جدول أعمال الديبلوماسية الوقائية على الطاولة الروسية- الأمريكية
الجمل: تحدثت التقارير الإخبارية الصادرة أمس واليوم عن ورقة أميركية-روسية تطرح عرضا لإقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل, فما هي طبيعة هذه الورقة, وما هي خلفياتها, وما هي أبعادها المعلنة وغير المعلنة, وما هي تداعياتها على المنطقة؟
توصيف المعلومات الجارية:
تقول التقارير والتسريبات, بأن أميركا وروسيا, قد تفاهمتا حول إقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل, وتأسيسا على هذه التفاهمات, فقد تم الاتفاق على ورقة تحمل مضمون ذلك, وما كان لافتا للنظر يتمثل في الآتي:
• إن إعداد هذه الورقة وتقديمها جاء بشكل سريع ومفاجئ, دون صدور أي تسريبات أو معلومات مسبقة حولها, وهو أمر يلقي المزيد من الشكوك حول التفاهمات السرية الجارية على خط موسكو-واشنطن هذه الأيام.
• إن توقيت هذه الورقة جاء بعد فترة قصيرة من انعقاد القمة النووية العالمية التي تمت مؤخرا في واشنطن, وقبل ثلاثة أيام من بدء انعقاد مؤتمر حظر انتشار الأسلحة النووية الدولي, الذي ظلت الأمم المتحدة تقوم بعقده كل خمس سنوات, وسوف تستمر فعالياته من خلال الفترة 3-28 أيار "مايو" 2010م الحالي.
• اقترحت هذه الورقة أن توافق جميع دول الشرق الأوسط على إزالة جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل الموجودة في المنطقة بما يشمل الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية, إضافة إلى الالتزام بعدم السعي لامتلاكها, واشترطت هذه الورقة أن يشمل الالتزام جميع دول المنطقة باستثناء إسرائيل, والتي اقترحت الورقة بأن يتم النظر في أمر قدراتها النووية وغير التقليدية بعد التوصل إلى تحقيق السلام الشامل بينها وبين دول المنطقة, بما يتضمن قيام العلاقات والتطبيع وماشابه ذلك..
• إن هذه الورقة تم تقديمها بشكل انطوى على المزيد من المفارقات غير المتوقعة والتي تحمل أكثر من دلالة ومن تساؤل: تم تقديمها بواسطة روسيا.. ليس إلى حلفاء روسيا في المنطقة.. وإنما إلى مصر حليفة أميركا في المنطقة.. وأيضا, تقوم واشنطن حاليا.. وليست روسيا "التي قدمت الورقة للقاهرة" بإجراء المزيد من التفاهمات الثنائية مع مصر حول كيفية حشد الدعم والتأييد الشرق أوسطي لهذه الورقة..
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة الكشف عن المزيد من خلفيات ومعطيات هذه الورقة الروسية-الأميركية, إضافة إلى احتمالات بروز المزيد من تداعياتها على توازنات المصالح والعلاقات في منطقة الشرق الأوسط.
جدول أعمال الدبلوماسية الوقائية الشرق أوسطية القادم: ماذا يحمل؟
انعقاد مؤتمر دولي لنزع الأسلحة النووية في أروقة الأمم المتحدة, مع وجود ورقة روسية-أميركية تقترح تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل باستثناء إسرائيل, هي أمور تفيد لجهة احتمالات حدوث الآتي:
• توافق المواقف الأميركية-الروسية حول توازنات القدرات العسكرية غير التقليدية في منطقة الشرق الأوسط.. بما يستثني إسرائيل من جهة وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى, يستهدف قدرات خصوم إسرائيل في المنطقة.
• بعد التوافق الأميركي-الروسي, تتم بعد ذلك, حملة ضغوط أميركية-روسية ضمن تحركات الدبلوماسية الوقائية, من أجل دفع خصوم إسرائيل لجهة التخلص من القدرات غير التقليدية, ومن المحتمل أن تتفاقم وتتصاعد هذه الضغوط بما يؤدي إلى حدوث توترات في العلاقات بين خصوم إسرائيل في المنطقة, وموسكو وواشنطن.
