الموبايل وسيلة تواصل مع الآخر أم أداة لانتهاك الخصوصية والإزعاج
افترض عالم النفس والفيلسوف «أبراهام ماسلو» في نظريته «دوافع الإنسان» التي قدمها عام 1943 أن المرء يتحرك عبر حياته من خلال احتياجات مادية ونفسية معينة، وقد وضعت هذه الاحتياجات الإنسانية على هيئة هيراركية مكونة من خمس طبقات، تبدأ قاعدة الهرم بالحاجات الطبيعية التي تحفظ حياة الإنسان«المأكل والمشرب»، لتأتي بعدها الحاجات الأمنية وهي المسكن والدخل المقبول الذي يكفل الاستمرارية، وفي المستوى الثالث يسعى الفرد لتحقيق الحاجات الاجتماعية بكافة أشكالها، ومنها ينتقل ماسلو للحاجات المعنوية، ومن ثم تحقيق الذات وسمو المكانة. لو أن ماسلو عاش هذا الزمن ورأى ازدياد إقبال الناس بكل فئاتهم وشرائحهم العمرية على خطوط الموبايل والشركات المنتجة لأجهزة الموبايل المختلفة الأشكال والأحجام لوضع جهاز الموبايل في كل طبقة من طبقات هرميته، حيث بات أغلب الناس يستخدمون هذه التكنولوجيا بطريقة مضرة وغير مدروسة، محوّلين هذا الاختراع المهم الذي يشكل وسيلة اختصرت الوقت والجهد وسهلت أمور العمل والتواصل مع الأهل والأصدقاء، إلى أداة للتسلية والترفيه وتناقل الرسائل التافهة ومقاطع الفيديو الجنسية.
- أغلب مستخدمي الجوال للأسف يستعملونه لإجراء مكالمات لا أهمية لها بدافع حب التباهي والتظاهر أمام الآخرين.... فأغلب المكالمات لا تحتوي على قيمة، وأكبر مثال على ذلك المكالمات التي يجريها المراهقون بين بعضهم بعضاً فقد يتصل أحدهم بالآخر ليخبره أن أغنية جميلة تذاع على الراديو أو التلفاز.
يرى البروفيسور نيد ايكهاردت أستاذ علم الاتصال بجامعة روان بمدينة نيوجيرسي أن 95% من المكالمات التي نجريها عبر« الموبايل» غير ضرورية لكننا في الواقع نقوم بها لأنها تشعرنا بالراحة والتواصل مع الآخرين.
- في مكان هادئ يضم مجموعة من الأشخاص، أحدهم يقرأ كتاباً وآخر يراجع حساباته، وشخص يطالع أمراً مهماً من حاسوبه الخاص، لتبدأ الأصوات ورنات الأغاني بالتعالي، قاطعة سلسلة أفكار الأول، ومقلقة الآخر، وموترة الثالث. صاحب الرنة لا يكتفي بهذا القدر من الإزعاج، حيث يأخذ الموبايل ويجري مكالمته بصوت عال محدثا إزعاجا آخر، الأمر لا يتوقف على شخص دون غيره، فالأغلب فقدوا حس المسؤولية الاجتماعية ومراعاة مشاعر وراحة الآخرين.
تقول الأميركية كارول بيج خبيرة السلوك البشري وصاحبة موقع خاص بقواعد استخدام الموبايل على شبكة الإنترنت: على الرغم من أن الهاتف الجوال لا يعد تقنية جديدة، لكننا تأخرنا كثيراً في رسم وتوضيح القواعد السلوكية الصحيحة التي يجب أن يراعيها كل مستخدم له. وترد كارول على كل من يلقي باللوم على الخبراء لتأخرهم في توضيح قواعد إتيكيت استخدام «الموبايل»، بأن ذلك لا يعفي المستخدم من مراعاة مشاعر الآخرين عند التحدث فيه، فلو كان المستخدم إنساناً متحضراً يراعي مشاعر الآخرين في الحياة بشكل عام فسوف يدرك من تلقاء نفسه أنه يفترض ألا يستخدمه بطريقة تزعج الآخرين وتقلقهم.
كما أن انتشار «الموبايل» أدى إلى انتهاك الخصوصية، فمكالمة واحدة يجريها المتصل في أي مكان سيسمعها المحيطون ولو بالمصادفة، ويلمون بتفاصيلها.. من المعروف أن جميع أجهزة الموبايل مزوّدة بميكروفون حساس قادر على نقل الأصوات الهامسة وليست المنخفضة فقط، إلا أن الأغلب يردون على المكالمات بنبرة صوت مرتفعة وكأنهم يتحدثون مع شخص في قارة ثانية.
- خلال لقاء مع أحد الأصدقاء وأنتما منسجمان بحديث في غاية الأهمية، يرن جوال صديقك، فيمسك هاتفه ويرد دون أن يزعج نفسه باستئذانك أو الاعتذار منك، ليبدأ بمكالمة تكاد لا تنتهي فارغة من أدنى مقومات الأهمية، يواصل ويواصل الكلام لتأتيه إشارة منك أنك تأخرت وتستعد للرحيل، ومرات كثيرة قد يتركك صديقك جالسا وحدك ويذهب لمكان بعيد لإجراء مخابرته، دون اكتراث بك، وبوقتك..
- فجـأة يرن موبايلك فتصدم برأس أحدهم قد امتد بطريقة غير حضارية باتجاه شاشة جهازك لإشباع فضوله ومعرفة اسم المتصل بك، وإذا كان أكثر لباقة فإنه يكتفي بالنظر إلى الرقم من بعيد.
وقد لا يتوانى زميلك بالرد على هاتفك في حال أنه رن وكنت بعيدا عنه، فيبدأ بكل سذاجة بإجراء حديث مع المتصل والتعريف عن نفسه وأحيانا قد يسأل عن دوافع الاتصال.
- أخذت عقد النقص النصيب الأوفر في عالم الموبايلات وملحقاته، فقد ترى شخصاً فقيراً غير قادر على توفير أهم حاجياته يحارب ويصارع لاقتناء أحدث موديلات الموبايل ولو اضطره الأمر لشرائه بالدين وبالتقسيط.
اقتناء خط وجهاز موبايل لم يعد حكرا على شريحة اجتماعية دون غيرها فالموبايلات انتشرت في جميع الأيدي بداية من التاجر الكبير وصولا إلى عامل التنظيفات، وقد يظهر الاستعراض أثناء مكالمة ما، ليبدأ المستخدم بالتلفظ بكلمات قد توحي للآخرين أو توهمهم بأنه شخص ذو أهمية، أو أنه يتحدث مع شخصية مهمة.
- من الملاحظ في الآونة الأخيرة تكاثر أجهزة الموبايل بين يدي المراهقين، فهل لهؤلاء أعمال ينجزونها أو التزامات تقتضي استخدام الموبايل؟ أم إنه وسيلة لتفريغ العقد ومواكبة العصر؟
يستعمل المراهقون الجوالات دون أدنى مراقبة من الأهل، الذين نسوا أن هذا الجهاز يحمل داخله خطراً حقيقياً لأولادهم الذين يعيشون مرحلة عمرية حرجة للغاية، فبدلا من اقتناء كتاب أو أي شيء نافع تجد هؤلاء الشباب يحملون هذه الأجهزة الصغيرة ليتبادلوا الأغاني والنغمات والصور ومقاطع الفيديو الإباحية التي من شأنها تخريب عقول الشباب. ورغم أن هذا الجهاز ابتكر لإجراء المكالمات الضرورية إلا أن المراهقين أجادوا استعمالها لإجراء الأحاديث التافهة التي لا معنى لها.
وعلى ما يبدو أن هؤلاء الشباب قرروا صم آذانهم عما يجري حولهم ليضعوا السماعات غير مكترثين بالمحيط وما يجري فيه.
قد يظن الأهل أو المراهقون أن اقتناء المراهق للموبايل ظاهرة حضارية على عكس الحقيقة، فما هي إلا تقليد أعمى للغير وأحد وجوه الاستهتار والإسراف.
- البلوتوث تقنية حديثة في عالم الهواتف النقالة، تعكس ثورة الاتصالات المعاصرة... وما يميز هذه التقنية أنها تمكن من نقل مقاطع الفيديو والصور ضمن مسافة محددة دون معرفة المصدر المرسل لهذه الصور..
وهذه التقنية كغيرها من التقنيات لها سلبيات وإيجابيات، ومنافع ومضار، لكن للأسف استخدمها شبابنا بأسلوب يسيء للآخرين، ويتعدى على خصوصيتهم.
وقد أصبحت هذه التقنية الأسلوب الرائد، والوسيلة الأنجح للتعارف بين الشباب والفتيات وأحد أهم أدوات التطبيق الحديثة.
طاولتان متقابلتان في أحد المقاهي على الأولى يجلس مجموعة من الشباب، وفي الجهة المقابلة تصطف شلة من الفتيات، فيرمق أحد الشباب فتاة بنظرة حادة، الأمر الذي يلفت انتباهها ليبدأ الاثنان بتبادل النظرات والغمزات، في المرحلة الثانية وبعد ساعة تقريبا من الجلسة تنفرج الشفاه بابتسامات ومن ثم إشارات توحي للآخر بإمكانية البدء بخطوة، ليأتي دور الموبايلات وميزة البلوتوث الكفيلة باختصار الوقت والجهد، سلسلة من الرسائل والصور يعبر كل واحد للآخر عن سروره الشديد على هذه المصادفة التي جمعتهم من غير موعد. وقد تتضمن رسائل البلوتوث صوراً وأرقام تليفونات ورسائل نصية ومقاطع فيديو قد تحتوي على أي شيء يخطر بالبال!!!!!
دارين صالح
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد