ثقافة الحوار... عادة مكتسبة منذ الصغر بدعامة أسرية
ثقافة الحوار عادة مكتسبة تزرع في الطفل، لتكبر معه فتصبح واحدة من طباعه وعاداته وسلوكياته؟ فالقدرة على الحوار تفتح آفاقا من الحرية والتحليل والتفكير بطريقة منطقية يسعى من خلالها المرء لإثبات وجوده وتثبيت خطاه..
الأمر الذي يَدعو لإدخال ثقافة الحوار في مدارسنا وبيوتنا ومراكزنا الثقافية وكافة الميادين. لكن للأسف تنعدم هذه الثقافة في أماكن عدة، فكثيرا ما ينسبها البعض للوقاحة وقلة الأدب وعدم الاحترام.
ولثقافة الحوار ركيزة أساسية وهي إيجاد قاعدة للانسجام والتعايش والاتفاق على صيغة تقبل الآخر وأفكاره وثقافته واحترام معتقداته مهما كانت متناقضة مع أفكارنا ومعتقداتنا والوصول إلى صيغة تفكير نوعاً ما أو أقرب لتكون مشتركة.
منذ الطفولة الأولى
كما ذكرت سابقا أن الحوار عادة مكتسبة يلعب الأهل دوراً في ترسيخها وبلورتها، عندما يفتحون مجالاً للحوار والنقاش بجميع المواضيع مهما كانت كبيرة.
تبدأ مراحل الحوار منذ السؤال الأول للطفل، فيأتي دور الأم والأب اللذين يجب عليهما تقديم أجوبة صريحة وبسيطة دون كذب أو توار، فيمكن الإجابة عن أكثر الأسئلة إحراجا بطريقة تتناسب مع عمر الطفل وحجم استيعابه.
رولا أم لابنة عمرها ثلاث سنوات:
لدي ابنة عمرها ثلاث سنوات، ومعروف أن أسئلة الطفل حول الأشياء وماهيتها تكثر في هذا العمر لذا أحاول دائماً أن أظهر أمامها بأنني الأم التي تستمتع لأي شيء يشغلها دون ملل.
وبرأيي إن هذا التصرف سيثمر في المستقبل عندما تكبر ابنتي بحيث تتطور بيننا لغة الحوار وتصارحني بكل ما يراودها لنناقشه معا بحوار صريح وبعيدا عن التكلف لأنني عندها لن أستخدم سلطتي الأسرية كأم بل سأكون الصديقة المخلصة لابنتي.
مرحلة المراهقة
هذه المرحلة الخطيرة التي يسعى الشاب خلالها دائماً للتمرد على المحيط وانتقاد العادات وتحطيم القيود لإثبات وجوده والتعبير عن نفسه.
وللحوار أساليب وطرق تختلف باختلاف الآخر الذي نتعامل معه ونحاوره ومكانته، وهذا الشيء الذي يجب أن يعيه المراهق والمحيطون به.
فالبداية من الأسرة وخاصة الوالدين اللذين لابد أن يكونا صديقين من نوع خاص بالنسبة للمراهق، لبعث الطمأنينة في قلب الطفل وأنه مهما قال، ومهما فعل فلن ينزل غضب اللـه عليه ولن يحاسب الحساب العسير.
فأغلب الآباء يسعون دائماً لقمع المراهق والسيطرة على رأيه وتقييد تصرفاته خوفاً منهم على ولدهم من الانحراف، ناسين أنهم في ذلك يضغطون عليه ما يؤدي إلى فلتان الطفل وسعيه دائماً للرفض ولكن بأساليبه الخاصة.
رنا 15 سنة تقول: أشعر بالاختناق كلما فتحت حديثاً مع أمي، كل طلباتي تقابل بالرفض دون أن تكلف أمي نفسها بتبرير موقفها أو إقناعي بسبب اتخاذ قرارها الجائر.
لذلك وصلت أو بالأحرى أوصلتني لمرحلة لم أتمنها يوماً، فقد أصبحت أتصرف ما يحلو لي دون الرجوع إليها أو أخذ الإذن منها.
رهف 18 سنة: أثق بكل ما يقوله والداي لي وأنا أسألهما عن كل جزء من تفاصيل حياتي، والحمدلله يتقبلون كل آرائي ويفتحون المجال للنقاش.
وبالنسبة لي أخاطبهما بكل احترام مع مراعاة طبقة الصوت المنخفضة والأسلوب المهذب في العرض والطلب، وأبوح لهما عن كل ما أرغب.
رائد أب لثلاثة شباب في عمر المراهقة «13 سنة، 16 سنة، 18 سنة»
هناك أمور لا تحتمل النقاش مع الأولاد، فمهما كبروا يظلون في النهاية صغاراً، ونظرتهم قاصرة في الحياة وتقديرهم للأمور غير واع، ولكن أنا مع فتح باب الحوار في بعض المواقف والمواضيع.
الحب من الخطوط الحمراء
إذا فكر أحد الأولاد بفتح قلبه لوالديه ليحدثهم عن قصة حب يعيشها مع أحدهم أو إحداهن فستقلب المعمورة على رأسه خاصة في حال كانت الفتاة هي من تقوم بهذا الجرم غير المغفور الأمر الذي يصدم الشاب أو الشابة مولّدا عندهم رد فعل عكسياً، وليلجأ إلى أحد الأصدقاء الذي لن يفيده بشيء، وفي أحياناً كثيرة قد يوجه له نصيحة تؤدي إلى التهلكة. فبالنهاية يبقى الأصدقاء من عمر واحد وتجاربهم متشابهة وليس في مخزونهم الكثير من العبر والحكمة ليقدموها لأقرانهم.
إيمان أم لفتاتين في عمر المراهقة تقول: لماذا يصبح الحب موضوعا محرما عندما يتعلق بأبنائنا... لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد حين يخوض الابن هذه التجربة... ويتعرض لكل أنواع الضغوط لأن هذه العلاقة من المحرمات... نعم قد يكون ابني أو ابنتي في سن لا تسمح لأي منهما بإقامة مثل هذا النوع من العلاقة، وهنا يأتي دور الحوار الواعي مع الأبناء لتجاوز المرحلة المهمة من حياتهم... هم الآن يرفضون دور الوصي والناصح لكن بإمكاننا وبالحوار شرح معنى الحب لأبنائنا ومتى يكون هذا الحب إيجابياً ونافعا للأسرة والمجتمع ولهم تحديدا... يجب تركهم يخوضون التجربة تحت رقابتنا وتوجيهاتنا وبالتأكيد فإن ما يراه الأهل سيتوصل إليه الأبناء وسيقرون بأن حب أهلهم لهم وخوفهم عليهم هو من سيأخذهم إلى بر الأمان.
الحوار الواعي والحامل للحب الكبير بين الأهل والأبناء هو من يصنع أبناء أكثر وعيا وتحملا للمسؤوليات.
أهمية الحوار
سمر أم لأربعة أطفال تقول: يجب على الأب والأم فتح أبواب الحديث أمام أولادهما وتنويع المواضيع التي سيخوضونها في الحوار معهم مهما كانت محرجة حتى يجد المراهق الأجوبة الصحيحة لتساؤلاته عند والديه بدلاً من البحث عنها بطرق ملتوية وغير صحية، المهمة هنا تقع على عاتق الأبوين اللذين يبعثان الثقة في نفوس أولادهما فيخلقان لديهم إحساساً بالمسؤولية، وهذا لا يحدث إلا عن طريق مجالستهم وفتح نقاشات معهم.
كل شيء إلا الجنس
مازال الجنس يعتبر في مجتمعاتنا خطاً أحمر، الاقتراب منه ممنوع مهما حصل، والأهل دائماً يتهربون من أسئلة أولادهم المتعلقة بهذا الموضوع، لنجد الطفل والمراهق والشاب يتحدثون فيه مع أصدقائهم، أو يحصلون على المعلومات من صفحات الإنترنت والتي كثيراً ما تنشر معلومات خاطئة وغير مراقبة، فعلى الأب التقرب من أبنه والأم من ابنتها وخاصة في مرحلة حساسة كمرحلة المراهقة لأن الشاب مهما بحث فلن يجد صديقاً صدوقاً كوالديه اللذين يحبانه ويخافان عليه وعلى مصلحته ويقدمان له النصح بدافع الحب والاهتمام.
أيهم بني المرجة يقول: تعني ثقافة الحوار بشكل عام احتراماً لآراء وأفكار الآخرين بغض النظر عن طبيعتها، وهي تمثل تقبلاً لوجهة نظر الآخر، كما أنها ثقافة مكتسبة منذ الصغر وتعتمد على تربية الأهل للأطفال والجهات التعليمية التي ترعى تلك الثقافة عند الطفل.
وأعتقد أن «القمع» بكل وسائله من أشد الوسائل إحباطاً لثقافة الحوار، فقد يمارس القمع على الشخص في مراحل متعددة ربما في طفولته أو شبابه أو عمله أو جامعته أو في أسرته... إلخ
وهو يؤثر بشكل سلبي على الشخص ويمنعه من إبداء رأيه وطرحه ومناقشته مع الآخرين وبذلك تكون ثقافة الحوار البناءة انعدمت لديه دون أن يشعر بذلك.
وإذا طرحنا موضوع «الجنس» مثلاً، وهنا أردت أن أطرح هذه المسألة لحساسيتها في مجتمعنا العربي والإسلامي، نرى أن ثقافة الحوار من أنجع الوسائل الحضارية والفكرية التي تخدم هذا الموضوع، فإذا تمت تربية الطفل منذ صغره على ثقافة الحوار بحيث يناقش ما يدور في رأسه مع أهله ستنمو داخله غريزة السؤال والحوار مع الآخرين حول أي موضوع آخر وستنفعه في مراهقته وهي مرحلة حساسة في تشكل الشخصية لدى الإنسان، كما سيجني ثمار تلك الثقافة في عمله ومراحله العمرية بحيث سيغدو مبدعا في الحوار البناء الذي تتطلبه حياتنا.
انعدام لغة الحوار وتبعاته
بتغيب ثقافة الحوار تسود سياسة التسلط والعنف وربما القمع، وهذا من شأنه أن يولد عند المراهق إحساساً بانعدام الثقة، وعدم التوازن، والشلل الذهني، ويفقد القدرة على التفكير والتحليل والتحاور، وسيتبنى بدوره هذا الأسلوب.
وإذا ما تسربت ثقافة القمع والتسلط إلى لغة الشباب مع بعضهم البعض فستنتقل بدورها إلى طريقة تفكيرهم وحديثهم ومفرداتهم وسيؤثر ذلك على علاقاتهم مع بعضهم البعض زمن ثمَّ سيؤدي إلى خلق العنف الاجتماعي.
وتّغييب ثقافة الحوار تبدأ من خلال علاقة الأب مع أبنائه، القائمة على قانون التسلط والإذعان الذي يحكم علاقتهما فيغرس الأب الخوف والطاعة في نفوس أبنائه ويحرم عليهم الموقف النقدي الحواري فيما يتعلق بشؤون الأسرة، ويتعرضون إلى قائمة لا تنتهي من الأوامر والنواهي باسم التربية الخلقية وباسم معرفة مصلحتهم دون أي نقاش، وتتمدد ثقافة التسلط إلى المدرسة والعلاقة بين الهيئة التدريسية والطالب الذي اعتاد التلقين وحُرم النقاش والتفكير فغدا مُستقبلاً سلبياً يعيد ما يسمع كالببغاء.
دارين صالح
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد