من جيوب المقاومة المنظمة. ومع ذلك لا تزال الأعمال الإرهابية مستمرة(تفجير سيارات مفخخة). و لازال المقاتلون الإرهابيون يعبرون الحدود السورية، و يحصلون على المال و السلاح من دول مجاورة.
قال علي هاشم،الصحفي الذي عمل في الجزيرة ثم قام بقطع علاقته معها، بأن الميليشيات بدأت التغلغل إلى سورية ، وخاصة من لبنان، في الأيام الأولى للاضطراب في درعا في آذار 2011، و قبل وقت طويل من بدء الحكومة بالرد. و في مقابلة مع Euronews، قال الصحفي بأنه رأى بنفسه عشرات المقاتلين يعبرون بشكل غير شرعي الحدود السورية مع لبنان في الشهر الثالث من العام الماضي.
و الآن تجري إصلاحات اجتماعية و اقتصادية و سياسية في سورية. و وفقا لقانون جديد تم تشكيل أحزاب سياسية. و خلال إقامتنا في سوريه في كانون الثاني 2012 التقينا بممثلين عن بعض منها. كانوا ليبراليين و يساريين يعتبرون أنفسهم معارضة وطنية. و بعكس المعارضة التي اتخذت اسطنبول قاعدة لها، فإنهم مستعدون لحوار بناء مع السلطات و لديهم بعض المقترحات.
و في السادس و العشرين من شباط جرى استفتاء على الدستور الجديد و وافق عليه 89,4% من الناخبين. و لم يذكر الدستور الجديد شيئا عن الدور القائد لحزب البعث و ضم كل عناصر بناء دولة ديمقراطية. و حدد موعد الانتخابات البرلمانية في أيار 2012. و يمكن لكل الأحزاب السياسية الجديدة المسجلة الانضمام للسباق بما فيها المعارضة بالخارج، رغم أنها رفضت المشاركة. و يجب توضيح أن القيادة السورية الحالية تتمتع بدعم أغلبية الشعب (يمكننا أن نشهد في سورية المسيرات المؤيدة لبشار الأسد و التي تضم عشرات الآلاف).
اتفقت كل من روسيا و الصين و دول غربية رائدة والجامعة العربية على دعم بيان مجلس الأمن حول سوريه. و هذا الموقف المشترك يمنح بعض الأمل بحل سلمي للأزمة في سوريه. و لكن من جهة أخرى لا يترك واقع الأمور مجالا للتفاؤل. إذ يسعى الموقعون على البيان نحو أهداف مختلفة إن لم نقل متعاكسة تماما.
فأهداف الدبلوماسية الروسية و الصينية تتمثل بمنع التدخل الأجنبي العسكري، و إدارة الأزمة سياسيا عن طريق الحوار بين القيادة و المعارضة، و عدم المساس بسيادة و وحدة الأراضي السورية، و هذا يتوافق مع موقف إيران، لبنان، و إلى حد ما العرق، الجزائر، و بعض من الحلقات السياسية و الاجتماعية في الأردن.
أما أهداف الأعضاء القادة في الناتو و إسرائيل فهي إبعاد الرئيس بشار الأسد و تغيير وجه السياسة السورية. و هذه هي الطريقة للتخلص من حليف لإيران و المقاومة الفلسطينية، ولخلق الظروف لأجل ضربة عسكرية ضد الأولى. و قد تحدث القادة الإسرائيليون عن إمكانية شن هكذا هجوم الشهر القادم. و بنفس الوقت هذه طريقة لإضعاف تأثير الشيعة في لبنان و العراق. ولهذا السبب باشر المقاتلون في ساحة الحرب الإعلامية في إقناع العالم أن توقيع روسيا على بيان مجلس الأمن المتعلق بسوريه هو إشارة إلى تغير موقف موسكو و ابتعادها عن حكومة بشار الأسد. و كما قال رئيس الخارجية الفرنسي: (إنها لا ترغب بأن تكون عرابها). و هذا ضغط مباشر على روسيا للتخلي عن سورية ليكون مصيرها مثل ليبيا.
و بناءا على الوضع الحالي، من الملائم أن تطلب موسكو توضيحا من الناتو حول نتائج التدخل العسكري في ليبيا، بينما تحافظ على نفس المستوى من العلاقات مع دمشق. فليبيا دولة انتقلت فيها السلطة إلى يد إسلاميين متطرفين، و ارتكب القتل و التعذيب (بحيث لم تعد Human Rights Watch قادرة على الاستمرار بالتزام الصمت)، بنيت معسكرات تدريب للقاعدة، وأضحت الدولة مصدرا لعدم الاستقرار الذي امتد إلى دول أخرى(يكفي النظر إلى أحداث مالي).
و ليس هذا كل شيء، فالكفاح المسلح مستمر في اليمن، البلد الواقع قريبا من مضيق هام استراتيجيا بين البحر الأحمر و المحيط الهندي. و قد تنحى رئيسها علي عبد الله صالح تحت ضغط التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة. غير أن رحيله لم يحل أبدا أية مشكلة و كل أجزاء البلد أصبحت تحت سيطرة القاعدة.
و إذا تركنا بشار الأسد يرحل ستصبح سورية بلا شك ليبيا الثانية. و الجولة التالية ستكون دول الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى. و ربما سبق هذه الجولة مرحلة تنفيذ خطة زعزعة استقرار إيران و بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
بقلم الصحفي الروسي بوريس دولغوف.
الجمل: قسم الترجمة
عن Strategic Culture Foundation
إضافة تعليق جديد