الأسـد اليـوم فـي باريـس

12-11-2009

الأسـد اليـوم فـي باريـس

يبدأ الرئيس بشار الأسد اليوم زيارة عمل لفرنسا، تستمر ثلاثة أيام بناء على رغبة الجانب الفرنسي، الذي وسع أفق الزيارة من المحادثات السياسية إلى النقاش الاقتصادي والثقافي بين الجانبين السوري والفرنسي. الأسد متوسطاً قدسي (إلى اليمين) والسيد خلال افتتاحه أعمال المؤتمر العام الخامس للأحزاب العربية في دمشق أمس
وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «سنتطرق في الحديث مع الأسد إلى الوضع في الشرقين الأوسط والأدنى، والجميع يعرف، ويعترف بمكانة سوريا في هذه المنطقة، وسنتناول أيضاً آفاق عملية السلام والوضع في العراق ولبنان، حيث يمثل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل مكونات الشعب اللبناني تطوراً إيجابياً». واضاف «قد يكون لدينا خلافات بشأن إيران مثلاً لكن نعتبر أنه من مصلحة الجميع الحديث مع سوريا في مختلف المواضيع، واعتقد أنه من الضروري القيام بكل ما يمكن من أجل إرساء استقرار هذه المنطقة ودولها».
وكرر ساركوزي استعداد فرنسا للمساهمة في مفاوضات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل التي ترعاها تركيا. وقال «بشأن مواصلة الجهود التي قامت بها تركيا السنة الماضية لرعاية المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، فإنني أكرر ما أكدته خلال القمة الرباعية في دمشق في أيلول العام 2008، وهو استعداد فرنسا للمساهمة في الوقت المناسب». وتابع «أود أن أكرر القول بأنه في كل الأحوال لم تكن نظرة فرنسا والأوروبيين حول الشرق الأوسط ونظرة الولايات المتحدة متقاربتين كما هما اليوم، علينا مواصلة العمل معا».
وقالت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى، أمس، إن برنامج الأسد امتد من ظهر غد الجمعة حيث كان من المقرر أن يغادر إلى صباح السبت، حيث سيلتقي بنخبة من المثقفين والباحثين الفرنسيين وإعلاميين ورؤساء مجالس إدارات عدد من كبرى الشركات الفرنسية المهتمة بالاستثمار في سوريا. وذكرت مصادر عربية وغربية متطابقة أن أهم ملفات الجانبين هي عملية السلام والعلاقات الثنائية، إضافة إلى التطورات الإقليمية، وبينها لبنان وإيران، والمستجدات على الساحة اليمنية.
ويبدأ برنامج الأسد الذي يصل مساء اليوم إلى باريس بلقاء مع إحدى قنوات التلفزة الفرنسية، ولقاء مع الجالية السورية، وذلك بعد أن يكون أجرى حوارا مع صحيفة فرنسية في دمشق، يتزامن نشره مع بدء جدول أعماله والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.
ويلبي الأسد دعوة صباح الجمعة على الإفطار من رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه ومجموعة الصداقة الفرنسية السورية، ينتقل بعدها للقاء ثنائي في الإليزيه مع نظيره الفرنسي، ثم بشكل موسع بحضور أعضاء الوفدين من الجانب السوري وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السـياسية في الرئاسة السورية بثينة شعبان، والفرنسي أمين عام الرئاسة كلود غيان ووزير الخارجية برنار كوشنير.
ويقيم بعدها ساركوزي غداء على شرف الأسد، يلتقي بعدها الرئيس السوري نخبة من المثقفين الفرنسيين من تيارات مختلفة، ويحضر عشاء على شرفه مع كبار رؤساء مجالس إدارات الشركات الفرنسية الكبرى.
ويهدف التركيز الإعلامي إلى توضيح نقاط التلاقي الفرنسي السوري حاليا، ولاسيما بعد «فتح صفحة جديدة من العلاقات» بين البلدين، أو إطلاق «دينامية جديدة» كما يحلو للفرنسيين القول، فيما يهدف النقاش الثقافي إلى توضيح أهمية النظر إلى العلاقة الفرنسية السورية بطريقة مجردة من تفاصيل السياسة اليومية، وذلك ببعديها الثقافي والتاريخي، إضافة إلى الحديث عن تعقيدات المنطقة وتنوعها، والحضور السوري فيها.
وتذكر المصادر أن البارز في خط باريس - دمشق اليوم هو «زاوية النظر والتقييم السياسي أكثر منه المواقف من المستجدات». وتوضح أن «قمة أيلول العام 2008 الرباعية بين زعماء سوريا وفرنسا وتركيا وقطر في دمشق عنونت نفسها «الحوار من أجل الاستقرار»، وكانت تريد القول أنه مع تعدد احتمالات التصعيد السياسي في الشرق الأوسط ينبغي للدول ذات التأثير أن تتفق على كيفية احتواء أي تصعيد في المستقبل، وإدارة حالة الاستقرار السياسي المشوبة بالحذر حاليا في الشرق الأوسط».
ويرغب البلدان في تطبيق شعار «احتواء الأزمات بالحوار والعمل على حلها» وهو ما جرى منذ عام ونصف العام حتى الآن، في لبنان، وعلى صعيد عملية السلام وفي الملف الإيراني. والواضح أيضا، وفقا للمصادر ذاتها والتي تتفق معها مصادر رسمية فرنسية أن الرئيسين قد رسخا هذا المبدأ على مستوى المؤسستين الرئاسيتين، وعلى خط النقاش السياسي القائم بين غيان والمعلم.
وتقول مصادر دبلوماسية غربية إن ما يميز هذه القمة هو عمق النقاش الذي تتسم به، إذ أن الجانبين قطعا خطوات كبيرة حتى الآن، والحديث بين الرئيسين يجب أن يصبح اعتياديا نظرا لتقدم العلاقات، لافتة في هذا السياق إلى أن الاتصالات الهاتفية قائمة، من دون الحديث عن الزيارات المتبادلة، وبينها تكثف الحوار الثنائي منذ شهرين تقريبا بزيارة المعلم لباريس، وزيارة كوشنير التي سبقتها وثم زيارة غيان. كما سبق لساركوزي أن زار دمشق مرتين في أيلول 2008 وكانون الثاني الماضي.
وتؤكد المصادر أن لدى باريس ودمشق الكثير لمتابعة الحديث بشأنه خلال الزيارة، من دون أن تستبعد أن تشير فرنسا إلى جهود سوريا في تسهيل إنجاز تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان، إضافة إلى عملية السلام التي يرغب الفرنسيون في «مد يدهم إليها وذلك من دون التعدي على أدوار الآخرين» في إشارة إلى تركيا. وذلك بالرغم من تأكيد مصادر أخرى على الضفة العربية أن القناعة الفرنسية أنه «ما من شيء يمكن فعله بوجود الحكومة الإسرائيلية الحالية»، وأن ذلك كله «ينتظر تحرر يد الرئيس الأميركي باراك أوباما داخليا لدفع العملية السلمية».
وعلى المستوى الإيراني تؤكد المصادر الغربية أن إيران لا شك ستكون حاضرة بين الأسد وساركوزي، مشيرة إلى أن هذا «الملف فيه اختلاف في وجهات النظر ولكن يجري الحديث فيه بعمق وصراحة، وإن دون الاتفاق تماما». وتضيف «نرى من المفيد التحدث بالموضوع كون سوريا من الدول القليلة التي يمكن استثمار علاقتها مع إيران»، مذكرة «بدور سوري» في الإفراج عن الموظفة في السفارة الفرنسية في طهران بعد الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وتدخل تعقيدات الموضوع اليمني أيضا على خط الحوار، خصوصا نتيجة التخوف من ذيولها الإقليمية وتأثيرها على مستقبل الاستقرار.
وعلى صعيد آخر يمكن القول أن العلاقات الاقتصادية تنافس العلاقات السياسية. إذ تشير مصادر فرنسية إلى ارتفاع معدل الاستثمار الفرنسي في سوريا خلال الأعوام القليلة الماضية إلى عشرات الأضعاف. وتؤكد أن الرقم «انفجر» مؤخرا، وصعد من 10 ملايين يورو من أربعة أعوام إلى 800 مليون يورو حاليا. ومتوقع أن يرتفع هذا الرقم أكثر خصوصا بعد خطوات اتخذت في الاتجاهين، بينها تأسيس مجلس رجال أعمال مشترك، وافتتاح فرع لوكالة التنمية الفرنسية في دمشق، وبدء تبلور دور فرنسي في الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، ودراسة شبكة مترو دمشق، إضافة إلى تحسين مطار دمشق الدولي، وارتفاع الصادرات السورية 8% إلى فرنسا مؤخرا. وكانت مصادر في السفارة الفرنسية قالت أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين كان العام 2007 حوالي 700 مليون يورو. ويرى الفرنسيون أنه يمكن لاتفاقية الشراكة السورية الأوربية أن تساهم في دفع هذا الرقم إلى الأمام، لكن دون أن تربط بين تطور العلاقات الثنائية وهذا الملف، وتقول مصادر سورية مطلعة أن الجانب الفرنسي يعرف موقفنا تماما من هذا الموضوع، ومتفق معنا على تقييمه وفقا لحاجاتنا الوطنية».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...