جهود سورية في القمة لـ«إحياء» ثقافة التطوع
عندما وضع والد الشابة زلفة شواف ابنته أمام «خيار صعب» في الصيف الماضي: الهروب من الحر في بلدة معرة النعمان في شمال البلاد للذهاب مع العائلة في رحلة الى الشاطئ السوري أو أن تذهب الى مخيم تطوعي في الداخل... حيث المزيد من الحرارة والجهد. قررت زلفة (21 سنة) أن تلحق «حلم الطفولة» وتذهب وحيدة الى بلدتين في ريف حلب، في شمال سورية، كي تساهم مع عشرات من الشباب والشابات في تظيف وطلاء مدارس بلدتين صغيرتين وترميم قلعة دير سمعان الشهيرة. كانت زلفة، وهي مدرسة رياضة، معروفة في أوساط حيها بحرصها الدائم على تنظيف درج البناء الذي تسكنه مع آخرين، لذلك لم تتردد في قبول فرصة «توسيع دائرة الحلم وتجسيده». كانت رائدة في كونها تذهب من محافظة ادلب الى مخيم تطوعي، وربما كانت الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة، بحسب اعتقادها.
زلفة، كانت واحدة من عشرة متطوعين كرمتهم السيدة أسماء عقيلة الرئيس السوري بشار الأسد لمناسبة «يوم التطوع العالمي» مساء أول أمس. وقالت السيدة أسماء بعد منحها كل واحد منهم وسام «فخر سورية»على مدرج كلية الفنون الجميلة في دمشق إن «التطوع في جوهره ومنطلقه فعل أخلاقي بامتياز. فعل هادف للخير والبناء، وانخراط الإنسان فيه هو تعبير عن نزعة العطاء وحب الغير بديلاً من الأنانية والانغلاق». وزادت إن تلك «النزعة في المجتمعات هي ملح الأرض ومصدر الطاقة التي تصنع التقدم والتطور المنشودين» ذلك أن التطوع «مدرسة تهيئ الفرد لخوض الحياة العملية التي تنتظره، ومن خلاله يتعلم ألا يقف عند تشخيص المشاكل وجوانب الخلل في مجتمعه بل ينخرط في معالجتها فيتحول بذلك الموقف النظري إلى فعل إيجابي وفي هذا الشيء الكثير من ممارسة الواجب الوطني على خير وجه».
وحرصت مقدمة الحفلة المذيعة السورية زينة يازجي على التأكيد أن التكريم «ليس احتفالاً بالنجاح، بل احتفاء بالبدايات» وانه «خطوة على طريق» نشر ثقافة العمل التطوعي في البلاد وتشجيع الناس على المساهمة لتعزيز العمل التشاركي في التنمية: الأهلي والحكومي، بحيث لا يقتصر على المؤسسات الرسمية. لكن الشرارة الأولى لذلك، انطلقت بعد انعقاد «ملتقى الشباب العربي والعمل التطوعي» في منتصف العام 2007، حيث تشكلت نواة من عشرين شخصاً «يؤمنون بالغيرية» بتشجيع من «الاتحاد الوطني لطلبة سورية» برئاسة عمار ساعاتي الى أن اصبح عددهم الآن ألفي شخص، شاركوا في عشرين مخيماً في المدن السورية شملت جميع مجالات الحياة العملية من معالجة مرضى وتنظيف شوارع وترميم آثار الى رسم لوحات ونحت تماثيل.
ومن المشاريع اللافتة، واحد شمل تحويل مكب للنفايات في حي القابون في دمشق الى حديقة على مساحة تزيد على خمسة دونمات. حصل ذلك بمشاركة 120 شاباً: طلاب المعهد الصناعي صنعوا عرائش العنب، طلاب الزراعة زرعوا الأشجار والأعشاب، شباب الهندسة بنوا الجدران ووضعوا الرخام. وكان هناك مشروع آخر في بلدة معلولاً تضمن تعاون 235 شاباً وشابة على إعادة نفض معلولا وتنظيف شوارعها ومدارسها إضافة الى «إزالة أطنان من الأوساخ من الفج التاريخي قبل تنويره بإضاءات توحي بالسلام والهدوء» بحسب قول المسؤول الإعلامي في «اتحاد الطلبة» إيهاب حامد. وقام الأسد وعقيلته في رمضان الأخير بزيارة المخيم وتناولا طعام الإفطار مع المتطوعين.
وإذ شكلت الاحتفالية مناسبة لإعلان تأسيس «الهيئة الشبابية للعمل التطوعي» في سورية، حرص المنظمون على أن التأكيد أن ثقافة التطوع «ليست جديدة في الثقافة العربية والإسلامية، بل هي متأصلة في ثقافتنا. وبالتالي أن الجهود الحاصلة حالياً بمثابة إحياء لشيء أصيل لدينا»، في إشارة الى الزكاة والوقف في الدين الإسلامي. كما أن دمشق كانت تضم الكثير من الوقفيات في العقود والسنوات السابقة، الى حد أن أحدها كان مهتماً بالقطط الشاردة أو الأواني المكسورة. كما لاحظ أحد المسؤولين أن «الصالونات الأدبية انطلقت من الأندلس، التي أخذها الغرب وطورها بحيث صارت فكرة غربية، في حين انها متأصلة في ثقافتنا العربية»، مشيراً الى انه «ليس عملاً أنانياً، بل هو يولد الكثير من المتعة في المشاركة والرضا لدى المساهمة في التغيير».
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد