الإصلاحات السياسية السعودية بين الوهم والحقيقة

15-07-2010

الإصلاحات السياسية السعودية بين الوهم والحقيقة

الجمل: ارتفعت مجدداً العديد من الأصوات السعودية وغير السعودية المطالبة بإجراء الإصلاحات الشاملة في نظام المملكة السعودية, هذا وتشير المعطيات إلى أن قضية الإصلاحات سوف تظل لفترة طويلة قادمة مثاراً للخلافات السعودية- السعودية, وبين النخبة السعودية الحاكمة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين: ماهي حقيقة الإصلاحات السعودية, ومامدى مصداقية الشعارات الإصلاحية المرفوعة بواسطة الرياض, ومامدى قابلية السعودية لتقبل هذه الإصلاحات, وماهي تداعياتها خاصة وأن إجراء أي إصلاحات سوف لن يقتصر حصراً على السعودية, وإنما سوف يتردد صداه وتنتقل عدواه إلى بقية الدول الخليجية ذات الحساسية العالية للتأثر بما يدور في السعودية؟

- ملف الدولة السعودية: أبرز عوامل الضعف
تشير معطيات وحقائق الجغرافية السياسية والإقتصادية, إلى أن مساحة السعودية تبلغ 1,960,582 كلم مربع, بعدد سكان في حدود "31" نسمة, إضافة إلى وجود عمالة أجنبية وعربية في حدود "5" مليون شخص. هذا, ويبلغ المعدل اليومي لإنتاج النفط في حدود 11- 12 مليون برميل, الأمر الذي أدى إلى حصول الإقتصاد السعودي على تدفقات رأس مال أجنبي في حدود مليار إلى المليار والنصف دولار يومياً..
برغم كل هذه المزيا, فإن الدولة السعودية مازالت تعاني المزيد من عوامل الضعف, الأمر الذي ألحق ضرراً واضحاً بعملية بناء القدرات الوطنية السعودية, وعلى خلفية نقاط الضعف هذه, يدور الجدل حول كيفية التعامل معها بالشكل الذي يوفر الغطاء لنقاط الإنكشاف التي مازالت تعاني منها الدولة السعودية, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
      - الضعف السياسي الداخلي: حتى الآن لا يوجد نظام سياسي واضح لهياكل الدولة والحكم, وتوجد الكثير من الخلافات حول طبيعة العملية السياسية السعودية, وعلى وجه الخصوص في الجوانب المؤسسية المتعلقة بالسلطات الثلاثة: السلطة التشريعية- السلطة التنفيذية- السلطة القضائية.
       - الضعف السياسي الخارجي: تعتبر السعودية الدولة الرئيسية في وسط دول منظمة المؤتمر الإسلامي الباالغ عددها "56" دولة, إضافة إلى أنها مع كل من سوريا ومصر تُمثل العمود الرئيسي في منظمة الجامعة العربية التي تنطوي  تحتها "22" دولة. ولكن برغم ذلك, فقد أصبح ارتباط السياسة الخارجية السعودية مع السياسة الخارجية الأمريكية, أمر يثير الكثير من الشكوك إزاء مصداقية استقلالية قرارات السياسة الخارجية السعودية.
      - الصعف الإقتصادي: برغم العائدات النقدية الهائلة, فإن الإقتصاد السعودي هو اقتصاد ريعي بامتياز, لجهة الإعتماد على عائدات النفط كمورد وحيد رئيسي للدولة.. وبكلمات أخرى, فإن نقطة الضعف الرئيسية لا تتمثل في عدم القدرة على تنويع الأنشطة الإقتصادية، وإنما أيضاً في سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية الحصرية على عائدات النفط السعودي, بما أدى إلى جعل الدخل الوطني السعودي تحت قبضة وزارة الخزانة الأمريكية والبنك المركزي الأمريكي (بنك فيدرال ريزيرف).
      - الضعف الإجتماعي: يتميز القوام السكاني- الديمقراطي السعودي, بالمزيد من الإنغلاق القبلي- العشائري, إضافة إلى تدني مستويات التحضر وعلى وجه الخصوص في الجوانب المتعلقة بوضع المرأة, وإضافة لذلك تأتي سيطرة الجماعة الإرهابية الوهابية- السلفية على الحياة الإجتماعية السعودية.
      - الضعف التكنولوجي: تمثل المفارقة الكبيرة في أنه برغم وجود القدر الهائل من وسائط التكنولوجيا المتطورة, فإن استخدامات هذه الوسائط لا تنسجم مع معطيات قدراتها الحقيقية, وعلى سبيل المثال لا الحصر الأغلبية العظمى من مستخدمي الإنترنت يركزون على الجوانب المتعلقة بالترفيه والتسلية وليس للأغراض العلمية والمعرفية.
      - الضعف العسكري: برغم وجود الكم الهائل من الوسائط العسكرية المتطورة, فإن الجيش السعودي مازال ضعيفاً, غير قادر على مجابهة التحديات العسكرية الماثلة, وذلك: أولاً بدليل الإعتماد المتزايد على الوجود العسكري الأمريكي, و ثانياً بدليل عدم نجاح القوات العسكرية السعودية في حسم المواجهات العسكرية التي جرت مؤخراً في مواجهة المسلحين الحوثيين والذين لم يتجاوز عددهم بضع مئات من العناصر المسلحة بالبنادق والرشاشات الخفيفة.
القضاء على عوامل الضعف هذه يكون بطرح المزيد من التساؤلات ليس حول مدى مصداقية توجهات النخبة السعودية الحاكمة إزاء مصالحها، وحسب, وإنما أيضاً إزاء مجموعة التساؤلات, والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: هل تتمتع النخبة السعودية الحاكمة بالإدراك والمعرفة والإلمام بجوانب الضعف هذه؟ وهل لدى هذه النخبة الخطة اللازمة لمعالجة هذه الجوانب؟ وهل بالفعل تتوافر لهذه النخبة الرغبة بالإدارة الكاملة لجهة القيام بالإصلاحات اللازمة؟
- صراع الإصلاحيين والمحافظين: إشكالية فشل الطرفين المزدوج؟زعيم المعارضة السعودية سعد الفقيه
ظلت النخبة السياسية السعودية, تمثل حتى وقت قريب مجموعة من العناصر المحافظة, التي تتوافق جميعها وفقاً لمبدأ "السمع والطاعة" , القائم على "مبايعة" الملك, والإكتفاء بعد ذلك بجعل الأمور تمضي كما هي, ولكن وعلى خلفية التطورات الجارية داخل وخارج المملكة العربية السعودية, فقد ظهرت العديد من العناصر النخبوية التي سعت إلى رفع صوتها مطالبةً بضرورة الإصلاح باعتباره الوسيلة الوحيدة لبناء دولة "الحق والواجب" في المملكة, وعلى مايبدو, فقد كانت أبرز الأسباب التي أدت إلى إنشقاقات النخبة السياسية السعودية, متمثلة في الآتي:
    - تزايد أعداد أمراء العائلة المالكة, مع تزايد تباينات توجهاتهم, إضافة إلى تزايد تضاربات المصالح بين بعضهم البعض, حول كيفية التعامل مع ملف اقتسام السلطة والثروة..
    - تزايد أعداد المثقفين والمتعلمين بين صفوف عامة الشعب, الأمر الذي أدى إلى ظهور كم نخبوي جديد أصبح يطالب بضرورة إنفتاح المشاركة, وإعادة اقتسام السلطة والثروة وفقاً لصيغة جديدة.
    - تزايد تأثيرات الضغوط الخارجية, وعلى وجه الخصوص بواسطة الكيانات الدولية الرئيسية, مثل الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي, ومنظمات المجتمع الدولي, والتي ظلت جميعها تطالب وتضغط على الرياض من أجل القيام بالمزيد من الإصلاحات الرئيسية.
    - تزايد تأثيرات الأوضاع الإقليمية, وعلى وجه الخصوص: أزمة الملف النووي الإيراني, أزمة الصراع العربي-الإسرائيلي, أزمة حرب العراق, أزمة حرب أفغانستان, أزمة الصراع اليمني, أزمة الصراع الصومالي.
اتخذت أسباب انشقاقات النخب السياسية السعودية, طابعاً تميز بخصوصيته الشديدة, وذلك لجهة الآتي:
    - بروز عامل التدويل (internationalization), فالمعارضين السعوديين يحتمون بالغرب, وتحديداً بريطانيا وأمريكا وبقية بلدان الإتحاد الأوروبي, وهي ظاهرة تطرح في حد ذاتها طبيعة في غاية الغرابة: الأجانب القائمون بحماية النظام السعودي يقومون بحماية خصومه..
    - بروز عامل الأقلمة (regionalization), تزايد التأثير المتبادل بين الخلافات الإقليمية والخلافات السعودية- السعودية, فعلى خلفية الخلافات السعودية- الإيرانية برزت الخلافات السعودية السنية- الشيعية, وعلى خلفية الحرب الداخلية العراقية- العراقية, برزت الخلافات السعودية- السعودية, بين أطراف سعودية شيعية تسعى لدعم خصوم أمريكا العراقيين, وأطراف سعودية رسمية تسعى لدعم الوجود الأمريكي في العراق, وعلى خلفية الخلافات اللبنانية- اللبنانية, برزت خلافات سعودية- سعودية بين أطراف رسمية تسعى لدعم قوى 14 آذار الموالية للغرب, وأطراف شيعية تقف إلى جانب المقاومة اللبنانية..
بحسب ما هو متعارف عليه بين خبراء التحليل السياسي, فإن مثل هذه الخلافات يجب أن تشكل في حد ذاتها محفزاً قوياً لدعم وجود نخبة سياسية حاكمة متطورة, ونخبة سياسية معارضة متطورة, وهو ما لم يحدث بالنسبة للنخب السياسية السعودية بشقيها الحاكم والمعارض, وفي هذا الخصوص نشير إلى نقاط الضعف والعيوب المزمنة التي ظل يعاني منها الطرفين:
     - لم تسع النخبة السياسية السعودية الحاكمة إلى الإستفادة من الدروس والعِبر الماثلة, وحتى الآن لم تبذل الجهد المطلوب لجهة تطوير فعاليات عملية صنع واتخاذ القرار, وبكلمات أخرى مازال مجلس العائلة الحاكمة هو المصدر الرئيسي لعملية صنع القرار, وبالتالي لا مراكز دراسات تقدم التقارير والتوصيات, ولا أجهزة تقوم بجمع وتحليل المعلومات و إعداد التخمينات..
      - لم تسع النخبة السياسية السعودية المعارضة إلى بناء خطاب سياسي معارض, يتميز بالموضوعية والعلمية والطرح الجاد القائم على حقائق الوقائع, فالأغلبية العظمى من رموز المعارضة هم بالأساس جاؤوا من بين صفوف النخبة السياسية الحاكمة والتي انشقوا عنها بدافع الخلافات الشخصية, أو من بين صفوف بعض الشرائح المذهبية- الطائفية, ذات الخلافات المتعلقة بالقضايا الدينية والعقائدية..
وبالنتيجة, نلاحظ أن عدم جدية النخبة السياسية السعودية الحاكمة, المترافق بعدم جدية النخبة السياسية السعودية المعارضة, هي عدم جدية أدت إلى عدم وجود مشروع حقيقي, وعلى مايبدو فسوف تستمر لفترة طويلة قادمة عملية رعاية أمريكا وبريطانيا والغرب للنخبتين السعوديتين الحاكمة والمعارضة، طالما أن لا أحد من الطرفين يملك رؤية حقيقية لمستقبل السعودية والسعوديين!!    


 الجمل قسم الدراسات والترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...