إشكالية الملف السوري في مجلس الأمن الدولي
الجمل: سعى خصوم دمشق مراراً وتكراراً خلال العشرة أشهر الماضية لجهة تدويل ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري عن طريق مجلس الأمن الدولي، والآن، وبرغم إخفاق المحاولات الماضية سعى هؤلاء الخصوم مجدداً إلى مجلس الأمن، وهذه المرة عبر نافذة جامعة الدول العربية، فما هي حسابات التحركات الجديدة، وما هو البديل الذي يحاول خبراء مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية الدفع باتجاهه إذا أخفقت هذه المحاولة؟
* مجلس الأمن الدولي: إشكالية الملف السوري
بدأت بعثة المراقبين العرب فعاليات عملها في سوريا، وأكملت شهراً كاملاً في عمليات الرصد والمراقبة، وتم تمديد فترة عملها لشهر إضافي، وذلك على أساس أن تكمل مهامها وترفع تقريرها النهائي لأمانة جامعة الدول العربية. وما كان مثيراً للاهتمام تمثل في قيام جامعة الدول العربية، وعلى عجل، وقبل أن تكمل بعثة المراقبين عملها وترفع تقريرها، بإصدار قرار إعلان مبادرة عربية جديدة، ثم رفعها فوراً إلى مجلس الأمن الدولي، وذلك قبل أن تكتمل المشاورات والتفاهمات بين الأطراف المعنية بالشأن السوري حول مدى جدوى هذه المبادرة ؟!
تقول المعلومات والتقارير بأن موسكو قد حددت بشكل قاطع موقفها لجهة وصف بنود المبادرة الجديدة، وذلك ضمن توصيفات تقول:
• إن المبادرة لا تنسجم مع المبادرة الروسية.
• إن المبادرة لا تصلح بشكلها الحالي لجهة حل أزمة الملف الاحتجاجي السوري.
• إن المبادرة تخاطب طرفاً واحداً هو سلطات دمشق، وليس المعارضة.
• إن المبادرة بشكلها الحالي يمكن أن يتم أخذها في الاعتبار لجهة المزيد من المناقشات والحوارات بما يتيح تعديلها وإعادة ضبط بنودها.
أضافت المعلومات والتقارير قائلة: بأن وضعية الإصطفاف والاستقطابات داخل مجلس الأمن الدولي سوف تظل كما هي: روسيا والصين تقفان ضد المبادرة العربية، وأمريكا وفرنسا وبريطانيا تقفان إلى جانب المبادرة، وبالنسبة لبقية الدول الأخرى غير الدائمة العضوية، فمواقفها: ألمانيا إلى جانب المبادرة، وبقية الدول الثمانية الأخرى لم تحدد موقفها بعد، وعلى الأغلب أن يتضح ذلك خلال المناقشات والتفاهمات الجارية حالياً، والتي بدأت منذ مساء أمس الأول الخميس 26 كانون الثاني (يناير) 2012.
* مخطط استهداف دمشق: ماذا بقي من بنك الأهداف؟
عندما اندلعت شرارة الحدث الاحتجاجي السياسي السوري ازدادت حيوية خصوم دمشق، وبدا واضحاً أن جعبتهم كانت مليئة بالسهام، وذلك على أساس اعتبارات أن مفاعيل دومينو الاحتجاجات السياسية العربية سوف تتيح وعلى وجه السرعة إنفاذ سيناريو انهيار دمشق، وفي هذا الخصوص يمكن استعراض الآتي:
• خيار فرض منطقة حظر الطيران: تم تحديد أربع مناطق مبدئياً لجهة فرض حظر الطيران ولكن هذا الخيار لم ينجح بسبب عدم قدرة المعارضة على السيطرة على أي واحدة من المناطق التي تم تحديدها.
• خيار المنطقة العازلة: تم تحديد منطقة شمال سوريا المتاخمة للحدود مع تركيا لجهة إقامة منطقة عازلة، ولكن هذا الخيار لم ينجح بسبب عدم قدرة المعارضة لجهة السيطرة عليها، إضافة إلى عدم وجود العدد الكافي من اللاجئين والنازحين الذي يوفر المبررات اللازمة إضافة إلى تردد تركيا.
• خيار الملاذات الآمنة: تم تحديد ثلاثة مناطق لجهة إقامة ملاذات آمنة للسكان المدنيين فيها، ولكن هذا الخيار لم ينجح أيضاً بسبب عدم قدرة المعارضة، إضافة إلى تردد دول الجوار الإقليمي، وعدم كفاية الأعداد المطلوبة من النازحين.
