سعاد جروس: افتحوا الأبواب

17-02-2007

سعاد جروس: افتحوا الأبواب

الجمل- سعاد جروس:  أحياناً كثيرة ينتابنا الشعور بالزهق من أسلوب النق المعشش في أحاديثنا, وكأنه قدر يلغو بنا, ولا مفر منه لنا نحن المحكومين بالخيبات المملة, فحتى النكات والمزاح باتا نقيقاً متواصلاً, فلا باب يفتح على جهة القبلة, ولا شيء يسر الخاطر, أو يرطب جنبات الروح اليابسة, فالأخبار ما تفتأ تتوارد من كل حدب وصوب لتكرس الإحساس بالإحباط واليأس من قيامة جديدة لبني العرب, إزاء مثابرتهم العنيدة وبكل إصرار على المضي قدماً إلى الخلف, تتناهشهم الهزائم وينهشون لحم بعضهم بعضاً... حتى عيد «الفالنتين» الذي ساقه إلينا اقتصاد السوق المعولمة, صادرت فرحته حفلات الردح السياسي في ساحات الجوار المفتوحة على الحروب الأهلية, وادعاءات الطهارة الكاذبة في زمن العهر الفضائي الخارق للوجدان. أصبح كل شيء يدعو للتجهم والقنوط, نراهما مخيمين على وجوه الجميع, اللهم إلا السادة المسؤولين دامت بركاتهم, بعدما احتكروا التفاؤل, وراحوا يصدرونه للمحتاجين مغلفاً بقرارات «أخو أختها» تقلب حياتهم من جنب الى جنب, وبالأحرى رأساً على عقب, ليعيشوا في تشاؤل دائم, يبقيهم تحت خط الأمان, فلا هم سعداء فرحون ولا بؤساء حزينون, وإنما على الخط الفاصل متشائلون؛ في حالة انتظار دائم. لكن, ولكسر هذا الروتين المجحف, أي من باب حفظ هذا النوع المتشائل من الانقراض قبل الأوان أن ينقرض, كذلك التنويع على عزف أصبح منفرداً ومتفرداً, لا مناص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاستعانة بنظرية الكؤوس السورية من مسؤولينا الأكارم, والتي غالباً ما يطالبون صحفيينا المحبطين بتطبيقها في كتاباتهم, وذلك بتركيز أنظارهم الحسيرة على النصف الممتلئ من الكأس.
ولقد حاولت الأخذ بهذه النظرية لدى مشاركتي كمحاضرة في ملتقى الشباب العرب المنعقد في عمان الأسبوع الماضي, بدعوة من مركز الإعلاميات العربيات, فأفلحت النظرية وأصابتني بالبهجة والحبور, بل بالفخر والاعتزاز بشباب سوريا الحيوي ممثلين بشاب وشابة يتمتعان بذكاء وثقافة ودماثة جعلت من الوفد السوري على الرغم من قلة عدده حاضراً بقوة وتميز. وقبل الحديث عن مشاركتهما الداعية إلى الفخر, لا بد من الإشارة إلى سبب قلة عدد الوفد السوري الذي اقتصر على علا صالح طالبة الأدب الإنكليزي ورشيد عطوان طالب الحقوق, فقد دُعيت أيضاً مايا جاموس ولبنى عزاوي, إلا أن منع مايا من مغادرة البلد عند الحدود السورية جعل لبنى تقرر العودة معها إلى دمشق رغم تحضيرهما لورقتي عمل بذلتا فيهما جهداً كبيراً, ولم يعوض عن هذه الخيبة سوى إصرار علا على ظهور يليق بثقافتها واجتهادها, بين وفود جاءت من عدة دول عربية €لبنان ­ فلسطين ­ العراق ­ مصر­ السعودية ­ سوريا بالإضافة إلى الأردن€. أما رشيد فأعطى مثالاً رائعاً للشاب السوري المحنك اللطيف, فأجاد توصيل أفكاره دون صدامات عنيفة وحوارات عقيمة. وتحدثا بطلاقة عن تجربتيهما في العمل التطوعي, واثبتا أن هذا العمل كان مجدياً وبدأ يؤتي ثماره في عملية التغيير الاجتماعي. فقد عرضت علا تجربتها من خلال موقع «نساء سوريا» في شن حملة ضد قانون ما يعرف بجرائم الشرف, وكيف تم جمع تواقيع على عريضة تطالب بتغيير المادة المتعلقة من قانون العقوبات, وتحشيد الرأي العام وانتهى إلى دراسة الحكومة تعديل هذه المادة.
أما رشيد فتحدث عن تجربته مع جمعية تنظيم الأسرة في نشر التوعية الجنسية وما يصطلح عليه بتثقيف الأقران للحد من انتشار الأمراض الجنسية ومكافحة الأيدز, وكيف تم التمكن من دخول المدارس ومناقشة هذه الموضوعات الحساسة مع التلاميذ والمعلمين معاً وكسر حاجز الحظر المضروب حول موضوع الجنس الذي يمنع المعلمين في كثير من الأحيان شرح درس التكاثر للأولاد. وأكد رشيد أنه ورغم الصعوبات التي واجهتهم تمكنوا من إقناع الكثيرين باتباع وسائل الوقاية الصحية.
ومع أن موضوعات السياسة كانت طاغية على أجواء الملتقى, وهيمنت على الشباب بين نقاش وآخر, بل واستجرتهم إلى ساحات التناطح وشد الشعر, إلا أن المشاركة السورية تمكنت من خلال تركيزها على عرض تجارب حية واقتراح وسائل جديدة للتغيير في المجتمع, بعيداً عن ندب الحظ العاثر الذي خلقنا في هذه البقعة النقاقة من العالم, وأعطت بشكل غير مباشر صورة عن فعالية الشباب السوري وإمكاناته اللامحدودة وطموحاته التي لا يعطلها سوء تدبير الحكومة ولا سياسة اقتصادية تشطبهم من سلم أولوياتها.
بهذا الحضور الجاد نفتح عيوننا على شباب يصر على الحياة والعمل, ويحفر بأظافره مكاناً له تحت الشمس, مع أنهما اثنان من مجموعة كبيرة, كل فرد فيها يسعى ليكون الأفضل رغم أنف الواقع. هذا ما يدعى بالجيل الجديد, جيل احتضنه الانترنت بكل حب وفتح أمامهم آفاق التواصل, فطوروا مهاراتهم واكتسبوا معارف جديدة لينطلقوا إلى العالم مبشرين بسوريا الفتية الواعدة, إنهم لبنى ومايا وعلا ورشيد وملهم سباعي ورانية عباس... إلخ, شباب نتمنى لهم أن يأخذوا المكان اللائق الذي يستحقونه كجيل غض يصوغ مستقبله بنقاء ومن دون لبس وبلا ارتياب.
وبالعودة إلى نظرية الكؤوس, إذا كان ثمة كأس ممتلىء نصفها, فهو حتماً هؤلاء الشباب الذين يجعلوننا نفتخر بأن أرضنا ليست يباباً, وكل ما هو مطلوب فتح الأبواب والنوافذ للهواء والشمس لتدخل إلى الغرف المغلقة لتساعد البراعم على التفتح, ولا رجاء لنا سوى أن تقتنع حكومتنا. وإذا حصل تكون قد تقدمت خطوة من نظرية الكأس إلى عملية فتح الأبواب على مصراعيها... لتزهر مواسم سوريا بسرعة رغم انف من يزرع الخراب حولها في المنطقة.

بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...