• التوافق الأميركي-الروسي, من الممكن أن يأخذ أشكالا عديدة, ومن أبرزها قيام موسكو بالنكوص عن التزاماتها النووية إزاء إيران, وقيام واشنطن وحلفاءها الغربيين بتقويض الطموحات النووية السلمية المدنية في منطقة الخليج والسعودية والمغرب العربي.
هذا, وفي حالة اكتمال التوافق الأميركي-الروسي, فإن القاهرة سوف تدخل على خط واشنطن-موسكو, ومن المؤكد أن يعقب ذلك دخول الرياض-عمان-الرباط إضافة إلى بعض العواصم الخليجية, وذلك بما سوف يؤدي إلى خلق خارطة استقطابية جديدة, تنفرز المواقف فيها إلى مجموعة عواصم الموالاة للورقة الأميركية-الروسية, وعواصم الممانعة لهذه الورقة, ومن المحتمل أن تكون: دمشق-أنقرا-طهران من أبرز عواصم الممانعة لهذه الورقة غير المتوازنة, وسوف تكون الممانعة ليست بسبب الرغبة في امتلاك أسلحة الدمار الشامل, وإنما بسبب الوضع الاستثنائي الجائر الذي منحته الورقة لإسرائيل, والتي يطالب الجميع في المنطقة, ومعظم دول العالم بضرورة إلزامها بنزع قدراتها غير التقليدية باعتبارها تمثل المصدر الرئيسي لخطر الحرب النووية, وخطر سباق التسلح النووي وغير التقليدي في المنطقة.
ماذا وراء الورقة الروسية-الأميركية؟
تشير النظريات التفسيرية إلى بعض الخطوط المتعارضة, وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الاحتمالات الآتية:
• إن هدف موسكو-واشنطن هو التفاهم المؤقت بما يتيح عدم حدوث المزيد من الخلافات في القمة الدولية النووية الدورية الحالية, خاصة وأن العديد من دول العالم, وعلى وجه الخصوص: تركيا-البرازيل-إيران, أصبحت أكثر تأكيدا لجهة القيام بطرح القدرات النووية الإسرائيلية, بما سوف يؤدي إلى بناء أزمة الملف النووي الإسرائيلي، وهو أمر سوف لن يؤدي إلى تقويض اتفاقية خطر انتشار الأسلحة النووية وجعلها مجرد حبر على ورق.
• إن هدف موسكو-واشنطن هو استخدام المزيد من الإجراءات الدبلوماسية الوقائية لجهة منع دول الشرق الأوسط من السعي لامتلاك القدرات النووية, وذلك بحيث لا يتجاوز الأمر إيران, والتي أصبحت من غير الممكن عمليا إعاقة طموحاتها النووية, وبالتالي فما هو مهم فرض المزيد من القيود على بقية دول الشرق الأوسط بحيث لا تسعى إلى امتلاك هذه القدرات, وأيضا إلى منع إيران من التعاون مع دول الشرق الأوسط الأخرى في مجالات بناء القدرات النووية.
حتى الآن, لم تتضح بعد أبعاد التفاهم الأميركي-الروسي المشترك حول محتوى ومضمون ورقة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل, ولكن, وما هو متوقع, إن روسيا سوف لن تمضي قدما في مسيرة هذه الورقة, والذي سيمضي قدما هو واشنطن وحلفاءها العرب.. المعتدلين, وعلى الأغلب أن تسعى هذه الأطراف إلى الانزلاق والدفع بمضمون الورقة بما يستهدف البرنامج النووي الإيراني أولا, وثانيا بما يستهدف القدرات الصاروخية والكيماوية الموجودة في المنطقة باستثناء إسرائيل, لذلك نقول: دعنا ننتظر ونرى أداء الدبلوماسية الوقائية الأميركية-الإسرائيلية القادم في المنطقة بعد يوم 28 أيار "مايو" 2010م القادم .
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد