دعوة السنيورة إلى القمة هل هو اعتراف سوري بشرعية الحكومة اللبنانية ؟
الجمل : يبدو أن (الفراغ) الذي يطغى على الحياة السياسية اللبنانية، بسبب تعذر انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واستمرار التصارع الداخلي بين فريق السلطة وفريق المعارضة، قد أثر بشكل كبير على فاعلية الأوساط السياسية اللبنانية وقدراتها على إدارة الأزمة التي تعيشها البلاد حيث أصبح من شأن حدوث أي أمر جديد مهما انخفضت درجة أهميته أن (يشغل) هذه الأوساط ويثير فيها البلبلة والفوضى.
وآخر ذلك ما حدث في لبنان من جدل واسع بسبب الدعوة التي وجهتها سورية إلى رئيس الحكومة اللبنانية السيد فؤاد السنيورة لحضور القمة العربية المزمع عقدها في دمشق أواخر الشهر الحالي، حيث وجدت الأوساط السياسية اللبنانية في هذه الدعوة - على ما يبدو - مادة دسمة لملء الفراغ الذي يطغى على ساحتها وذريعة جديدة لتسديد السهام في كافة الاتجاهات.
وكان لافتاً ما صدر سواء من قبل طرف الموالاة أو طرف المعارضة من إيحاءات وإشارات حول ما إذا كانت دعوة دمشق للسيد السنيورة تعني اعتراف دمشق بشرعية حكومة السنيورة ودستوريتها الأمر الذي يتعارض مع موقف القوى اللبنانية الصديقة لدمشق والتي ترى أن حكومة السنيورة حكومة غير شرعية وغير دستورية؟ وفي هذا السياق كتب عماد مرمل في جريدة السفير تحت عنوان: هكذا رفضت الموالاة (الهدية) .. وفرطت بانتصار مجاني .. معتبراً أن مضمون الدعوة ينطوي على دلالة مهمة، بل على هدية مجانية، كانت تستحق الوقوف عندها والاحتفاء بها، وتكمن في اعتراف سوري صريح ومباشر بـ«دولة السيد فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة في الجمهورية اللبنانية»، كما جاء في متن بطاقة الدعوة.
فهل دعوة السنيورة دليل على أن دمشق تعترف بشرعية حكومته؟
في البداية علينا أن نلاحظ أن دمشق منذ بدء الأزمة اللبنانية بعد اغتيال الحريري لم تحاول الدخول بشكل مباشر على خط الصراعات الدستورية بين الأفرقاء اللبنانيين وظلت تتعامل مع أي حكومة لبنانية تتعاقب على الحكم دون تمييز بين حكومة موالية أو حكومة معارضة. فهي تعاملت مع حكومة عمر كرامي ومع حكومة نجيب ميقاتي وأخيراً مع حكومة السنيورة وذلك وفق الأصول التي يفرضها التعامل بين الدول. ولا ننسى أن عدداً من وزراء حكومة السنيورة قاموا بزيارات رسمية إلى العاصمة السورية كما أن عدداً كبيراً من الاجتماعات العربية التي تمخض عنها توقيع اتفاقات هامة بين الدول العربية سواء في مجال الأمن أو الإعلام قد تمت بحضور ممثل عن حكومة السنيورة. ولم نسمع آنذاك من يقول أن دمشق تعترف بشرعية حكومة السنيورة لأنها استقبلت الوزير الفلاني في حكومته أو لأنها وقعت على اتفاقية تتضمن توقيع السنيورة أو ممثل عنه!!
ومهما يكن فإن الأصل المتفق عليه أن الحكومات تكسب شرعيتها من الشعب الذي تنتمي إليه وليس من اعتراف باقي الدول بها. فإذا حازت الحكومة على ثقة الشعب ونالت تفويضه إليها بممارسة السلطة فإن الأمر بعد ذلك سيان اعترفت بها باقي الدول أم لا. ولا تبحث أي حكومة عن صكوك خارجية للاعتراف بها إلا إذا كانت تواجه مشاكل حقيقية مع مواطنيها وعدم اعترافهم بشرعيتها وهذا حال حكومة السنيورة على ما يبدو.
وبالتالي فليس من شأن دمشق أو غيرها من الدول أن تعترف أو لا تعترف بشرعية هذه الحكومة أو تلك .. فالشرعية موضوع داخلي في أي دولة ويجري حله والاتفاق عليه بالوسائل الدستورية والقانونية والسياسية المعمول بها في الدولة المعنية. والدعوة التي وجهتها دمشق إلى السنيورة بصفته رئيس حكومة الجمهورية اللبنانية لا يمكن الاستنتاج منه بأن دمشق تسبغ الشرعية على هذه الحكومة لأن الشرعية تؤخذ من مصدر آخر هو الشعب اللبناني وليس من بطاقة دعوة. وسوريا تتعامل على هذا الأساس وتحرص كما يدل تسلسل الأحداث على عدم التدخل في مناطق الصراع الداخلية بين الطرفين وإن كانت معنية سياسياً وأمنياً بالإطار العام لهذا الصراع.
ثم أن حكومة السنيورة هي حكومة (أمر واقع) شئنا أم أبينا ذلك... والواقع يفرض على كل من له مصلحة سياسية أو اقتصادية أو أمنية أن يتعامل مع هذه الحكومة بغض النظر عن رأيه في شرعيتها أو عدم شرعيتها.
وأخيراً نقول إذا كانت الأمور تدار وفق هذه العقلية في الاستنتاج، إذا استلم السنيورة الدعوة من وزير خارجيته وتمت مناقشتها في مجلس الوزراء اللبناني وتقرر إرسال وفد (أياً كان مستواه) يمثل حكومة السنيورة لحضور القمة، فهل نستدل من ذلك أن حكومة السنيورة تنازلت عن كل الاتهامات التي توجهها إلى السلطات السورية؟
الجمل - المحامي عبد الله سليمان علي
إضافة تعليق جديد