5 أعوام على الحرب السورية.. كيف تغيّرت الخريطة على الأرض؟

16-03-2016

5 أعوام على الحرب السورية.. كيف تغيّرت الخريطة على الأرض؟

في العام الأول للأحداث في سوريا، ومع استمرار الضخ الإعلامي الموجه، واستمرار الانفلات الأمني، بدا الموقف في سوريا ملتبساً للمراقب الخارجي المحايد. «ثورة شعبية» تضج بها المحطات الفضائية، تقابلها فوضى على الأرض، وانتشار مسلح اخترق الأحياء، وعداد الضحايا ازدادت سرعة دورانه كثيرا، خصوصاً مع بدء خروج مناطق بالتتابع عن سيطرة الحكومة، والظهور العلني للميليشيات المسلحة التي اتخذت أسماء عديدة، تحت غطاء سياسي يحمل اسم «الجيش الحر».
العنف واستخدام السلاح، على عكس ما شاع، بدأ مع انطلاق الأحداث في سوريا. ففي يوم 20 آذار العام 2011، شهدت مدينة درعا هجمات عنيفة على مقارّ حكومية، تم خلالها إحراق مقر «حزب البعث» الحاكم وعدة مبان أخرى، تبعتها على الفور حوادث إطلاق نار وفلتان أمني، وسجل حينها مقتل عدد من رجال الشرطة، لتبدأ بعدها حوادث العنف بالانتشار تدريجيا، أبرزها استهداف حافلة عسكرية قرب مدينة بانياس في ريف طرطوس، وحوادث الخطف والتمثيل بالجثث في حمص ذات الاختلاط الطائفي. وأولى عمليات الذبح التي طالت درعا في نيسان، وكذلك في دير الزور نهاية تموز، إضافة إلى الهجوم الشهير على مفرزة الأمن العسكري في مدينة جسر الشغور، في حزيران العام 2011، والتي راح ضحيتها 120 عنصراً.
ورغم حالة الفلتان الأمني التي سادت معظم المدن السورية، إلا أن قبضة الحكومة السورية كانت حينها تمسك بجميع المناطق، وخاصة مراكز المدن ومناطق واسعة من الأرياف، رغم الإعلان عن تشكيل فصائل مسلحة معارضة باطراد، والإعلان المتزايد عن «انشقاقات» في الجيش السوري كانت على شكل أفراد.
مع استمرار الضغوط السياسية من جهة، وتزايد انتشار الفصائل المسلحة، بدأت القوات الأمنية بالانسحاب تتالياً من الأرياف والتمركز في المدن، فيما تعرضت بعض المواقع الأمنية لحصار، تلتها عمليات اقتحام وقتل للعناصر.
ورغم خروج مناطق عديدة عن سيطرة الحكومة السورية، على طول الشريط الحدودي مع تركيا، شكلت مدينة حمص حالة خاصة في الحرب، وذاع صيت حي بابا عمرو كـ «عاصمة للثورة»، حيث تمترس المسلحون فيه قبل أن يقرر الجيش السوري دخوله في آذار العام 2012 بعد معارك مع المسلحين الذين انسحبوا من الحي نحو الريف الشمالي لحمص، الذي بدا خارجاً عن سيطرة الحكومة.

اختراق حلب وسقوط الرقة
 في هذه الأثناء، بدأ يلمع اسم «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، والتي أُعلن عن ظهورها في العام 2011، ليأتي بعدها ما يعرف بـ«تفجير خلية الأزمة»، وهو التفجير الذي طال مبنى الأمن القومي بدمشق في تموز العام 2012 وأودى بحياة عدد من كبار الضباط السوريين، بينهم وزير الدفاع حينها داوود راجحة.
وجاء بعدها بأيام اقتحام مدينة حلب من ريفها الشمالي المفتوح على تركيا، والذي كان خارج سيطرة الحكومة، فتمكنت الفصائل المسلحة، التي كان يقودها حينها «لواء التوحيد»، من السيطرة على النصف الشرقي للمدينة تقريباً، بالتزامن مع تبلور خريطة ميدانية جديدة لسوريا، تقتسم فيها السلطة بين الحكومة السورية التي تسيطر على مراكز المحافظات، باستثناء بعض الخروقات في درعا وحلب وحمص، والفصائل بمختلف إيديولوجياتها التي تسيطر على الأرياف والمناطق الحدودية مع الأردن وتركيا، قبل أن يأتي اقتحام محافظة الرقة انطلاقاً من الحدود التركية والسيطرة عليها بالكامل من قبل عدة فصائل «جهادية»، أبرزها «حركة أحرار الشام» و «جبهة النصرة»، مطلع آذار العام 2013.
في تلك الفترة كان اهتمام الجيش السوري و «حزب الله»، الذي دخل على خط المواجهات السورية، منصباً على الشريط الحدودي مع لبنان، حيث تمكن الحزب من ضبط معظم الشريط الحدودي. كذلك دخل بالتعاون مع الجيش السوري مدينة القصير في ريف حمص، والتي كانت تمثل أبرز معاقل المسلحين في الريف القريب من لبنان، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على بدء عملية عسكرية للسيطرة عليها.

2014 .. عام مفصلي
 الكاتب والأكاديمي السوري محمد صالح الفتيح، يرى، أن 2014 يعتبر العام المفصلي في الحرب السورية. ويوضح «في الأشهر الأخيرة من العام 2013، بعد التوصل لحل أزمة الكيميائي، نُقل عن القيادة السورية قولها إن الحرب يمكن أن تحسم خلال ستة أشهر، وكانت المؤشرات الميدانية تشير إلى أن ذلك الهدف ليس بالهدف البعيد المنال. ولكن العام 2014 شهد العديد من التغيرات ليس أقلها بروز التدخل الخارجي الذي ظهر عبر نمو الجبهة الإسلامية، التي شُكلت في تشرين الثاني 2013، ووصل تعداد مقاتليها في الأشهر الأولى من 2014 إلى نحو 70 ألف مقاتل، وبدء دخول صاروخ تاو للميدان السوري».
ويتابع «كذلك لا يمكن أن ننسى أن ذلك العام كان عام بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في أعقاب سقوط الموصل، واستيلاء التنظيم على أسلحة أربع فرق من الجيش العراقي، ما مكّنه من توسيع نفوذه كثيرا في سوريا بعدما ساد اعتقاد مفاده أن التنظيم يسير نحو الهزيمة بعدما دُحر في إدلب وشمال حلب، ولاقى مقاومة كبيرة في ريف دير الزور».
ويضيف الأكاديمي السوري «في ذلك العام ظهر أن داعش ليس كغيره من التنظيمات، ليس فقط لناحية استقطاب المقاتلين الأجانب، ولكونه الأكثر تطرفاً، بل أيضاً لأنه يعمل لتحقيق خطط بعيدة المدى، ما يجعل التعامل معه مهمة صعبة للغاية، وفي قلب تلك المخططات تحويل سوريا، الرقة تحديداً، إلى قبلة الجهاد العالمي وهي المكانة التي لم تمتلكها الموصل».
إضافة إلى ذلك، شهد العام 2014 الإعلان الرسمي عن «كانتونات» الإدارة الذاتية الكردية الثلاثة، في القامشلي وعفرين وعين العرب. وشهد أيلول من العام ذاته تدخل أميركا على خط المواجهات في سوريا بعد تشكيل التحالف الدولي ضد «داعش»، وبدء تأمين غطاء جوي لتقدم الأكراد وبعض الفصائل الأخرى، الأمر الذي ساهم بتغيير خريطة السيطرة من جديد. في هذا السياق، يشدد الفتيح على أن «ما نعيشه اليوم، وما قد نعيشه في السنوات المقبلة، هو إلى حد بعيد من ارتدادات ما حصل في العام 2014».
العام 2015 أعاد لفرع تنظيم «القاعدة» نفوذه في سوريا بشكل كبير إثر السيطرة على محافظة إدلب نهاية آذار، بعد تشكيل «جيش الفتح» بدعم تركي ـ قطري ـ سعودي، لتسقط محافظة سورية ثانية من قبضة الحكومة بالكامل، بعدما تمكن الجيش السوري من السيطرة على مركزها (مدينة إدلب) وعدة مدن مهمة مجاورة، أبرزها جسر الشغور طيلة سنوات الحرب الأربع الماضية.

التدخل الروسي
 بعد سقوط محافظة إدلب، تغيرت خريطة السيطرة في سوريا تغيّراً كبيراً، بدا أن الجيش السوري يفقد سيطرته تدريجياً وينحصر نفوذه في المناطق الغربية، إلا أنه رغم ارتفاع الضغوط حافظ على مراكز المدن قبل أن يأتي التدخل الروسي مطلع أيلول من العام 2015، ليتحول الجيش السوري من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، ويتمكن من استعادة كامل ريف اللاذقية قرب الحدود التركية، ويتوغل في الشمال السوري في ريف حلب، وفي مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي.
رغم ذلك، يرى الفتيح أن «للنتائج السياسية لهذا التدخل قيمة أكبر من التدخل العسكري بحد نفسه. فتاريخ حروب العصابات يقول إن حسم تلك الحروب هو أمر شبه مستحيل ما لم يكن هناك تحييد للعوامل الخارجية، وهذا ما تثبته، على سبيل المثال، تجارب حرب أفغانستان والعراق، وكذلك المواجهات التي كان الأكراد طرفاً فيها في العراق وتركيا. ولهذا فإن الجهد الروسي باتجاه ضبط القوى الإقليمية والدولية، والضغط باتجاه انطلاق العملية السياسية من دون مماطلة، هو برأيي يعادل، إن لم يفق، العمل العسكري الميداني أهميةً. فالتجارب التاريخية عموماً، ومسار الأزمة السورية تحديداً، يقول إن المحافظة على التفوق العسكري الدائم أمرٌ صعب للغاية في أحيان كثيرة، ومكلف للغاية دوماً».
في الوقت الحالي، تتقاسم أربع قوى رئيسية السيطرة على سوريا، فالجيش السوري يسيطر على المحافظات الغربية ومراكز محافظات المنطقة الوسطى، أجزاء من حلب شمالاً، ومركز مدينة دير الزور والحسكة شرقاً، فيما يسيطر الأكراد على المنطقة الحدودية مع تركيا الممتدة من الشمال الشرقي وصولاً إلى الشرق، ويسيطر «داعش» على محافظة الرقة ويمتد نحو ريف حمص التي يسيطر فيها على تدمر والمناطق المجاورة، كما يمتد نفوذه نحو دير الزور التي يفرض عليها حصاراً خانقاً عليها منذ بداية العام 2015، إضافة إلى تمدده في الشمال السوري قرب مدينة إعزاز الحدودية. وتسيطر «جبهة النصرة» والفصائل «الجهادية» الأخرى، وأبرزها «أحرار الشام»، على محافظة إدلب ومناطق في ريف درعا وريف حلب والمنطقة الوسطى. فيما تسيطر فصائل أخرى على مناطق جغرافية محددة، مثل «جيش الإسلام» الذي يسيطر على الغوطة في ريف دمشق، وبعض الفصائل الصغيرة التي تقاتل في الجنوب السوري.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...