مطلوب بتهمة سوري
النظام وحش يفترس الفوضى إلى درجة أن الفيلسوف هوبز قد شبهه بالتنين في كتابه «تنين الدولة» حيث النظام شرٌّ لا بد منه تحتاجه كل أمة ترغب في أن تصبح دولة، ولا يوجد دولة في العالم دون نظام باستثناء أرض الصومال وأفغانستان حيث انهار النظام واختفت الدولة على يد وهابيي السعودية الذين تجمعوا اليوم في سوريا تحت مسمى «جبهة النصرة» التي ينتمي إليها "مجلس الإتلاف السوري" ويدافع عنها كمنظمة غير إرهابية ويسعى إلى تدمير النظام تحت غطاء إسقاط الأسد. وكان أول تآمرهم على الجيش ثم الاقتصاد فنخبة العباد، إذ وسموه بجيش النظام مقابل "الجيش السوري الحر" أي الفلتان مثل الحيوان في حقول الناس، على شكل مجموعات متنافرة تشبه في تركيبتها عصابات المخدرات بخروجها على القوانين واستخدام العنف ضد الجميع سعياً وراء المال والجنس والشهرة، مع إضافة إسلاموية وهي تسمية الغدر والإجرام جهاداً في سبيل الله!؟
فقد خصصت قطر وحدها 15 مليار دولار كرشاوى للمنشقين عن النظام، ولو فعلت قريش قبلها مثلها لانشق كثير من الصحابة عن الرسول (ص) وثورته كما انشقوا فيما بعد عن خلفائه الراشدين للسبب ذاته: المال والسلطة .. وكل انشقاق له سعره بحسب حجم الأذى الذي يلحقه الخائن في بنية النظام التي تدفق فيها ماء الشعب، كرهاً وحباً، لعقود مديدة، وكانت حجة المنشقين (تجديد القنوات الاستبدادية الأسدية) لنكتشف أنه ما من قنوات جديدة سوى فوضى المياه وفيضانها الذي أغرق الزرع وأهلك الضرع دونما تفريق ديني أو قومي، حيث العصابات المسلحة تخرب حياة الجميع: مؤيدين ومعارضين، سنة وعلويين ودروزاً ومسيحيين، حيث كل المواطنين مطلوبين بتهمة (سوري) .
وأوباما كلينتون، وإردوغان أوغلو، وحمد حمدين، ورياض ورياضين وإخونجية الوهابيين وسلفية الشيوعيين، ومجلس المجلسين اسطمبول وقطر، يصرخون: بقاء الأسد مسألة أشهر.. أيام الأسد معدودة.. هرب الأسد.. مات الأسد.. ولم ينتبه هؤلاء بعد إلى أنهم ضحايا تقارير أجهزتهم الاستخبارية التي تتلاعب بهم بدلاً من خدمتهم بإخلاص والقول لهم إن الأسد موجود بقوة أغلبية السوريين وإخلاصهم ولو كانت الأكثرية ضده لما استطاع الصمود في وجه الغرب جميعاً حتى اليوم.. فهو متصل بشجرته ولهذا لم تسقط ثمرته، حيث الثمرة تنتمي للشجرة وليس العكس، ولهذا يسعون اليوم إلى قطع الشجرة ومد صحراء الوهابية السعودية إلى الديار الشامية، دون أن يدركوا أن الأرض الممطرة لا يمكن جعلها متصحرة.. ومازال الرب يمطرنا فوق هذي الأرض ونحييها بعد موتها منذ آلاف السنين.. وهذا النظام قد جمعنا كرهاً وحباً بعقد زواج بعثي، ومن قبله كانت عقود زواج مصرية وفرنسية وعثمانية ومملوكية وأموية وبيزنطية ويونانية.. حيث اجتمعت بذور جميع الأمم في رحم دمشق وأنتجت ما نحن عليه اليوم من خليط معقد، بإدارة غرفة تجارة دمشق دائماً وأبداً، منذ بداية تاريخ هذي المدينة، أو قل هذا السوق الذي بني حوله مدينة ثم تجمعت حوله مدن بلاد الشام كالمركز في قلب الدائرة أوكالنقطة في رحم النون، وحواء تنادي من يصلح بين أولادي ..
إذاً فقد جمّعنا النظام بعقد زواج بعثي، واستقرت الأمة بعدما عانت زمنا من الفوضى السياسية والانقلابات العسكرية، لتعود مجدداً إلى بلوى التسيب والفوضى المستترة بحجاب الحرية، والتي رفعها أصحاب النزعة العثمانية الذين استعادوا واليهم العثماني اليوم في شمال سورية بعد 94 سنة من الانتظار، أي منذ ثورة أهل الشام وسائر العرب المسلمين ضد العثمانيين.. فقد استيقظت الأفعى العثمانية في عبنا بعدما شعرت بدفء ربيع الأفاعي الإخونجية التي كان قد باضها حسن البنا بعد سقوط الخلافة العثمانية بهدف استعادة الخلافة ولكن باسم مموله ابن سعود، بعدما قطع أمله من استعادة تركيا الأتاتوركية التي رفعت طربوشها عن عقلها ولحقت بحداثة الغرب العلماني.. فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي بدأ الغزل الإخونجي الوهابي، حيث مول ابن سعود بناء مقرات الإخونجيين المصريين بعد استضافته للإمام البنا في قصره كما ذكر حسنين هيكل ، ثم حصل التزاوج في الستينيات بعد نزوح قيادات الإخونجيين إلى ديار السعوديين بعد محاولة الإغتيال الفاشلة لعبد الناصر، حيث عملوا على مأسسة القوى الوهابية ووجهوا طاقتها نحو الخارج: بدءاً بالصومال غرباً ومنها إلى سائر إفريقيا، ومن الباكستان شرقاً ومنها إلى كل دول «ستان» الهندية.. واستبدال العروبة بالإسلام «أمة إسلامية واحدة ذات رسالة خالدة».. ولكن للأسف فإن هذي الرسالة ليست من الإسلام في شيء، فقد اقتصر الأمر على موضوعة الجهاد ضد الكفار لتخريج مقاتلين بدلاً من المؤمنين.. وفي هذا الصدد نذكر في سيرة الزعيم إردوغان أنه كان قد سجن بضعة أشهر في تركيا لاقتباسه في خطابه أبياتاً تقول: مساجدنا ثكناتنا /قبابنا خوذاتنا/ مآذننا حرابنا/ والمصلون جنودنا.. وهذا الكلام يؤكده ما ذكرناه من إقدام كل جماعات الإسلام السياسي على عسكرة الإسلام، حيث تم تحويل كل رموزه الروحية إلى أدوات للقتال والعسكرة، بما فيها القباب والمآذن والمصلين!! فمنذ بداية التسعينات زرع السعوديون عبد الله غول وصاحبه رجب طيب إروغان في حزب الرفاه الإسلامي الذي كان يقوده الزعيم آرباكان. إردوغان الذي بدأ تعليمه في معهد ديني وغول الذي عمل في السعودية ببنك التنمية الإٍسلامي، وقد تمكنا من شق الصف في حزب آرباكان المعتدل وخطف القسم المتشدد منه لتأسيس حزبهما «التنمية والعدالة» بهدف تقويض النظام العلماني التركي الذي أسسه مصطفى أتاتورك الأب الروحي لتركيا الحديثة.. ولأن قوتهم في الداخل لا تكفي فقد عولوا على قوى الخارج لإسقاط نظام الداخل، (كما يفعل إخونجيو سوريا) وقد وجدوا في السعودية وأطماعها التاريخية بسوريا ورقة جيدة للبدء بالتحرك على الرغم من العلاقات الممتازة بين دمشق واسطمبول، فكان لابد لقابيل من قتل أخيه هابيل للحصول على امرأته.. وقد وجد أصحاب النزعة العثمانية النائمة ببلاد الشام في إردوغان زعيما عثمانيا مناسبا لقيادتهم ونفض الغبار عنهم، وكان أن رأينا ـ وما صدقنا ـ كيف رفعت صور إردوغان في المظاهرات منذ بداية التمرد بحماة وحمص في الأحياء التركمانية التي بنيت في العهود العثمانية .. وهكذا تداخلت طموحات التيارات الدينية، في تونس وليبيا والسودان ومصر والصومال ومالي فالسعودية فالكويت في رغبة منها للوصل مع تركيا برعاية أمريكية، لولا الفاصل والعازل السوري العراقي اللبناني بينهم، بهدف إنتاج شرق أوسط إسلافي، وهذا أمر محال طالما أن كل الدول المسلمة مرجعيتها ليست بيدها وإنما هي موزعة بين واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبكين، أضف إلى ذلك تعدد الولاءات والمرجعيات للجماعات الإسلاموية، الأمر الذي يجعل من اجتماعها فوق أرض أي دولة مصدراً لدمارها وانتهاء نظامها كدولة معاصرة.. لهذا مازلنا نراهن على الجيش العربي السوري في إفشال هذه المخططات وتقليص حجم العسكرة الدينية بالقضاء على الجهاديين الذين تصدرهم دول العالم إلى أرض سوريا المسلمة مقدمين لهم كل ما يطلبونه من إغراءات المال والجنس والسلاح والدعاية والفتاوى الجهادية المظفرة بهدف التخلص منهم ومن النظام السوري المتمرد على سياقهم سياسياً وإسلامياً.. الجيش الذي يحارب اليوم في أكثر من أربعين جبهة سورية ويواجه استخبارات وجواسيس وقتلة من كل دول العالم طوال عامين ومازال قوياً وفاعلاً مع كل الخيانات التي تعرض لها بحيث تصح تسمية أفراده بأنهم رجال الله الذين خصهم بحماية سوريا من الانهيار والتقسيم.. عاش الجيش العربي السوري الذي سيخلص الأمة العربية والإسلامية من ضباعها المنفلتين من شمال مالي إلى غرب الصين ويعيد الأمة إلى سكة النظام العلماني المعاصر ولو كره العثمانيون ..
هامش: بالأمس زرت قريبي وزوجته الشامية مباركاً لهما بيتهما الجديد بالمزة، وسرني التعايش الطائفي بين كلبه الأبيض وقطة زوجته البيضاء، يأكلان ويلعبان معاً على الرغم من حساسية طائفتيهما التاريخية، أقصد طائفة القطط وطائفة الكلاب.. فالبيت الوسيع يتسع للجميع..
مفارقة: قال لي ابني أن الجيش الحر قد دخل موسوعة غينس في أن عدد كتائبه أكثر من عدد أفراده ...
نبيل صالح
التعليقات
سوري
هل، إن تحوّل الجامع إلى ثكنة،
عفوا
عفوا مرة اخرى
..قبل الأحداث
هل دمشق سوق بنيت له مدينة أم
عفوا مرة اخرى جديدة
عذرا
شكرا
تعصيب
الحق معك
الأستاذ نبيل ،كلامك توصيف
اللعنة السورية
أسئلة دنوية؟متداولة؟
التاريخ عبارة عن اكاذيب
تعليق؟
سقط شهيداً
تخمين : هل هو mmahmoud أو mmahmoudeh?
التاريخ عبارة عن اكاذيب
بيدي لا بيدك يا حمد
رجوع عن الخطأ
إضافة تعليق جديد