• خيارات الممرات الآمنة: تم تحديد أربعة مناطق لجهة إقامة ممرات آمنة لتوصيل المساعدات، ولكن هذا الخيار لم ينجح أيضاً لأنه يتطلب المزيد من التكاليف إضافة إلى إرسال القوات.
هذا، وإضافة لذلك، فقد ظلت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، إضافة إلى محور الرياض ـ الدوحة، إضافة إلى أنقرا، أكثر اهتماماً باستخدام:
ـ آلية العقوبات الاقتصادية لجهة رفع وتائر المعاناة والضغوط الاقتصادية.
ـ آلية العقوبات الدبلوماسة، لجهة القيام بإنفاذ مخطط عزل دمشق عن منظومة المعاملات والتفاعلات الدولية والإقليمية.
وبرغم زخم الضغوط الإعلامية والسياسية، فإن حجم الفعاليات الاحتجاجية السياسية السورية ظل محدوداً، مع ملاحظة وجود تصعيد رأسي لجهة التحول باتجاه التركيز على العمل المسلح كبديل للعمل السياسي، ومع ذلك، فإن التصعيد الأفقي الذي يؤدي إلى تزايد نطاق جغرافية الاحتجاجات لم يحقق النجاح المطلوب.
تشير المعطيات الجارية إلى أن بنك أهداف خصوم دمشق قد بدا بحلول مطلع هذا الشهر وهو في حالة استنفاد لمخزوناته، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• السيناريو المصري: لم يعد ممكناً بسبب عدم وجود الإجماع الداخلي المصري لدمشق، إضافة إلى حصول دمشق على المزيد من الدعم والسند الشعبي.
• السيناريو الليبي: لم يعد ممكناًَ، وذلك بسبب عدم قدرة المعارضة على احتلال أي منطقة والسيطرة عليها بحيث تصلح كقاعدة للانطلاق، على غرار ما حدث في منطقة بنغازي الليبية.
• السيناريو اليمني: لم يعد ممكناً، وبرغم أن محور الرياض ـ الدوحة قد سعى لتقديم مبادرة تسعى لإنفاذ سيناريو تغيير النظام بالوسائل السياسية على غرار ما حدث في اليمن، فإن العقبة الرئيسية تمثلت في أن المعارضة اليمنية ظلت موجودة وتمارس فعالياتها في الداخل بعكس المعارضة السورية التي ظلت منقسمة وتمارس فعالياتها من الخارج.
تقول المعلومات بأن مجلس الأمن الدولي سوف ينهمك خلال الأيام القادمة لجهة التفاهم حول ثلاثة معطيات، هي: ورقة مشروع القرار الفرنسي ـ البريطاني ـ ورقة المبادرة العربية ـ إضافة إلى ورقة المبادرة الروسية، وعلى الأغلب أن يصل المجلس إلى نقطة الانطلاق، أو أن يتم إقرار مشروع قرار ينسجم مع بنود ورقة المبادرة الروسية، وبكلمات أخرى فإن إقرار ورقة المبادرة العربية وورقة مشروع القرار الفرنسي ـ البريطاني هو غير ممكن وذلك بسبب معارضة روسيا والصين، وفي نفس الوقت نفسه فإن إقرار ورقة المبادرة الروسية هو أيضاً أمر غير ممكن، وذلك لأنها تؤكد حرفياً على ماسبق وظلت المعارضة السورية ترفضه، وظلت أيضاً أطراف خط الدوحة ـ الرياض ـ واشنطن ـ لندن ـ باريس أكثر رفضاً له.
وتأسيساً على ذلك، تقول المعلومات والتسريبات بأن مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية، تبذل قصارى جهدها لجهة إعداد مخطط لعملية تدخل دولية، تستند على مبررات المسؤولية عن حماية السكان المدنيين، وإذا كان وضع المخططات على الورق سهلاً، فإن من الصعوبة بمكان إنفاذها ميدانياً على الأرض، وذلك بسبب عدم القدرة على بناء إجماع دولي يضم الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أمريكا ـ فرنسا ـ بريطانيا ـ روسيا ـ الصين)، إضافة إلى عدم قابلية المسرح السوري لجهة الترحيب بأي عملية تدخل خارجي دولي..
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد