مستقبل الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو

11-08-2009

مستقبل الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو

الجمل:   سعى الأمريكيون كثيراً لإبعاد موسكو عن طهران.. وبالمقابل سعى الإيرانيون كثيراً لإبعاد موسكو عن واشنطن، وتشير المعلومات إلى أن موقف موسكو القادم إزاء طهران، هو الموقف الحاسم لتحديد مصير سيناريوهات استهداف ايران التي يخطط لتنفيذها محور واشنطن- تل أبيب.
• اختبار التخمينات الاستخبارية الجارية:
شهدت العاصمة الروسية موسكو خلال الفترة الأخيرة، زيارتين هامتين لجهة تحديد مصير البرنامج النووي الإيراني.. الأولى تمثلت في زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وما ترتب عليها من تفاهمات أوباما- ميدفيديف غير المعلنة حول إيران، والثانية زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى موسكو وما ترتب عليها من تفاهمات نجاد- ميدفيديف غير المعلنة حول إيران.
على خلفية هذه التحركات الدبلوماسية، جاءت العديد من التخمينات الاستخبارية، والتي برغم الخلافات والتباينات، فقد سعت إلى التأكيد على ثلاثة حقائق محورية، تتمثل في الآتي:
- الحقيقة التخمينية الأولى: مازال البرنامج النووي الإيراني بعيداً عن إنتاج القنبلة النووية الأولى، ولكن من الممكن أن تقوم طهران بتنفيذ تجربتها التفجيرية الاختبارية الأولى خلال فترة وجيزة.
- الحقيقة التخمينية الثانية: بدأت توجهات السياسية الخارجية الإيرانية تتراجع من تبني المواقف المتشددة باتجاه تبني المواقف المعتدلة، وذلك بسبب الضغوط الأمريكية والأوروبية التي نجحت في إخضاع طهران لعزلة دولية- إقليمية جزئية.. الأمر الذي أدى إلى دفع دوائر صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الإيرانية إلى التصرف بحذر مخافة أن يتصاعد رد الفعل الأمريكي والغربي باتجاه فرض المزيد من العقوبات الدولية المتعددة الأطراف والشاملة على غرار نموذج العقوبات الدولية التي سبق أن تعرض لها نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
• الحقيقة التخمينية الثالثة: تتعامل موسكو بحذر مع الملف النووي الإيراني، فمن جهة تدرك موسكو بأن صعود  قوة إيران سوف يدعم جهود موسكو إزاء منطقة آسيا الوسطى، ومنطقة القوقاز، ومنطقة الخليج.. مما يردع تمدد نطاق خطر التهديد الأمريكي، ومن الجهة الأخرى تدرك موسكو بأن التمادي في دعم القدرات النووية الإيرانية قد يؤدي إلى تحول الأوروبيين الغربيين باتجاه المساندة القوية لواشنطن، ما يترتب عليه بناء تحالف أمريكي- أوروبي غربي ليس ضد إيران وحسب وإنما ضد موسكو أيضا، وبالتالي تفقد موسكو فرصة بناء الروابط مع بلدان غرب أوروبا وهي الروابط التي تراهن عليها موسكو باعتبارها الوسيلة الناجحة لجهة إبعاد دول الاتحاد الأوروبي عن دائرة الهيمنة الأمريكية.
يرى العديد من الخبراء بأن فرصة إيران أصبحت حقيقة طالما أن ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني أصبحت أيامه محدودة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما الأخيرة.. والتي تزامنت معها تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، والتي أفادت من خلالها بأن واشنطن تدرك جيداً بأن المفاوضات مع إيران سيكون مصيرها الفشل وبأن واشنطن قد أعدت العدة لجهة المضي قدماً في مخطط عدم السماح لإيران بامتلاك القدرات النووية.
• خارطة طريق موسكو القادمة:
تقول التسريبات الأخيرة، بأن أحد الأهداف غير المعلنة، والفائقة الحساسية لزيارة أوباما للعاصمة الروسية موسكو هي: توتير علاقة ميدفيديف- بوتين.. مما يترتب عليه إشعال الخلافات بين مؤسسة الرئاسة الروسية ومؤسسة رئاسة الوزراء الروسية، ثم بعد ذلك السعي لنقل عدوى هذه الخلافات إلى البرلمان الروسي والحزب الحاكم.. وصولاً إلى توتير الرأي العام الروسي وأشارت التسريبات إلى الآتي:
- ترغب موسكو في ابتعاد واشنطن عن دعم أوكرانيا ودعم جورجيا.
- ترغب واشنطن في ابتعاد موسكو عن دعم إيران.
تقول التسريبات، بأن تفاهم أوباما- ميدفيديف كاد أن يحقق النجاح، ولكن الثعلب الماكر بوتين تصرف كما يتصرف لاعب الشطرنج الماهر وذلك عن طريق القيام بالتحركات الآتية على رقعة شطرنج المسرح الدولي.
- زيادة الحشود العسكرية وعمليات التعبئة الحربية في منطقة القوقاز الشمالي المواجهة للحدود الجورجية- الروسية، إضافة إلى تعزيز قدرات القوات الروسية المتمركزة في إقليمي أوستيا الجنوبية وأبخازيا الجورجيين.
- تصعيد التحركات العسكرية في المناطق القريبة من أمريكا وحلفاءها الغربيين الرئيسيين، منها تصعيد عمليات تحليق الطائرات الحربية الروسية في أجواء القطب الشمالي، وإنزال بعض عناصر القوات الخاصة الروسية في مناطق القطب الشمالي، ثم إرسال الغواصات الاستراتيجية الروسية إلى المناطق القريبة من سواحل أمريكا الغربية.
لم تؤدي تحركات بوتين لإجهاض أحد أهم أهداف زيارة أوباما لموسكو.. وإنما أدت إلى رفع مخاوف واشنطن إزاء احتمالات أن يؤدي التمادي الأمريكي في استهداف روسيا إل نجاح موسكو في تحقيق الآتي.
- إبعاد ألمانيا عن واشنطن، ثم بعد ذلك تعزيز الروابط الاقتصادية الروسية- الألمانية بما يفسح المجال  لإبعاد ألمانيا عن بقية بلدان الاتحاد الأوروبي.. والخطر الأكبر سيتمثل في أن بقية دول الاتحاد الأوروبي لن تستطيع فك الارتباط مع الاقتصاد الألماني النافذ القوة في أوروبا..وبالتالي سوف لن يكون أمام هذه الدول سوى اللجوء لخيار السير وراء قاطرة الدبلوماسية الألمانية الداعمة لدبلوماسية موسكو، وهذا معناه مفارقة دبلوماسية الاتحاد الأوروبي لدبلوماسية واشنطن.
- تكثيف الدعم الروسي للقدرات النووية الإيرانية، إضافة إلى ضم إيران بشكل نهائي لعضوية منظمة تعاون شنغهاي، وهو الأمر الذي سيقضي بشكل نهائي على تفعيل أي عقوبات دولية ضد طهران، إضافة إلى الإفشال التام لسيناريو الضربة العسكرية ضد إيران.
وعموماً، ليس أمام موسكو سوى خارطة طريق واحدة وهي من جهة اعتماد السلوك المعلن لجهة التعاون مع المجتمع الدولي من أجل عدم السماح لطهران بامتلاك القدرات العسكرية النووية.. وفي الوقت نفسه ومن الجهة الأخرى اعتماد السلوك غير المعلن لجهة مساعدة استراتيجية كسب الوقت التي تطبقها طهران حالياً.. وتأكيداً على ذلك فإن المطلوب من الثنائي ميدفيديف- بوتين إن يقوم أحدهما بدور الصياد الذي يتقن الصيد في المياه العكرة، وفي الوقت نفسه يقوم الأخر بدور لاعب الشطرنج الماهر الذي يجيد الخداع الاستراتيجي والتكتيكي عن طريق تحريك القطع وراء الخطوط!!.

الجمل: قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...