غليون يتنحى والدور القطري إلى انحسار
الجمل- عبدالله علي:
في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بداية ما يسمى "الربيع العربي" الذي أدى فيما أدى إليه إلى تنحي الرئيس التونسي وفراره خارج بلاده، وتنحي الرئيس المصري وإحالته للمحاكمة، وتنحية الرئيس الليبي اغتيالاً، وتنحية الرئيس اليمني اتفاقاً بعد فشل تنحيته اغتيالاً، وبعد مرور حوالي أربعة عشر شهراً على الأزمة السورية، فإننا نجد أنفسنا أمام مشهد نادر ومفعم بالدلالات لأنها المرة الأولى التي نرى فيها رئيس المعارضة هو الذي يضطر إلى التنحي والاستقالة بعد الانشقاقات والانقسامات والخلافات التي ضربت وجود المعارضة وفاعليتها وأدت إلى ظهور التشققات البنيوية في كيانها الرئيسي المتمثل بمجلس اسطنبول. بينما أثبت النظام الحاكم أمام العالم كله أنه يتمتع ببنية قوية قادرة على امتصاص الصدمات والاهتزازات وعصية على الانقسام والتشقق.
إذاً تنحى برهان غليون!!!! ودخل مجلس اسطنبول في مرحلة الموت السريري، ولولا الإنعاش الذي يتلقاه من الأجهزة الخارجية لكان الأكرم له إعلان وفاته ودفنه.
ورغم محاولات بعض المعارضين تظهير الأمر وكأنه نوع من أنواع ممارسة الديمقراطية داخل المجلس، إلا أنه من السذاجة أن نقف عند هذا التفسير السطحي والمصلحي لأن مجمل الملابسات تدل على أن تنحي برهان غليون هو نقطة النهاية في مجلس اسطنبول ولا علاقة له بممارسة الديمقراطية لأن أعضاء المجلس لم يتحسسوا لقيم الديمقراطية عندما سمحوا لأنفسهم بتجاهل النظام الداخلي للمجلس وقاموا بالتمديد لغليون مرتين خلافاً لأحكامه ومحض خضوع منهم لإملاءات دولة خليجية وضعت ثقلها وراء غليون معتبرة إياه وجهاً علمانياً يمكنه أن يكون مطية صالحة لاختراق الرأي العام الشعبي في سورية والتأثير في ميوله السياسية.
منذ بداية تشكيل المجلس فشل غليون في طرح نفسه كشخصية قيادية وكان واضحاً أنه مجرد قناع لوجه آخر هو الوجه الحقيقي للمجلس، وهذه الحقيقة التي يبدو أن غليون وحده لم يكن يعترف بها لا تحتاج إلى دليل لأنها ترتقي إلى مستوى البديهيات والمسلمات الواضحة. فالرجل كان يقف ضد تشكيل مجلس انتقالي سوري وله تصريحات مشهورة بذلك، ثم زار الدوحة فانقلب على نفسه وقبل برئاسة المجلس الذي كان يرفض تشكيله، بعد ذلك كان يقف ضد التدويل وضد التدخل العسكري، ثم انقلب ثانية على نفسه وصار من أشد المتحمسين لنادي الناتو وديمقراطيته الدموية، والأخطر من ذلك أنه قضى شطراً من حياته في مواجهة التيارات الاسلامية ومحاربة فكرها، ثم انتهى ليكون مجرد قناع على وجه تلك التيارات الإخوانية والسلفية والتكفيرية. وهذا يكفي لخلق انطباع عن الرجل بأنه بمثابة القماشة التي لا شكل لها دون وجود إبرة تقوم بخياطتها، ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين نجحوا في خياطة قماشة الرجل وإعطائها شكلها النهائي الذي لم يعجب حتى بعض أصدقائه المعارضين مما دفعهم إلى الانفضاض من حوله وعدم مسايرته في مغامرته المجلسية.
وعدم الإعجاب اتخذ صيغاً مختلفة فالبعض مثل ميشيل كيلو رفضوا الانضمام إلى مجلس اسطنبول، والبعض مثل خطيب بدلة وإياد عيسى رغم تأييدهم للمجلس إلا أنهم كانوا ضد قيادة غليون له وعبروا مراراً عن انتقادهم له، والبعض مثل ممثلي الإخوان في المجلس كانوا يظهرون له التأييد إلا أنهم كانوا يعملون في السر على حرق أوراقه وعدم السماح له بالتضخم بحيث يخرج عن حدود مهمة القناع الموكلة إليه.
وتنحي غليون يطرح سؤالاً مهماً حول حقيقة التوازنات الأقليمية والدولية التي نفخت الروح في مجلس اسطنبول وسمحت له بالخروج إلى الحياة في عملية قيصيرية اضطرته إلى البقاء في حاضنتها طوال الأشهر الماضية ولا يمكنه الاستغناء عنها في مقبل الأيام. والسؤال: هل يعني تنحي غليون أن ثمة انتقالاً في الوصاية على مجلس اسطنبول من دولة إلى أخرى؟ غليون كما هو معروف رجل قطر بل يمكن القول أن ما نراه حالياً هو النسخة القطرية عن غليون فهل تنحيه دليل على أن هناك من يريد تحجيم التأثير القطري في المجلس وبالتالي تحجيم دور الإخوان المسلمين خاصة على ضوء الصراع الخفي الذي تدور رحاه على طول الساحة العربية وعرضها بين الجماعات الإخوانية المدعومة قطرياً من جهة وبين الجماعات الوهابية المدعومة سعودياً من جهة أخرى؟ وهل تنتقل الوصاية على المجلس إلى يد أمراء السعودية مباشرة بعد أن كانوا يكتفون بدعمه عبر قنوات فرعية وثانوية؟. كل ذلك جائز ولكن من المهم أن نلاحظ أن تنحي غليون جاء بعد أن استقرت خطة عنان ولقيت الدعم العالمي لضرورة تطبيقها وبعد ثبوت جدية مهمة المراقبين الدوليين واقتراب لحظة المطالبة بالجلوس إلى طاولة الحوار مع القيادة السورية التي ترفض الحوار مع أي معارض يطالب بالتدخل الخارجي، وهذا مؤشر على أن الأمور في سورية تنحو نحو التسوية تحت عنوان خطة عنان المتوافق عليها دولياً ولاسيما بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
إذاً لقد تنحى رئيس المعارضة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بداية ما يسمى "الربيع العربي" وانكسر الدور القطري المباشر الذي طالما انتشى بانتصاراته في تونس ومصر وليبيا، فهل وصل الربيع إلى ذروته ... وهل تنتظر المعارضة السورية ممثلة بمجلس اسطنبول خريفاً قاسياً تتساقط فيه الأوراق بعد أن تآكلها الاصفرار؟.
إضافة تعليق جديد