واشنطن تسلّم مفاتيح ريف حلب الشمالي لتركيا و«داعش» يهاجم محيط دمشق
بدأت واشنطن عملياً مراسم تسليم مفاتيح ريف حلب الشمالي لتركيا، من دون إعلان أن ذلك يأتي في إطار مشروع «المنطقة الآمنة» الذي طالما حلمت به الأخيرة، وهو ما يشكل صفعة مزدوجة تطال كلاًّ من تنظيم «داعش» و «قوات سوريا الديموقراطية» في الوقت ذاته.
وفيما تتواصل معارك الكر والفر في ريف درعا الغربي بين الفصائل من جهة و «داعش» من جهة ثانية، تشهد مدينة الضمير ومحيطها تطورات تنذر بتداعيات خطيرة ما لم يتم تداركها، خصوصاً في ظل الحالة الإنسانية التي فرضها خطف «داعش» لمئات من عمال المنطقة.
في هذا الوقت، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العملية العسكرية الروسية عززت الدولة السورية وحكومة سوريا الشرعية، لكن من السابق لأوانه الحديث عن تحقق انفراجة.
في غضون ذلك، شهدت جبهة الضمير في القلمون الشرقي تطوراً دراماتيكياً تمثل بتخلي غالبية الفصائل عن موقف الحياد ووقوفها إلى جانب «داعش»، الذي يسعى إلى السيطرة على المدينة والتمدد في محيطها. وذكر نشطاء المنطقة أن «لواء سيف الحق»، التابع إلى «جيش الإسلام»، بقي لوحده في مواجهة «داعش» والفصائل التي التحقت به. وقد أعلن «جيش الإسلام» الاستنفار في منطقة البترا خوفاً من تقدم التنظيم، كما طالب أهالي الحي الغربي من الضمير بالتطوع لقتال «داعش» بسبب النقص في أعداد مقاتليه.
ويأتي ذلك بينما تجددت الاشتباكات بين «داعش» وبين الجيش السوري في محيط مدينة الضمير، وتحديداً في الجهة الشرقية من بلدة العتيبة ذات الموقع الاستراتيجي المهم، حيث تمكن الجيش من إحباط هجوم التنظيم للسيطرة على محطة تشرين الحرارية.
وقال مصدر في وزارة الصناعة لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا» إن «مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم داعش اختطفت أكثر من 300 من عمال ومقاولي شركة إسمنت البادية شمال شرق أبو الشامات في ريف دمشق». وأشار إلى أن «الشركة أخبرت الوزارة بأنها لم تتمكن حتى الآن من التواصل مع أي من المخطوفين».
وفي خطوة تؤكد توجه «داعش» إلى تصعيد نشاطاته العسكرية في محيط دمشق، بعد هزيمته في تدمر والقريتين، بهدف تخفيف الضغط عن مقاتليه في الوسط، قام، أمس، بخرق الهدنة المعقودة بينه وبين «جبهة النصرة» في مخيم اليرموك، وشن هجوماً تمكن خلاله من السيطرة على حاجز العروبة الفاصل بين المخيم وبين بلدة يلدا في جنوب دمشق.
إلى ذلك، استمرت معارك الكر والفر بين الفصائل المسلحة وبين فصائل محسوبة على تنظيم «داعش» في ريف درعا الغربي. وأفادت الأنباء عن استعادة الفصائل السيطرة على بلدة عدوان التي كان التنظيم قد سيطر عليها قبل يومين، كما سيطرت الفصائل على معاقل التنظيم في بلدة سحم جولان.
وفي تصريحات تتقمص روح «المنطقة الآمنة» وإن لم تسمها صراحة، قال السفير الأميركي في أنقرة جون باس إن «مسؤولين أميركيين يبحثون مع الجيش والحكومة التركية كيف يمكن للمعارضة السورية المعتدلة دفع تنظيم الدولة الإسلامية نحو الشرق في سوريا». وأضاف «حققنا بعض التقدم في الأسابيع القليلة الماضية، مع دفع هذه الجماعات نحو الشرق أكثر على طول الحدود. سنواصل التركيز على هذه المنطقة».
ويبدو جلياً أن «قوات سوريا الديموقراطية» التي تهيمن عليها «وحدات حماية الشعب الكردية» ستكون الخاسر الأكبر جراء الغطاء الأميركي - التركي الممنوح للفصائل المسلحة، وأهمها «الجبهة الشامية» و «أحرار الشام» و «لواء المعتصم»، إذ سمح هذا الغطاء للفصائل أن تتقدم على الشريط الحدودي مع تركيا، الممتد بين مدينتي إعزاز وجرابلس، وهو الشريط نفسه الذي عزمت تركيا مرات عديدة على إقامة «منطقة آمنة» فيه من دون أن تنجح سابقاً. وما يعزز من ذلك أن باس انتقد «وحدات حماية الشعب» بسبب مساعيها، تحت ذريعة قتال «داعش»، لإحداث تغييرات ديموغرافية في مناطق سيطرتها. وأشار إلى أن واشنطن «لا تزوّد وحدات الحماية بأسلحة وذخيرة»، برغم وصفه لها بأنها «الحليف الوثيق للولايات المتحدة في قتال داعش».
وهذا السلوك الأميركي من شأنه إضفاء مزيد من التعقيد على خريطة التحالفات التي تقيمها واشنطن في منطقة محدودة المساحة، مثل ريف حلب الشمالي، مع مجموعة من الفصائل متعادية في ما بينها. وقد يشير ذلك إلى تخبط أميركي في إدارة ملف الصراع في تلك المنطقة، وإلى أن الإدارة الأميركية تواجه صعوبات في تأمين التوازن المطلوب بين المصالح المتباينة للفصائل التي تتحالف معها هناك. وشاهدنا سابقاً كيف أن فصائل محسوبة على واشنطن اقتتلت في ما بينها في محيط إعزاز ومنغ وتل رفعت.
وقد سيطرت الفصائل المسلحة، أمس، على بلدة الراعي الإستراتيجية، بعد معركة شاركت فيها المدفعية التركية، التي تولت مهمة التمهيد الناري أمام الفصائل عبر قصف معاقل «داعش» في البلدة ومحيطها. كما شاركت طائرات التحالف من خلال تنفيذ بعض الغارات الجوية في المنطقة. ومن المؤكد أن المنطقة لم تكن لتشهد هذه التطورات المتسارعة لولا التعاون الأميركي - التركي، الذي نجح في كسر حالة الجمود التي ظلت مدن الريف الشمالي تدور في فلكها لعدة أشهر خلت. ولم يتمكن «داعش» من صد الهجوم على الراعي، بالرغم من تنفيذه عمليتين انتحاريتين استهدفتا أرتال المهاجمين، وسط نشوب حرب شوارع بين الطرفين سرعان ما انتهت لمصلحة الفصائل. وفي معلومات غير مؤكدة، قال ناشطون إن قيادياً كبيراً في «داعش»، هو «والي» مدينة الباب أبو ياسر العراقي قُتل في معركة الراعي ومعه المسؤول عن الكهرباء أبو محمد المقدسي.
من جهة أخرى، نفذ تنظيم «داعش» عملية انتحارية بسيارة مفخخة في محيط مطار دير الزور العسكري، أعقبها اندلاع اشتباكات عنيفة بين التنظيم من جهة وبين الجيش السوري من جهة ثانية، لم تسفر عن أي تغييرات في خريطة السيطرة.
من جهة ثانية، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أن الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف ستبدأ في 13 نيسان، موضحاً انه سيزور دمشق، للقاء وزير الخارجية وليد المعلم، وطهران. وأشار إلى انه طالب عند انتهاء الجولة السابقة من المحادثات بأن تكون المحادثات المقبلة «واقعية» بالنسبة لمسألة العملية الانتقالية السياسية في سوريا. وقال «بما أن هذه المسألة مهمة، يجب أن أتأكد من مواقف الأطراف المعنية الدولية والإقليمية» لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر «قد يؤدي إلى نتائج ملموسة خلال الجولة المقبلة من المحادثات».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد