5 آلاف مليار ثمن حلم إسرائيل بالقضاء على حزب الله
الجمل: الآن وببساطة يمكن القول: إن الأداء العسكري الإسرائيلي في لبنان قد أصبح فاشلاً، وقد أصبحت كل المعطيات الميدانية حالياً تؤكد ذلك. إضافة إلى أن العمليات العدوانية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة، أصبحت تأخذ طابعاً «انفعالياً» انتقامياً، أكثر من كونها عملاً عسكرياً منظماً يهدف لتحقيق غايات وأهداف منظمة ومخطط لها بدقة وعلمية.
أصبحت إسرائيل مثل الولايات المتحدة تماماً، تركز على استخدام القوة المفرطة دون اهتمام بما يمكن أن يترتب على ذلك من تأثيرات وتداعيات تضر بأهدافها التي تتحدث بها حكومتها أمام الرأي العام العالمي والدولي.. وقد لجأت إسرائيل إلى الاستخدام المضطرد للقوة الجوية، على خلفية المزاعم بأنها سوف تحقق غايتين، الأولى: تتمثل في القضاء على حزب الله، والثانية: إتاحة الفرصة للحكومة اللبنانية لكي تستغل عملية إضعاف حزب الله وتقوم بـ(نزع سلاحه)، ولكن بعد كل هذه الفترة من الضربات الجوية الإسرائيلية والمعارك البريّة، التي خاضتها قوات الـ(نخبة) في الجيش الإسرائيلي مع مقاتلي حزب الله، فقد حدث الآتي:
أولاً: عملية إضعاف حزب الله:
حتى الآن لم تتمكن لا القوات الجوية الإسرائيلية ولا العمليات البرية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي من الإضرار بحزب الله، وماتزال حتى الآن كل المعلومات الإسرائيلية حول خسائر حزب الله غامضة ومرتبكة.. كذلك العدد الذي زعمت إسرائيل أنها قتلته من مقاتلي حزب الله، لا يتناسب مع الكم الهائل من العتاد والعمليات الجوية والبرية الضخمة والتعبئة العسكرية الهائلة التي حشدتها إسرائيل.
حتى أول أمس بلغ عدد مقاتلي حزب الله الذي زعمت إسرائيل بأن جيشها قد قتلهم حوالي 100 مقاتل، ولما كانت خسائر إسرائيل المباشرة وغير المباشرة اليومية في هذه الحرب تبلغ حوالي 500 مليون دولار، فإنه بعملية حسابية بسيطة يمكن القول: إن القيام بقتل عنصر واحد من مقاتلي حزب الله يكلف إسرائيل حوالي 100مليون دولار... أي بعبارة أخرى يمكن القول: إنه لو كان لحزب الله 50 ألف مقاتل، فإن القضاء عليهم سوف يكلف إسرائيل 5 آلاف مليار دولار!! وهو أمر لن تستطيع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مجتمعة من توفيره لإسرائيل، مع ملاحظة أن حزب الله قادر على تعويض خسائره من المقاتلين.
وعلى العكس تماماً مما كانت تتوقع إسرائيل، فقد عملت الهجمات العدوانية الإسرائيلية على تعزيز قوة حزب الله، ليس في لبنان وحده، بل في سائر أنحاء العام العربي والإسلامي، إضافة إلى حجم التأييد والاحترام العالمي الذي كسبه هذا الحزب بسبب مقاومته البطولية للعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً.
حتى الأضرار المحدودة التي استطاعت إسرائيل إلحاقها بحزب الله تؤكد على فشل القدرة العسكرية الإسرائيلية، وذلك لأن إسرائيل ظلت تستخدم أسلحة عالية التكلفة، من أجل تدمير أسلحة بسيطة قليلة التكلفة، ويمكن إحلالها بسرعة فائقة وبكل سهولة.
ثانياً: إرغام الحكومة اللبنانية:
المخطط الإسرائيلي يفترض أن توجيه الضربات سوف يؤدي إلى حالة غضب واستياء ضد حزب الله، وأيضاً حالة غضب واستياء ضد إسرائيل، بحيث يكون حزب الله في أسوأ حالاته، وذلك بسبب تدمير بناه التحتية وفقدانه لعدد كبير من عناصره، ومعاداة الرأي العام اللبناني له، وتخلي حفاءه الخارجين عنه بسبب تهديدات إسرائيل وأمريكا لهم، وبالتالي، على خلفية الحصار الجوي البحري البري الذي تفرضه إسرائيل من أجل قطع الإمدادات عن حزب الله، سوف يخلق شعوراً لدى العسكريين اللبنانيين بضرورة نزع سلاح حزب الله، وبناء على ذلك تقوم الـ(حكومة اللبنانية) بالتحرك العملي باتجاه تنفيذ عملية نزع سلاح حزب الله، وإذا تشددت ورفضت قيادته، فإن مقاتليه سوف يتخلون عنه حفاظاً على حياتهم وأسرهم وممتلكاتهم، كما أن حلفاءه الخارجيين مثل إيران سوف يضغطون عليه للموافقة، تجنباً وتفادياً للإجراءات المستقبلية التي يمكن أن تتخذها إسرائيل وأمريكا ضدهم.
أما السخط ضد إسرائيل، فمن الممكن احتواءه عن طريق الدعم الذي سوف تقدمه أمريكا وأوروبا للحكومة اللبنانية بعد انتهاء العمليات، والمساعدات، وعمليات إعادة إعمار لبنان (والتي سوف تقوم أمريكا بإجبار بعض الدول العربية على تمويلها) بحيث تنفذها الشركات الأمريكية، ويدفع أموالها العرب على غرار العراق، ثم يلي ذلك اتفاقية السلام بين لبنان وإسرائيل وفقاً للشروط التي تحددها إسرائيل، ومن ثم يكون لبنان قد انخرط بشكل تام ضمن معسكر الشرق الأوسط الجديد والذي تتضمن (نواته الجينية) الحالية: الأردن، تونس، المغرب، مصر..
عند بداية العدوان، بدا وكأن التحرك الإسرائيلي يمضي في الاتجاه المخطط له، فقد جاءت ردود الأفعال بما يصب في مصلحة إسرائيل: الحكومة اللبنانية ورموز تيار المستقبل كانوا يتحدثون بإجماع عن عدم علمهم وبالتالي عدم مسؤوليتهم عن هذه الحرب، والتي أشعلها حزب الله دون الرجوع لأحد، والحكومات العربية الموالية لأمريكا إضافة إلى تلك التي تربطها اتفاقيات سلام وصداقة مع إسرائيل، اتخذت موقفاً يرى أن حزب الله قد دخل في (مغامرة) يتحمل هو وحده وزرها.
اعتبر الإسرائيليون ردود الفعل بمثابة إشارة إيجابية على صحة مخططهم، ولاحقاً فوجئ الإسرائيليون والأمريكيون بالآتي:
• الرأي العام اللبناني والعربي أصبح يؤيد حزب الله بقدر كبير.
• الضربات الإسرائيلية برغم كثافتها، لم تتمكن من القضاء على بنية حزب الله التحتية.
• فشل الغزو البري، وعدم قدرة الوحدات المدرعة الإسرائيلية –برغم الحماية الجوية- على البقاء لفترة أطول داخل الأراضي اللبنانية.
• شن حزب الله للهجمات الصاروخية المكثفة، ونجاح العمليات الاعتراضية في إيقاف تقدم القوات البرية الإسرائيلية، وإيقاع خسائر كبيرة بأفرادها وعتادها.
• تدمير دبابات الميركافا، قوض أطروحة نجاح الغزو البري، وأصبحت إسرائيل تفهم تماماً أن جيشها «المدرع» سوف يتم القضاء عليه بالكامل إذا توغلت الوحدات الإسرائيلية المدرعة كثيراً في العمق اللبناني.
وإزاء هذه النتائج:
- وجدت الحكومة اللبنانية نفسها عاجزة عن مسايرة الـ(مخطط) الإسرائيلي.
- القوى الدولية أصبحت أكثر تردداً في الإسهام بالقوات الدولية، إضافة إلى أن عدداً من الدول الكبرى أصبح يفهم تماماً أن أي وجود لقوات دولية في لبنان بدون موافقة حزب الله مصيره الفشل، وأن موافقة الحكومة وحدها لا تكفي.
- الحكومات العربية، والتي كانت مواقفها تصب في مصلحة العدوان الإسرائيلي، أصبحت عاجزة عن القيام بأي تحرك مكشوف في اتجاه دعم المخططات الأمريكية ومناوأة المقاومة اللبنانية، إضافة إلى أن هذه الحكومات أصبحت مشغولة بقمع الرأي العام الداخلي، المؤيد لمقاومة حزب الله، خاصة في مصر والسعودية.
المخطط الإسرائيلي العدواني مازال يمضي في اتجاه تصعيد القصف والاعتداءات البرية، وذلك لإرهاب المدنيين اللبنانيين, ودفعهم إلى المزيد من النزوح (بلغ عدد النازحين اللبنانيين حوالي 900 ألف أي حوالي ثلث السكان)، وذلك من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية والرأي العام اللبناني بعدم جدوى المقاومة، إضافة إلى رغبة الحكومة الإسرائيلية ومؤسستها العسكرية، بالظهور أمام الرأي العام الإسرائيلي بمظهر المنتصر الذي تعود عليه الإسرائيليون طويلاً.
وعموماً نقول: إن المخطط الإسرائيلي- الأمريكي على المستوى الـ(معلن) يشير إلى مزاعم تتعلق بحفظ الأمن ونزع سلاح حزب الله ودعم لبنان وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.. ولكن على المستوى غير الـ(معلن) هناك تكهنات تقول: إن استهداف إسرائيل لعملية تهجير المدنيين من جنوب لبنان، والاحتفاظ بمنطقة أمنية حتى حدود الليطاني، تهدف في حقيقة الأمر إلى فرض احتلال هذه المنطقة وضمها لإسرائيل عن طريق فرض الأمر الواقع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد