مصـر: حيثـما يكـن الاسـتبداد تزدهـر ثقافـة السـخريـة
سخرية من كل شيء، بدءا من حكم الرئيس حسني مبارك، الممتد منذ 30 عاما، وحتى أحوال المرور الجنونية تتجلى في الكتب الساخرة التي باتت تحتل المزيد من رفوف المكتبات في مصر لتعكس إحباط جيل شاب.
ومن بين الكتب التي تحظى بأكثر إقبال «أكيد في حل» الذي يحمل غلافه رسما كاريكاتوريا لمواطن أشعث يميل على صفيحة قمامة و«مصر ليست أمي... دي مرات أبويا». وتظهر العناوين الأخرى أن الرسائل من هذا النوع تلقى في العادة قبولا بين الشبان، مثل «كابتن مصر... البوم ساخر للمراهقين»، الذي يتناول التحديات التي تواجه الشبان في البلاد.
ويقول نقاد أدب إن المنافذ المحدودة للتعبير السياسي، والحملات التي تشنها الدولة على المعارضة، والهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في مصر تذكي الطلب على هذا الأدب الساخر. وقال الناقد الأدبي ربيع مفتاح «كلما كان الحكم شموليا، وكلما كان الاستبداد، كلما زادت روح السخرية. إنه نوع من المقاومة».
ولطالما كان الأدب الساخر من ملامح الساحة الثقافية في مصر، لكنه الآن أصبح تجاريا ومتاحا، خاصة للقراء الشبان من خلال استخدام لغة الشارع المصري. ويرى بعض النقاد أن هذا يجري من خلال الاتجاه إلى مزيد من التهريج.
ولا تنم هذه المعارضة الأدبية عن حركة كبيرة، بما يكفي لتغيير مسار مصر مع اقترابها من إجراء انتخابات، من غير المتوقع أن يواجه فيها «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم أي تحد يذكر، لكنها قناة إضافية للمعارضة. ويقول نبيل عبد الفتاح، من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، «حتى هذه اللحظة قلة من هذه الأعمال تحاول بلورة توعية سياسية أو اجتماعية»، مضيفا «لن يكون لها تأثير قوي في الفترة المقبلة».
وبالنسبة للحكومة ينطوي هذا المنفذ الثقافي الانتقادي على تهديد محدود، لأن 30 في المئة من السكان أميون، إلى جانب أن قراءة الكتب ليست منتشرة بين الجموع. وتقول الأمم المتحدة إن خمس المصريين يجنون أقل من دولار في اليوم. وتشير دار الكتب إلى أن مصر، التي ينظر إليها على أنها مركز ثقافي في العالم العربي، نشرت نحو 20 ألف كتاب في العام 2009، بينما نشرت بريطانيا نحو 130 ألف كتاب في العام ذاته.
ويقول نقاد أدب وكتاب إن المناخ السياسي في البلاد يوفر أرضا خصبة لنمو الأدب الساخر. ويصف المؤلف والكاتب في صحيفة «المصري اليوم» بلال فضل الحياة السياسية «بأنها نكتة كبيرة، وأقرب إلى مسرح العبث».
ويحفل تاريخ مصر بكتاب الأدب الساخر. ومن بين اكبر الأسماء احمد رجب ومحمود السعدني، واشتهرا بتعليقاتهما الاجتماعية والسياسية الفكاهية. وأضاف فضل «إنك تتعامل مع شعب السخرية القوية والجادة، وأحيانا الجارحة. هي طريقته في الحياة».
لكن السخرية اخترقت الآن أيضا الثقافة الشعبية من كتب وموسيقى وأفلام، غير أن نقادا يقولون إنها انحدرت أحيانا إلى مستوى التهريج الذي يجتذب جمهورا يبحث عن راحة سهلة من خلال الكوميديا. ويرى الصحافي احمد ناجي (25 عاما) أن معظم الكتابات الساخرة ليست أدبا، وإنما تجميع لملحوظات قصيرة ساخرة. واشتكى من أن الأعمال الجديدة عادة تنتقد من دون توجيه دعوة إيجابية للشبان، حتى يتحركوا حتى إذا كانت تجذبهم للكتب.
وتذكي الهوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء هذه النوعية من الأعمال في مصر، حيث يعيش الأثرياء وراء بوابات المجمعات السكنية التي تقدم دورات في تعليم رياضة الغولف وحمامات سباحة في الضواحي بعيدا عن المناطق العشوائية في القاهرة. وفي كتابه «يا عيني يا مصر... رؤية ساخرة» يقول الكاتب نبيل فاروق إن الأطفال يشاركون في انتفاضة المقاومة الداخلية، من خلال تمزيق مقعد في حافلة للنقل العام أو خدش سيارة فاخرة في الشارع.
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد