اعتصام المعارضة اللبنانية: 250 خيمة ملونة والسرايا قلعة محصنة
"رح نبقى هون، مهما عم بيقولوا، مش رح نفلّ من هون حتى يستقيلوا". لافتة بيضاء يرفعها احمد جرادي الآتي من الشياح البنانية، ويجلس معتصما في ساحة رياض الصلح. مطلبه كغيره من المتجمعين "اسقاط الحكومة". هو ينام منذ اول من امس في الخيمة ويؤكد انه لن يبارحها حتى اعلان رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة استقالته.
على بعد امتار منه، يقف هيثم زين بالقرب من الاسلاك الشائكة التي تزنر السرايا، ويمكن كهربتها. يعرّف عن نفسه بأنه "من افواج المقاومة اللبنانية - حركة أمل". ويهتف: "لن ارحل، قبل ان يرحل السنيورة"، يربط هيثم جيدا منديل الحركة ثم يصرخ: "سأراه خارجا من هنا". تمشي بين المعتصمين، فتشاهد الاغطية والثياب وادوات الاكل، وبقية العدّة اللازمة للاعتصام، وترى الأعلام اللبنانية ولافتات "نريد حكومة نظيفة" مع ظهور خفيف لبعض الاعلام الحزبية، وتسمع هتافات "بدنا نقول الحقيقة، الحكومة ما منطيقا".
في صباح اليوم الاول للاعتصام المفتوح التي دعت اليه المعارضة، تسهل الحركة وتبدو الصورة اكثر وضوحا: خيم نصبت في ساحة رياض الصلح، واخرى في الساحتين المقابلتين لكاتدرائية مار الياس للارمن الكاثوليك، وفي الموقف المقابل لبناية اللعازارية، فيما عناصر "الانضباط" يتوزّعون بين الشباب، ويجمعون على ان "الليلة الاولى من الاعتصام مرت بهدوء، ولم يسجل اي احتكاك".
- جولتنا بين الخيم، تبدأ من الخيم التابعة لـ"الحزب الديموقراطي اللبناني" في ساحة الدباس. هناك، تصادف فتاة تحمل صورة كبيرة للأمير طلال ارسلان. يجلس المناصرون ويحلّلون الاحداث، في وقت يتحضر الشباب لتركيز المولد الكهربائي بالقرب من الخيمة. يقول مدير داخلية الحزب لواء جابر: "حتى الان، لنا 18 خيمة، من المقرر ان ينام في كل ليلة نحو 120 من مختلف القرى، الى جانب الفرق التنظيمية التي تبقى في شكل دائم وتتألف من 35شخصا".
وبمبادرة من شباب الحزب، قدّم هؤلاء ورودا الى القوى الامنية والجيش، ليؤكدوا ان تحركهم "ديموقراطي وحضاري".
لحظات وتتنقل بين الخيم، لتقترب من ناشطي "تيار المردة". اللون الفستقي وصور الوزير السابق سليمان فرنجية يغطيان هذه البقعة من الساحة، فيما بعض الشباب يلعب الورق ويتكلم على التحرك الذي بدأ ويريده الشباب مفتوحا.
انصار "المردة" وضعوا ثماني خيم ونحو 200 من تيارهم أمضوا ليلتهم الاولى في الساحة. بعضهم في السيارات وآخرون في الخيم، على ما يقول المسؤول عن الطلاب في "تيار المردة" انطوان فرنجية، مشيرا الى ان "ميزة التحرك، الى جانب اهدافه السياسية، انه سيسمح للشباب بالتواصل بعضهم مع بعض، خصوصا ان الممثلين للجنة التنظيمية يعقدون جلسات لتنسيق الخطوات اللاحقة والبرنامج المقرر".
ضجيج الأغاني الحماسية، لا يخفي اصوات مناصرين يطلقون "زمور الجنرال"، ويهتفون للعماد ميشال عون. وسرعان ما تقترب من البقعة المخصصة لخيم العونيين. هناك تلتقي البرتقاليين الذين اختبروا تجربة الخيم العام الفائت في موقع آخر. ويقول احدهم شادي: "قال العماد عون انه عنيد عندما تكون لديه وكالة من الشعب، ونحن عنيدون ومصممون عندما نناضل من اجل حقوقنا".
الى اليوم، ثمة 150 خيمة لـ" التيار الوطني الحر" تتوزّع في الساحتين قرب كنيسة مار الياس، ويرى العضو في اللجنة التنظيمية في "التيار" جورج حداد "اننا لا نزال في بداية التحرك، وما شهدناه (اول من) امس لم يكن سوى نموذج مصغر لما هو آت. اما المعدّل الوسطي للناشطين الذين ينامون في الخيم فهو بين ألفين وثلاثة الاف، وهناك ما يزيد على 200 شاب حاضرون دائما لادارة المخيم، وخيمنا من كل القياسات والاحجام، وقد يصل العدد الى 250 خيمة "عونية"، والتخطيط جار لاقامة مركز اعلامي ثابت للمعارض والنشاطات".
واذ يلفت الى ان كل تحركاتهم تنطلق من "مبدأ وطني، ويكون عصبه الرئيسي شبابياً"، يكشف ان "العونيين اضطروا الى وضع أعلامهم على الخيم، بعد التجني الذي ساقه بعضهم حول نسبة المشاركة المسيحية، تماما مثل تزوير الصورة عبر اظهار الجزء الفارغ من ساحة الشهداء، علما اننا امتنعنا عن النزول الى الجزء الممتد من ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى تمثال الشهداء، بمبادرة منا، وبالتالي لم نُمنع (من الجيش). مشاركتنا من مناطق كسروان وجبيل وجبل لبنان وبعبدا والحدت كانت كثيفة، مثل البترون وزغرتا، لكننا لم نظهر اعلامنا التزاما لرفع العلم اللبناني، وللحؤول دون وقوع اي استفزاز".
ويعتبر حداد ان " المطالب الثلاثة المرفوعة هي لتصحيح التمثيل المسيحي، ان كان عبر حكومة الوحدة الوطنية او اقرار قانون جديد للانتخابات الذي يؤمن المشاركة العادلة للمسيحيين، ويصحح الغبن اللاحق بهم في المؤسسات العامة".
تجول بين صور العماد عون والشارات البرتقالية، ثم تنتقل الى خيم "حزب الله" وحركة "امل"، حيث عبارات "نحن الوعد الصادق"، " لاننا نحب الحياة، نريد حكومة نظيفة"، وينفخ احدهم النرجيلة ثم يردد: "بدنا نسقّط الحكومة".
ويرشدك الشاب محمد دكروك الناشط في "أمل"، الى الخيم، ويقول : "حتى اليوم، لنا ما بين الـ 15 و 20 خيمة. ومستعدون للبقاء هنا، ولكن نأمل في ان تستجيب الحكومة عاجلا مطلبنا الشعبي". الى جانبه، تقف ملاك وهبي، طالبة في الجامعة العربية. تقول انها ليست من الحركة، لكنها تؤيد " هذه الحركة الاعتراضية لاننا نستحق الحياة في ظل حكم عادل وشريف".
اما عناصر اللجنة التنظيمية في "حزب الله"، فلا يكثرون الكلام. يرفض احدهم ذكر اسمه ويكتفي بالقول: "الى اليوم، ثمة 250 خيمة لمختلف قوى المعارضة، وللحزب 60 خيمة، وبالطبع سيرتفع العدد في الايام المقبلة"، مشيرا الى ان " التواصل مع جميع القوى يتم في شكل جيد جدا".
تترك الشباب، لتتجه نحو المعتصمين قرب السرايا التي تبدو كقلعة محصنة. هناك، تتمركز ملالات الجيش وعناصر الدفاع المدني، فيما المعتصمون يقفون امام الاسلاك او ينامون في الخيم، حيث نصبت 17 خيمة بيضاء، بهدف زيادة الضغط على الحكومة. يبدو المشهد للمشاركين حماسيا، فيما كاميرات التلفزيونات تصوّب نحو المقر الحكومي وتراقب الجموع التي تبدو ناقمة، غاضبة ومنتظرة. وتقول زينب الآتية من الضاحية: "نحن لدينا ثقة عمياء بالسيد حسن نصرالله. ولا بد ان ننتصر في النهاية". ومساء، وفي ساحة رياض الصلح، شارك معتصمون فرحة عروسين حضرا الى الساحة. ثم تكلم عدد من السياسيين، منهم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو والنواب السابقون بشارة مرهج وفيصل الداود وزاهر الخطيب.
واليوم، تقيم "قوى المعارضة الوطنية اللبنانية" قداسا الحادية عشرة قبل الظهر، في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في وسط بيروت، " للصلاة على نية لبنان"، ودعا " التيار الوطني الحر" في بيان الى المشاركة.
بدوره، ينظم الحزب الشيوعي تجمعا قرب صيدلية بسترس- تقاطع الكونكورد، ثم ينطلق في تظاهرة الى ساحة رياض الصلح، الحادية عشرة قبل الظهر، حيث يلقي الامين العام للحزب خالد حدادة كلمة.
منال شعيا
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد