وحدة «ريمون» الإسرائيلية تبوح بأسرارها: اغـتـيـال 300 مـن مقـاومـي غــزة
يعرف كل من عاش في قطاع غزة أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات وسائل القمع والتنكيل والقتل الإسرائيلية في مواجهة أنماط المقاومة الشعبية والمسلحة ضد الاحتلال. ويمكن القول ان تولي الجنرال أرييل شارون قيادة الجبهة الجنوبية في ذلك الحين شكل ذروة القمع الذي طال البشر والحجر على حد سواء. فقد لجأ شارون إلى أسلوب هدم البيوت بشكل واسع وإنشاء «اوتوسترادات» في المخيمات الكبيرة بقصد عزل أحيائها والتمكن من التحكم فيها. ولم يكتف بذلك بل أنشأ وحدة خاصة في العام 1970 حملت اسم «سييرت ريمون» لا تعرف إلا القتل وسيلة للتخلص من المقاومين. وأوكل شارون قيادة هذه الوحدة للنقيب حينها، مئير داغان، الذي غدا لاحقا رئيس الموساد وكان من مرؤوسيه في لواء المظليين.
ويمكن القول ان إنشاء وحدة «ريمون» من جانب شارون كان، بشكل من الأشكال، استنساخا للوحدة «101» التي سبق لشارون نفسه أن قادها في منتصف الخمسينيات والتي تخصصت في حينه بالأعمال الانتقامية وارتكبت، مثلا، مجزرة قبية. وهذا يعني أن للوحدة الجديدة تقاليد سابقة وإن اضطرت هذه المرة لاتخاذ سمات
جديدة باتت تعرف بـ«وحدات المستعربين» التي شكلت لاحقا أرضية لوحدات مثل «دفدفان» التي تخصصت في مطاردة نشطاء الانتفاضة و«إيغوز» التي تخصصت في محاربة «حزب الله».
في حينه كان قطاع غزة يعج بالعمل الفدائي الذي أزعج الاحتلال بشكل كبير خصوصا أنه تصاعد كثيرا في زمن حرب الاستنزاف مع مصر. وكان قطاع غزة ممرا رئيسيا للإمدادات الإسرائيلية نحو الجبهة على قناة السويس، على الأقل بسبب خط السكة الحديد الذي غدا في ظل الاحتلال خطا عسكريا. وربما لهذا السبب كانت النظرة الإسرائيلية للمقاومين أشد وحشية وهو ما بدا عبر تشكيل وحدة يرأسها من لا يسير إلا و«السكين بين أسنانه» و«لا يحب أن يرى العربي إلا ميتا».
ورغم الادعاء أن اسم الوحدة «ريمون» التي تعني بالعبرية فاكهة الرمان، إلا أنه فعليا يعود إلى كلمة «رمانة» التي تعني أيضا القنبلة اليدوية. وكانت القنبلة اليدوية في حينه السلاح الأشد فعالية بأيدي المقاومين في قطاع غزة. وبدأت الوحدة، عبر عملاء الشاباك من تجار الأسلحة، بتوزيع قنابل مفخخة تنفجر حال نزع صمام أمانها وقبل إلقائها. وأدى ذلك إلى استشهاد العديد من المناضلين الذين صاروا يتخوفون من استخدام القنابل أو حملها.
ولم تكتف هذه الوحدة بذلك بل انها كانت بالاشتراك مع الشاباك تقوم بمصادرة سيارات الأجرة أو حتى السيارات الخاصة من سائقيها والدخول بها إلى داخل المخيمات أو الأحياء الشعبية لمطاردة مطلوب أو لقتل آخر. وباختصار غدت هذه الوحدة فرقة القتل الأولى في الجيش الإسرائيلي. ويقول عدد من الإسرائيليين ممن عملوا في الوحدة أو في الشاباك انها خلال عامين أو أقل قتلت ما لا يقل عن مئتي مقاوم فلسطيني في غزة اغتيالا.
وقد أثير أمر وحدة «ريمون» من جديد يوم أمس بعد أن نشرت «يديعوت أحرونوت» مقاطع من شهادة مئير داغان في أيار العام 1998 في محاكمة أحد أفراد وحدته السابقين بتهمة قتل سائح بريطاني. وكانت الصحيفة قد رفعت طوال عامين دعوى ضد الرقابة العسكرية لرفضها السماح لها بنشر تلك المقاطع من شهادة داغان عن وحدته، إذ أقدم دانييل عوكف، على قتل سائح بريطاني في آب 1997 رميا بالرصاص ومحاولة قتل صديقته بعد أن أقلهما في سيارته. وفي التحقيق معه قال انه يعاني من إصابة عضوية في دماغه ومن صدمة نفسية جراء خدمته في وحدة ريمون بسبب قيامه مع زملائه بقتل الكثيرين من الفلسطينيين في غزة في السبعينيات. واستدعت المحكمة داغان للإدلاء بشهادته عن واحدة من الوحدات الأكثر سرية ووحشية في تاريخ الجيش الإسرائيلي.
وفي شهادته نفى داغان أن تكون وحدة ريمون فرقة اغتيالات وقال انها وحدة خضعت لكل التعليمات العسكرية التي قضت بعدم إطلاق النار إلا في حال التعرض للخطر الجدي وعندما يكون الخصم مسلحا. وشدد على أن هدف الوحدة لم يكن القتل. ومع ذلك سئل عن عدد من قتلتهم هذه الوحدة فأكد «أنني لم أقم بتعداد المخربين القتلى، لكن الأمر يتعلق بعشرات كثيرة». وقال داغان إن غاية الوحدة كانت «تحقيق معلومات استخبارية وإلقاء القبض على مطلوبين» و«إذا كان هناك زعم بأن الوحدة أعدت للقتل فإن جوابي هو أن الوحدة عملت كوحدة عسكرية تماما. كل القواعد المعمول بها في الجيش الاسرائيلي كانت تسري عليها». وأوضح «أنه عندما نلامس المطلوبين ولا يستسلمون أو كنا في وضع خطر وهم مسلحون، كان هدفنا قتلهم». وتحدث داغان في شهادته عن أن المطلوبين في ذلك الوقت كانوا مسلحين جيدا لذلك كانت معظم الحوادث اشتباكات نارية. وقال إنه «خلال فترة قيادتي للوحدة (أقل من ثلاث سنوات) كانت لدينا قائمة مطلوبين تضم 300 اسم في غزة وعندما أنهيت مهمتي لم يبق منهم سوى عشرة».
وأقر داغان بأن قائمة المطلوبين كانت تضم الأسماء باللونين الأحمر والأسود. ونفى أن يكون اللون الأحمر اشارة لمن ينبغي قتلهم مبررا هذا التمييز بأنه فارق بين من كانوا يعلمون بأنهم مطلوبون للجيش الإسرائيلي ومن لا يعلمون. وفي نظره هذا يحدد سلوكهم اللاحق والسلاح الذي يحملون. وكان محامي عوكف قد أكد أنه «لم تعط أوامر صريحة بعدم جلب «الملطخة أياديهم بالدماء أحياء»، لكن كانت هذه هي الأجواء وكان واضحا للجنود أنه عند ضبط واحد كهذا ينبغي قتله». ورد داغان على ذلك بالقول: «ردي هو أنني لم أكن في تلك الأجواء. والقول انه تم قتل كل من كان في القائمة الحمراء ليس صحيحا».
وسأل المحامي عما إذا كان أفراد الوحدة قد عملوا وفق تعليمات تقضي بأن يأخذوا المعتقلين إلى منطقة بعيدة ويتركوا بجوارهم مسدسا أو قنبلة كي يقتلوهم حال اقترابهم منها. رد داغان «هذا يبدو خياليا جدا، لم نفعل أمرا كهذا. إذا كان سؤالك أننا نقول للمخرب: لديك دقيقتان للفرار وبعد ذلك نقتله أثناء فراره، فإنني أرد بالسلب». واعترف داغان بمصادرة سيارات الفلسطينيين خلال تلك الفترة واستخدامها في عمليات وحدته وقال «من أجل العمل في منطقة ينبغي أن تصل إليها بسياراتها الأصلية، والحاجة العملانية أملت علينا مصادرة سيارات لفترات زمنية محدودة».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد