سعاد جروس تكتب عن وزير نقلنا إلى الآخرة
الجمل ـ سعاد جروس : ما يشبه أو يذكر بالصيغة الإذاعية لتلاوة البلاغات الرسمية المهمة والتي تبدأ بـ«وردنا للتو البيان الآتي» نشرت بعض الصحف المحلية يوم 12 حزيران /يونيو الخبر الآتي: «بناءً على ما تقرر في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 29/5/2007 أصدر وزير النقل تعميماً يطلب فيه إلى كل الجهات والمؤسسات التابعة للوزارة تعميق التواصل الدائم مع المواطنين وتكثيف اللقاءات المباشرة والاجتماعات الميدانية معهم وبحث قضاياهم وحل مشكلاتهم وهمومهم اليومية والعمل على معالجتها الفورية وتأمين متطلباتهم الأساسية وحاجاتهم الخدمية والاجتماعية والاستمرار في تعزيز الجاهزية الحكومية لأعلى درجاتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين الجاهزية الكلية لمواجهة أي ظرف طارئ». ولولا قناعتنا بأن وزير النقل وأعضاء الحكومة الأشداء كافة هم من عصبة الجادين جداً على الرغم من خفة ظل تعاميمهم, لخلنا أن الخبر أعلاه زاوية ساخرة في إحدى صفحاتنا الصحفية الخدمية, إذ يكفي لأي كاتب خفيف الظل أن يضع توقيعه الميمون بأسفل الخبر دون أي تعليق, لتنتقل تلك السطور بكل جدارة من باب «الأخبار الرسمية» جداً إلى باب الزوايا الساخرة, لتبز بطرافتها وظرافتها, السخرية الباردة وفق المدرسة الإنكليزية, لكن على النمط السوري, وبذلك يحق لنا التباهي بكل ثقة بمدرسة «التقريق السوري».
ولمزيد من الإيضاح والتوضيح لنأخذ مثلاً تعبير «تعميق التواصل» فهو ليس كما يتبادر الى الذهن للوهلة الأولى تعبيراً عن تواصل بين المواطنين والمسؤولين عن قطاع النقل وهنا مكمن التقريق الحاذق وإنما هو تورية يقصد بها تكثيف اللقاءات بين المواطنين وعزرائيل, حيث إن تعميم الوزير صدر بعد شهر من اجتماع الحكومة الذي لقي خلاله عشرات من المواطنين وجه ربهم في حوادث سير مروعة.
بقراءة سريعة لأخبار الحوادث في صحفنا نتلمس حجم الظرف واللطف في تعميم وزير نقلنا إلى الآخرة زرافات وحدانا, واليكم أمثلة هي غيض من فيض مما نشر في الأيام القليلة الماضية:
10 حزيران /يونيو: توفي نائبان في مجلس الشعب, وأصيب آخران في حادث أليم على طريق حلب دمشق. في اليوم نفسه, توفيت شابة إثر تدهور سيارتها الجديدة «شفروليه» على أوتوستراد / بيروت دمشق/.
11 حزيران, تعطلت مكابح جبالة اسمنت آتية من جبل قاسيون باتجاه مستشفى الأطفال فصدمت 13 سيارة سياحية عامة وخاصة, وأصيب ستة أشخاص.
12 حزيران, قتل عشرة أشخاص على الأقل, وأصيب أكثر من 31 آخرين بجروح وكسور وبتر بالأطراف في تحطم حافلة نام سائقها على أوتوستراد دمشق حمص. في اليوم نفسه, اصطدمت ثلاث سيارات شاحنة مع آلية زراعية «حصادة» على الطريق العام حمص طرطوس مما أدى إلى وفاة سائق إحدى السيارات.
قبل هذه الحصيلة المرعبة بأيام, أقلقت البلاد والعباد أخبار عن حوادث ناجمة عن خلل فني, حولت سيارات «فيرنا» إلى توابيت موقوتة, من تلك الأخبار:
مقتل خمس مواطنات حلبيات بحادث اصطدام سيارة هيونداي فيرنا موديل2006 بمقود كهربائي على أتوستراد حلب دمشق. ثم خبر عن تلك السيارات: بات من المعروف أن سيارة الفيرنا الأكثر انتشاراً في الشوارع السورية وتحديداً موديل 2006 تحولت إلى سيارة تحمل الرعب لأصحابها فمقودها قد يغلق في أي لحظة واضعاً السائق أمام مصير مجهول.
خبر توضيحي تبرعت به أكثر من صحيفة وموقع الكتروني: نفت الشركة التجارية المفوضة بأعمال الوكيل الحصري لشركة هيونداي الكورية أن تكون سيارات فيرنا موديل 2006 المباعة من قبلها, تحوي أي خلل فني مع العلم, وحسب مصادر الشركة قد تم حتى نهاية السادس من العام الماضي 2006 استبدال أجهزة مقود لأكثر من /60/ سيارة فيرنا!!
سؤال على الهامش: كيف تنفي الشركة وجود أي خلل فني, ثم تقول إنها أصلحت 60 مقوداً؟ طبعاً لم يتوقع أي من المتضررين من تلك السيارات أن تبادر حكومتنا إلى تحصيل حقوق مواطنيها من الشركة الأم, وليس فقط من المستوردين, لأن حكومتنا لا تحب الخروج عن سياسة تطنيش المواطن وتهميشه, بارتكاب سابقة غير مضمونة النتائج بمحاسبة المتلاعبين بالأرواح, من التجار المحليين أو الدوليين, حرصاً منها على سلامة اقتصاد السوق الذي تريده ان يبقى مفتوحاً للبلع والتبليع, فهي لم تصدق بعد كيف تمكنت من فتحه, كما وأنها كحكومة حريصة على الأعراف والتقاليد, تربأ بنفسها وهي الواثقة ثقة عمياء بتجارها البررة عن العمل في إصلاح الطرقات, ومنع الحصادات والجبالات والجرافات والشاحنات من استباحة الشوارع والأزقة, ومراقبة منح رخص السير, وتطبيق القانون على شركات النقل التي توكل القيادة لسائقين لا تتطلب منهم الكثير من الخبرة, لأنها أي حكومتنا هي أولاً وأخيراً حكومة رؤومة, تعتقد أن قطع الأعناق أرحم من قطع الأرزاق, فحتى عزرائيل تتجنب أن تقطع رزقه. فهل هناك سخرية أشد مرارة من هذا الواقع الذي زادت فيه حوادث السير خلال خمس سنوات بنسبة 85 %!! اللهم سوى تعميم وزير النقل لتعزيز «الجاهزية الحكومية لأعلى درجاتها», ربما لزيادة النسبة إلى 100%. كون حكومتنا مغرمة بزيادة النسب والأرقام كدليل لا يقبل الشك على حجم إنجازاتها العظيمة... أما نحن فليسترنا الله منها ومن أرقامها ومن تعاميم وزرائها الأفاضل.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد