مشاكل تربية النحل وضعف استثماره في سورية

10-03-2008

مشاكل تربية النحل وضعف استثماره في سورية

ما ان تفكر بكتابة تحقيق صحفي عن تربية النحل حتى تكتشف أنك أمام معضلات كثيرة، وأن المعلومات والاحصائيات التي تقدم لك متضاربة ومختلفة فيما بينها إلى حدٍ بعيد.

ويعكس ذلك حقيقة أن المربين والمهتمين لا ينضوون جميعاً في إطار تنظيمي موحد يجمعهم رغم وجود جمعيات مختلفة ولجان نقابة المهندسين وغرف الزراعة. ‏

ورغم ذلك فإن هناك بعض النقاط التي يمكن الاجماع عليها وأولها وأهمها ضرورة النهوض بهذا النشاط الزراعي المهم الذي يقدر بعضهم حجم مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي بأكثر من مليار ونصف المليار ليرة سورية. ‏

وتعتبر تربية النحل من الانشطة الزراعية القديمة في سورية، لكنها الان تعاني من مشاكل ومعوقات كثيرة تحول دون تطويرها ونموها. ‏

ورغم وجود دراسات نظرية كثيرة حول واقع تربية النحل فإن الواقع يدل على ان امكانية الاستفادة من هذه الدراسات محدودة وأن سورية تحتاج فعلاً الى دراسات ميدانية والى فرق عمل متخصصة ترصد واقع تربية النحل ومشكلاته. 
 في التحقيق التالي إطلالة سريعة على واقع تربية النحل في سورية والمشكلات والمعوقات التي تحول دون تطوير هذا النشاط ودون الارتقاء به الى المستوى المطلوب. ‏

‏ قدمت لنا وزارة الزراعة بعض المعلومات الهامة حول تربية النحل ورغم ان الاحصائيات المتوفرة قليلة لكن يمكن توضيح بعض الأمور. ‏

لدينا في سورية وفق المعلومات المستقاة من الوزارة 26 مركزاً للنحل موزعة في المحافظات السورية، وقد رصد لهذه المراكز 35 مليون ليرة سورية في الموازنة العامة وقد كلفت هذه المراكز بانتاج طرود نحل محسنة وبيعها للمربين بأسعار مناسبة. ‏

وقد أوضح لنا السيد ابو الخير حنفي ان استيراد النحل الاجنبي منع اعتباراً من عام 2007 بناء على اقتراح من لجنة تحسين النحل السوري وقد اقترحت اللجنة المنع ووافق وزير الزراعة على ذلك بهدف الحفاظ على التماثل الوراثي للسلالة السورية، لكن استيراد العسل مسموح اذا التزم المستورد بالمواصفة القياسية. ‏

ويبدو مثل هذا الأمر مضحكاً فمنع استيراد ملكات النحل هو ضرب من الجنون، إذ يكفي صندوق صغير لجلب ملكة وعدد من العاملات وقرار المنع هو بمثابة مكافئة للمهربين وانه في واقع الحال عديم الجدوى. ‏

وسألنا السيد حنفي عما اذا كانت تربية النحل تحتاج الى ترخيص من الوزارة فأجاب بالنفي لكن يشترط أن يسجل المربي في إحدى الجمعيات الثلاث الموجودة في سورية. ‏

وللعلم فلدينا جمعيات لتربية النحل ترتبط بمكتب الثروة الحيوانية في اتحاد الفلاحين ولدينا لجنة لمربي النحل تتبع لغرف الزراعة ولدينا لجنة للنحالين السوريين تتبع نقابة المهندسين الزراعيين. ‏

وأوضح لنا السيد مازن دعبول أحد أكبر مربي النحل ومسوقي انتاجه ان هناك فرعاً سورياً لاتحاد النحالين العرب، وقد عقد هذا الفرع مؤتمراً للنحالين السوريين قدمت خلاله ابحاث علمية هامة وشكل ملتقى مهماً للنحالين والمربين والمسوقين والمهتمين بهذا القطاع. 
 يبلغ عدد مربي النحل في سورية وفق تقديرات أولية حوالي 30 ألف مرب وبعضهم يقول ان الرقم الفعلي أقل بكثير، ومعظمهم يربونه كهواية دون أن يتم وفق اسس علمية وفنية صحيحة. ‏

وتقدر وزارة الزراعة عدد خلايا النحل في سورية بأكثر من 500 ألف خلية في عام 2006 منها حوالي 385 ألف من الخلايا الحديثة و116 ألف من الخلايا القديمة. ‏

وتتركز تربية النحل وفق معلومات الوزارة في ريف دمشق 87 ألف خلية وادلب 78 ألف واللاذقية 60 ألفاً وحماه 51 ألفاً. ‏

بغية الوقوف على أصناف وسلالات النحل وانتاجها كان لنا لقاء مع الدكتور علي البقاعي الاستاذ في كلية الزراعة ورئيس لجنة صحة النحل في وزارة الزراعة، وقد قدم لنا شرحاً مفصلاً عن واقع تربية النحل في سورية، مشيراً الى أن معظم المناحل في سورية هي مناحل غير متخصصة بمعنى أن العاملين فيها ليسوا من المحترفين وفي هذه المناحل يعمل أصحابها فقط وان عدد المناحل التي يعمل بها متخصصون لا تزيد على 3% من اجمالي المناحل، ومعظم مربي النحل هواة ويمارسون هذا العمل كنشاط اضافي وهامشي إضافة الى انشطتهم الاخرى. ‏

كما اننا نفتقر الى مناحل متخصصة، فاليوم هناك مناحل متخصصة بانتاج الملكات من سلالات معينة وأخرى بالغذاء الملكي وأخرى بالطرود وهكذا... ‏

أما السيد مازن دعبول فتحدث الينا عن ضعف التأهيل لدى المربين وهناك حاجة فعلية لإيجاد نحالين مؤهلين، والفرق بين الاثنين هو فرق في الإدارة بالدرجة الأولى والنحال المؤهل يعد منحله في الوقت المناسب ويكون مستعداً للموسم بخلاف المبتدئ الذي يجعل نحله يتطور في الموسم ويضيع موسماً كاملاً ليقوى نحله ومن ثم لا يجد مناحل وتتدنى إنتاجية نحله، أضف إلى ذلك أن المؤهل في هذا القطاع يستطيع اكتشاف الامراض بسهولة أما غير المؤهل فيموت معظم نحله بسبب وجود الامراض. ‏

‏ ويتحدث الدكتور البقاعي عن المعوقات والصعوبات التي تواجه مربي النحل ويشرح لنا باستفاضة عن الامراض التي تفشت في خلايا النحل في سورية مسببة أعداداً هائلة من الوفيات قدرت في عام 2006 بأكثر من 30% وفي العام الماضي تم الكشف على 30% من المناحل ووجد أن نسبة الوفيات مرتفعة للغاية وان بعض المناحل فقدت 50% من النحل في حين فقدت مناحل أخرى 10% وأضاف ان اكثر من 90% من المربين فقد مالايقل عن 10% من النحل وقال ان معظم المناحل تجاوزت الحد الأدنى الاقتصادي الحرج وهو 5 خلايا. ‏

وقال ان النحل السوري مصاب بأمراض معروفة ويجري العمل على معالجتها وهي: ‏

1ً ـ آفة الفاروا: وهو طفيل يعيش على النحل وحضانته ويضعف الخلية وقد يميتها في فترة 2 ـ 3 سنوات ويعالج إما بمواد طبيعية مثل حمض النمل وبعض الزيوت والمستخلصات النباتية أو كيميائية كالمبيدات وهو منتشر بشكل رئيس في الساحل السوري. ‏

2ً ـ الحضنة الاميركي وهو مرض سببه بكتيريا تصيب حضنة النحل وتقتلها ما يضعف الخلية وينهيها وهو مرض سريع الانتشار ويكافح بمواد طبيعية وبالصادات الحيوية وأحياناً نضطر لإبادة الخلايا المصابة ونسبة انتشاره تتزايد في سورية ونسبة الاصابة تصل الى 1 ـ 2% من الخلايا. ‏

3ً ـ تكلس الحضنة وهو مرض فطري موجود في المناطق الرطبة وهو يسبب مشكلة في الساحل لكن يمكن السيطرة عليه بادارة سليمة للخلايا. ‏

4ً ـ النوزيما واسهالات النحل بسبب وحيدات الخلية وينتشر في المناطق الملوثة وقد بدأ بالانتشار منذ سنتين وهذا المرض تسهل السيطرة عليه بالادارة السليمة ‏

5ً ـ واخيراً هناك امراض فيروسية غير مشخصة ولا تتوفر الثقافة المطلوبة لتشخيص هذه الامراض وتفتقر الى مختصين فيها. ‏

وتسعى لجنة صحة النحل التي تضم رئيس اللجنة إضافة إلى أربعة أطباء ورئيس شعبة النحل في الوزارة الى الكشف عن هذه الأمراض عبر الزيارات المتكررة للمناحل بهدف تشخيص الامراض ومعالجتها. ‏

‏ تقدر وزارة الزراعة انتاج المناحل في سورية بـ 2400 طن من العسل و92 طناً من الشمع العسلي عام 2006. لكن بعض المربين شكك في ارقام وزارة الزراعة وقال إن الرقم أقل ويقول الدكتور البقاعي ان انتاجية النحل السوري لأسباب كثيرة متدنية وهي بحدود 5كغ للخلية سنوياً وهو رقم منخفض جداً. ‏

وأضاف: حصلنا على انتاجية بين 12 ـ 16 كغ للخلية سنوياً في منحل كلية الزراعة، لكن هذا الرقم أيضاً منخفض وأنا اعددت دراسة عن واقع تربية النحل في الوطن العربي ولاحظت ان الانتاجية في الجزائر مثلاً هي بين 20 ـ 25 كغ للخلية الواحدة سنوياً. ‏

وجواباً على سؤال عن اسباب انخفاض الانتاج يقول السيد مازن دعبول إن هناك اسباباً كثيرة ساهمت في تراجع الانتاج واهمها: ‏

أولاً: الظروف الجوية السيئة التي مر بها القطر. ‏

ثانياً: انتشار بعض الامراض على نطاق واسع وتسببها في موت اعداد كبيرة من النحل ‏

ثالثاًَ: تراجع المراعي المناسبة ما يؤثر على حجم الانتاج وفي بعض الحالات لا يغطي نفقاته. ‏

إضافة إلى عوامل أخرى. ‏

ونحن أفضل السلالات يقول الدكتور البقاعي هناك سلالات كثيرة من النحل، لكن معظم المربين يربون في سورية السلالة المعروفة بسلالة النحل السوري وتنتشر تربيتها على نطاق واسع في سورية ولبنان والاردن والعراق وفلسطين وهي سلالة قديمة ومستوطنة في المنطقة وتتميز بقدرتها على التأقلم مع الظروف الجوية المحلية وبأنها مقاومة للأمراض والآفات بشكل متميز ‏

وتحتاج هذه السلالة الى تأصيل ولا يوجد مختص واحد إلا ونادي بتأصيل هذه السلالة. ‏

وقد حصلت تشرين على بعض المعلومات حول مشروع تطوير النحل التابع لوزارة الزراعة والاصلاح الزراعي وهو مشروع هدف الى انهاء العمل بالطرق القديمة لتربية النحل لأنها غير اقتصادية ونشر الطرق الحديثة ذات المردود الاقتصادي، إضافة إلى تحسين السلالات المحلية لرفع انتاجيتها من العسل والتوسع بتربية النحل. ‏

لكن المشروع الذي انطلق في البداية تعثر على ما يبدو لاحقاً بسبب ضعف التمويل. ‏

ويقول الدكتور البقاعي ان المشكلة الرئيسية هي ضعف التمويل بالدرجة الأولى لأن أي مشروع لتأصيل النحل مكلف جداً ويحتاج الى توفر العناصر التالية: ‏

1ً ـ محمية طبيعية أو منطقة معزولة ‏

2ً ـ وسائل مواصلات واتصال ‏

3ً ـ فريق عمل فني متدرب ‏

4ً ـ عمالة خاصة مدربة ‏

وتتم عملية التأصيل عبر عمليات انتخاب مستمرة. ولا يوافق الدكتور البقاعي على استخدام الخبراء الاجانب كما حصل في الماضي ولا على التمويل الاجنبي لأنه يرى ان المشروع يجب ان يكون وطنياً 100% ‏

ولا تقل التكاليف الأولية عن 50 ـ 100 مليون ليرة سورية لمشروع كهذا يفترض أن يطور نفسه. ‏

ولا تجد تربية النحل من يستثمر فيها بسبب ضعف العائد والارباح قياساً بالانشطة الاقتصادية الاخرى، ولم يدخل كبار المستثمرين في هذا المجال لأن مشاكله هي مشاكل الزراعة نفسها كالطقس والمطر والبرد والظروف الجوية المتقلبة، إضافة الى ضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري الذي لا يتعدى وسطي استهلاكه السنوي من العسل 100 غ مقارنة بـ 2 كغ في تركيا وهي بلد مجاور لنا. ‏

وعن اسباب عدم تطور التربية يقول: لا مجال للتطوير لأن مواسم الرعي في سورية محددة تقريباً مقارنة بـ 9 أشهر في استراليا كما أن الحيازات قليلة والنحل يتطلب حيازات واسعة. ‏

ونلحظ أن الحملة النحلية أو الرعوية (عدد الخلايا في الهكتار الواحد) مرتفعة وفي بعض الحالات 50 ـ 100 في الهكتار (في اليانسون) في حين يفترض ألا تتجاوز /4/ خلايا في الهكتار. ‏

السيد مازن دعبول اشار من ناحيته الى ضرورة النهوض وتنظيم المهنة اذا اردنا لهذا النشاط أن يرتقي وأضاف انه زار معظم الدول المربية للنحل في العالم ولاحظ ان معظم المربين مؤهلون ومعدون اعداداً سليماً. ‏

وحول استيراد منتجات النحل قال ان استيرادها مسموح وان وزارة الز راعة هي المعنية بإعطاء الموافقات ونوه الى صعوبة اكتشاف العسل الجيد من قبل المستهلك العادي. وان السوق السورية تتوفر فيها منتجات من كافة الدول. ‏

وتبين دراسة اعدتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن الوطن العربي بمجمله يفتقر الى محطات تربية قياسية مناسبة ومؤهلة وان المحطات المؤهلة قليلة جداً وان الوطن العربي بمجمله مستورد للعسل ولمنتجات النحل وان حجم الاستيراد يصل الى 16 ألف طن معظمها يذهب الى دول الخليج العربي. ‏

جهاد النعسان

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...