دعوة لتخفيض رسوم الجامعات الخاصة
في مثل هذه الأيام، قبل أربعة أعوام مضت، كان «محمد» متردداً في اتخاذ قرار انتسابه إلى جامعة خاصة حديثة العهد، مفضلاً خيار زملائه في السفر لمتابعة التحصيل العلمي في الخارج.
إلا أن عائلته شجعته على البقاء في بلده والدراسة في جامعة خاصة يستغرق وصوله إليها نصف ساعة من مكان إقامته في أطراف دمشق، بدل أن يقطع آلاف الكيلومترات طلباً للعلم في دولة أخرى.
«محمد» لم يكن الشاب الوحيد المتردد في الدخول إلى قطاع الجامعات الخاصة، فنتيجة قراره كانت «ضبابية» على حد تعبيره.
يقول «محمد»: «لم أكن قادراً على التنبؤ بمصيري، وبصراحة هناك تشبيه لا أحبذه للخيار الذي دفعتني العائلة نحوه»، يصمت قليلاً وهو يتأمل صورة حفل تخرجه ثم يقول: «كنا وزملائي في الدفعة الأولى، نشعر أننا كفئران التجارب، لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث لنا في سوق العمل بعد التخرج».
وبعيداً من أي تشبيه أو وصف، يكتفي «محمد» في تقويمه لتجربته كطالب من بين 60 آخرين في الدفعة الأولى لجامعة «القلمون» الخاصة بالقول «أنا راضٍ تماماً عن تجربتي، الأجدر هو الذي سيثبت نفسه في سوق العمل بغض النظر عن اسم جامعته».
وفي محاولة لتقويم تجربة الجامعات الخاصة من وجهة نظر وزارة التعليم العالي المسؤولة عن الترخيص لتلك الجامعات، تقول د. فاتنة الشعال (مديرة المؤسسات التعليمية الخاصة): «أي تجربة جديدة لا تخلو من الثغرات التي يمكن تلافيها في المستقبل»، وتوضح أن «الموافقة على افتتاح الجامعات الخاصة في مقرات موقتة كان أبرز تلك الثغرات» (...) حالياً لا يمكن افتتاح أي جامعة خاصة إلا بعد استكمال بنيتها التحتية، وتأمين كل الوسائل التي يحتاجها الطلاب في دراستهم».
وتؤكد المديرة «الأهداف التنموية والوطنية» لقرار إحداث الجامعات الخاصة وفق المرسوم التشريعي الرقم 36 الصادر لتنظيم عمل المؤسسات التعليمية الخاصة لمرحلة ما بعد الدراسة الثانوية.
خلال أقل من خمس سنوات، تضاعف عدد الجامعات الخاصة في سورية ليصل إلى 18 جامعة. وفي أحدث إحصائية لهذا العام بلغ عدد طلاب الجامعات الخاصة في سورية 11 ألفاً وسبعة طلاب، ويشـــكل هذا الرقم نسبة ضئيلة تقترب من 6 في المئة مقارنة مع أعداد طلاب الجامعات الحكومية الخمس الموزعة في المحافظات الرئيسة: «دمشق وحلب وحمص واللاذقية ودير الزور».
في المقابل جـــاءت خطـــة وزارة التعــليم العالي لتعــطي أولوية الترخيص للجامعات الخاصة في مناطـــق جغرافــــية موزعـــة على مستوى الدولة ككل، حتى في المناطق النائية «رغـــبــة في تنمية الريف»، وبدا واضحاً أن الاختصاصات الأكثر طلباً هي علوم الحاســوب وإدارة الأعمال.
الأسباب التي تدفع بالشباب نحو الجامعات الخاصة متنوعة، إلا أن القاسم المشترك يظهر عند عدم توافر فرصة لمتابعة التحصيل العلمي في الجامعات الحكومية التي تشترط درجات أعلى من نظيراتها الخاصة.
تقول «يارا» (21 سنة): «لم أحقق درجات تمكنني من دخول الجامعات الحكومية، فاخترت دراستي للهندسة في جامعة خاصة هنا، بعد أن رفض والداي التحاقي بأخي الذي يدرس في أوروبا»، وبهذا الخصوص ترى د. فاتنة الشعال أن «إنشاء الجامعات الخاصة يمنح المجتمع السوري قدرة لاستيعاب شبابه بدلاً من تسربهم للدراسة في الخارج، وتلقيهم عادات وتقاليد غريبة عن بيئاتهم» على حد تعبيرها.
الحديث عن دخول جامعة خاصة نوع من الترف لا يتجرأ أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها على طرحه في نقاش العائلة عند اختيار الأولاد التخصص الدراسي في مرحلة ما بعد الثانوي، إذ ان التكاليف الباهظة للجامعات الخاصة تجعلها موجهة لأبناء الطبقة الميسورة، فالحد الأدنى لقسط أي جامعة خاصة يزيد عن ألفي دولار أميركي ويصل بعضها إلى عشرة آلاف.
«أماني» شابة في العشرينات أوقفت متابعتها التعليم في جامعة خاصة لعدم قدرة والدها على تحمل نفقات دراستها، وقررت التقدم مرة أخرى لامتحان الثانوية العامة أملاً في الحصول على فرصة انتساب إلى جامعة حكومية هذه المرة، حيث يعتبر الناس التعليم العالي الحكومي «مجانياً» بناء على أقساطه الرمزية التي لا تتجاوز 50 دولاراً.
وعلى رغم أنه ليس من صلاحية مجلس التعليم العالي التدخل في تحديد ثمن أقساط الجامعات الخاصة، إلا أن وزير التعليم العالي غياث بركات نوه أخيراً في اجتماع له مع رؤساء الجامعات الخاصة بالحاجة إلى تخفيض رسوم الجامعات الخاصة «رأفـــة» بالطلاب، إلا أن القائمين على تلك المؤسسات التعليمية يرفضون خفض أقساطها بحجة أنهم يحرصون على تحقيق معايير جودة التعليم التي تتطلب تكاليف مرتفعة.
لينا جودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد