«بطريرك العرب».. من مشرق الشمس إلى قلب الله
وصية إغناطيوس الرابع هزيم للأرثوذكس: «كونوا واحداً بالحق»
عندما سئل بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس إغناطيوس الرابع هزيم ذات مرة، من هو إغناطيوس الرابع؟ أجاب: «هو إنسان يريد أن يكون غاية في البساطة والوضوح، ويريد قبل كل شيء أن يكون في خدمة كنيسته وفي خدمة الإنسانية من دون أي تحفظ».هزيم مسجى في مار نقولا (فادي أبو غليوم)
جسّد رأس الكنيسة الارثوذكسية الآتي من بلدة محردة السورية تلك المفاهيم على مدار 33 عاما أمضاها في سدة البطريركية، فكانت بساطته تغلب منصبه، ووضوحه يخيف من حوله، لا سيما في زمن الأزمات.
كانت نظرته للأمور فريدة في كثير من الأحيان انطلاقا من فلسفته الخاصة في الحياة التي تدعو لأن يكون «الإنسان أولا»، فما كان يراه البطريرك هزيم في السياسة لا يراه غيره، وما يجرؤ على قوله يتجنبه كثيرون، لذلك كانت إطلالاته الإعلامية في مناسبات محددة، والتصريح الذي كان ينتزع منه انتزاعا يعتبر «سبقا صحافيا»، لا يتضمن مباشرا، إنما رسائل مبطنة ولاذعة لطالما أحب هزيم توجيهها لمن يعنيـهم أمر المنطقة، وخصوصا القضية المركزية الحاضرة لدية أبدا فلسـطين، إضافة الى مسقط رأسه سوريا، ولبنان بلد الطوائف الذي كان ينشد فيه أمنا واستقرارا وإنصافا للأرثوذكسيين الذين دفعوا ويدفعون برأيه ثمن عدم طائفيتهم.
كان لهزيم من اسمه الحقيقي الذي لا يعرفه إلا القليلون نصيب. هو «حبيب» الذي فاض حبا على من حوله أينما حل، وفي كل المناصب الدينية التي تولاها، وصولا الى سدة البطريركية، وكان «المحبوب» الذي أسس بالكلمة الطيبة الكثير من المؤسسات الارثوذكسية التي كان صاحب فكرتها ومحركها وملهم إدارتها ومطوّر آدائها.
لم يكن «صاحب الغبطة» يرضى بأنصاف الحلول بما يخص الانسان الذي «خلقه الله على صورته ومثاله»، وكان دائم النصح لرعيته الكبيرة: «كونوا على صورة الله، فهو لم يخلقكم بمفردكم بل خلق معكم الآخر، وعليكم أن تقبلوا هذا الأخر، وأن تتعاونوا وتتكاملوا وتتحاوروا معه لتكتمل بذلك الحياة».
ترك هزيم بصمة لن تُمحى من تاريخ الأرثوذكس في الشرق، وهي أنه البطريرك الأول والوحيد في سلسلة البطاركة الـ165 الذين تعاقبوا على عرش انطاكية، الذي أنشأ جامعة.
ففي صيف العام 1962 انتقل المطران هزيم الى دير سيدة البلمند، وكان ديرا صغيرا مهملا، فعمل بنشاط لتغيير حالته، وأعاد سريعا إحياء مدرسة البلمند التي كانت قد تأسست بفرمان عثماني وحوّلها الى ثانوية بدأ يحث أبناء الكورة على تسجيل أولادهم بها وعمل على تأمين الكادر الإداري والتعليمي الذي يليق بسيدة البلمند التي كان يحملها أيقونة على صدره.
كما أسس هزيم وهو لا يزال مطرانا، معهد اللاهوت الذي يعود إليه الفضل في تخريج معظم مطارنة الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية، وقبل تأسيسه اجتمع بعمداء كليات اللاهوت في أوروبا ووضعوا برنامجاً أكاديمياً يمنح إجازةً في اللاهوت، وتم ذلك بدعم من متروبوليت أميركا الشمالية المطران أنطونيوس بشير الذي اشترط أن تكون إدارة المعهد بيد المطران هزيم الذي رعى طلابه وعمل على تأمين كل مستلزمات المعهد في أصعب الظروف.
بعد انتخابه بطريركا في العام 1979 اتخذ هزيم، إغناطيوس الرابع، اسما له، وبقيت عيناه تشخصان الى تلك التلة البلمندية فوضع الحجر الأساس لجامعة البلمند في العام 1988 وجاب العالم لتأمين الأموال اللازمة للتوسيع والتجهيز والتطوير، فكانت القرية البلمندية القائمة على خمسين ألف م2، والتي تضم تسع كليات تضم أكثر من أربعة آلاف طالب من مختلف الطوائف والمذاهب، و35 مبنى من الطراز المعماري الجميل، فضلا عن سعيه لتعميم فائدتها، وبإخراج الجامعة من التلة البلمندية الى توسيعها في بيروت، وإيجاد فروع جديدة في عكار بدعم من الرئيس عصام فارس الذي دفعه شغفه بالبطريرك الى وضع إمكانيات كبيرة في القرية البلمندية، إضافة الى سوق الغرب على أرض قدمها النائب وليد جنبلاط.
لم يكتف البطريرك المشرقي بذلك، بل عمل على هامش تحقيق حلمه الأساسي بتطوير الجامعة الى بناء العديد من المؤسسات الارثوذكسية التربوية والاجتماعية والرعائية.
رحل هزيم وهو غير خائف على مسيحيي الشرق، «لأن المسيحيين هم أصحاب الأرض وليسوا رعايا، وبالتالي لا يستطيع أي كان أن يهجرهم أو أن يبعدهم عن أرضهم وكنائسهم التي عمرها من عمر المسيحية في هذا الشرق».
رحل هزيم، وهو يدعو بالخير لسوريا وبأن يلهم الله أهلها الصواب لما فيه مصلحتهم الحقيقية، وليس ما يُرسم لهم من الخارج.
رحل قبل أن يطمئن على الأرثوذكس في لبنان الذين شكل لهم لجنة استشارية خاصة لمتابعة حقوق الطائفة في الوظائف وتفعيل حضورها في سلك الدولة، وهو كان قد أوضح لكل المنتقدين «أن الهيئة ليست إطارا ضمن الطائفة، إنما هي من أجل تحصيل الحقوق».
مساء يوم الجمعة الماضي، وفي دردشته الأخيرة مع «السفير» التي كان يجاهر دائما بحبه لها، إثر استقباله نائب رئيس مجلس الوزراء سمير المقبل في منزله البلمندي، بدا البطريرك هزيم كمن يكتب وصيته. خاطب الأرثوذكسيين بالقول: «لا أحد منكم يحتاج الى إذن ليخدم طائفته. الطائفة تحتاج الى جهود الجميع، وهي ترحب بكل من يعمل من أجلها، ولا نريد أن يعمل أحد من ضمن الإطار السياسي بل من أجل تحصيل حقوق الطائفة».
في اللقاء نفسه، أوصى هزيم السياسيين الأرثوذكس: «اعملوا السياسات التي تريدون، انما كونوا واحدا بالحق الذي أعطي لنا في الدستور كسائر الطوائف، ولا يكون إهمال منكم بل كل اهتمام في هذا الشأن. فكل الهيئات السياسية في الطائفة ندعو لها بالتوفيق».
وتمنى هزيم على الشعب السوري ان يأخذ بالجهود التي تبذل لمصلحته وليس لمصالح دول اخرى، داعيا لبنان الى أن لا يتفرق، وأن يكون واحدا وموحدا.
غسان ريفي
البطريرك إغناطيوس الرابع وهـــج مبـــارك ســاطـع
من ينابيع إنطاكية العظمى، المدينة المقدسة، سطع إغناطيوس الرابع وهجاً. والوهج عنده صار وجهاً مجسداً بنهضة عمل على توسيعها من سوريا إلى لبنان، فإلى دنيا الاغتراب المشرقي، بلغة عربية مبينة تحرّك القلب والعقل، وترفعهما إلى وجه المعلم الذي به نتحرك ونوجد.
لم يكن بطريركاً عادياً، بل هو من سلالة الكبار، المولودين من الكلمة. ذاق أن الكلمة هو البدء، ولا بد أن يهبط على تراب المشرق العربي، فولدت جامعة البلمند، من جهاد مضن، ولكنه ممتع، إذ أنه علّم من خلالها، أن الآخر مودود بالنعمة والحق، والمسيحية الحقيقية والعربية هي التي ترعى هذا الآخر فتفهمه أن استقامة الرأي لطف وصلاح ومحبة.
القربى منه انغماس في التراث الأصيل الذي كلّف دماً وعرقاً ونضالاً حتى نكون. وتجدّد بوثبات العقل ورصانة عرف بها، ورؤى محتدمة بذكائه الحاد. كنت إذا قاربته وجدته على بساطة عرف بها أهل القرى، والبساطة فيها جمال، من دون أن يذوب منه الجلال. ولكن البساطة غلّفت عمقاً غنياً، أعانه على توطيد منهجية رعائية واضحة، وسياسية ارتكزت على الحوار مع الآخر بصفاء، ولكن من دون الإفراط بالذات... فالذات عنده لا بد وأن تلتقي مع الذات الأخرى لتبني وطناً وكياناً جديداً يصب في المواطنة.
هذا فهمه حين تتلمذ في الجامعة الأميركية في بيروت على جهابذة كبار، وغاص في لآلئه حين انكبّ على دراسة اللاهوت في معهد القديس سيرجيوس في باريس، فكان جامعاً ما بين الثقافتين العربية والأوروبية. وتكثفت الرؤى أكثر في الحوار المسكوني الذي دأب عليه مع الكنائس الأخرى. فكسب ود قداسة الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني الذي تبادل الزيارات معه، وكان لقداسته أن يزوره في الكاتدرائية المريمية في دمشق تأكيداً على تلك المودة... وحين زار البابا الحالي بينيدكتوس السادس عشر لبنان كان غبطته من بين الذين أكدوا تلك المودة الحقيقية الموروثة. وعمل على الحوار المسيحي ـ الإسلامي بشدة، مؤكداً أن هذا الحوار لا يستقيم إذا لم يسمع صوت الناس، ويشدهم تالياً إلى تأكيد المواطنة بمواجهة ثقافة التطرف النافية لكل جنس.
كان صوت العقل في الأزمات الكبرى من الأزمة اللبنانية إلى القضية الفلسطينية، إلى الأزمة السورية الحالية. القدس عنده معراج المسيحيين إلى السماء، ولبنان مدى للفرادة لا تعرفها الأنظمة الأخرى المحيطة به، وفي هذا الاصطفاف الداكن لا بد من المحافظة على لبنان كمساحة حية للحوار ما بين الطوائف، ذلك أن الحوار وحده يبيد مشاريع الحروب المتنقلة ويقيناً الانفجارات القاتلة. وشجع في الآونة الأخيرة معظم المسؤولين للعودة إلى الحوار كوسيلة حقيقية للإنقاذ... وفي سوريا التي يجيء منها ويعيش في ربوعها، دعا غير مرة إلى حوار سياسي يخرجها من هذه العاصفة الوجودية، ويعيد الاعتبار إليها كوطن له امتداداته الكبرى في العالم العربي. وفي هذا المجال قرأ غبطته في مجالسه الخاصة وفي كل تصريحاته أن الحرب ليست على نظام في سوريا بل هي على سوريا كوجود بالذات، وينبغي العمل على إعادة اللحمة إلى مكوّناتها حتى لا ينفجر المدى العربي ويصير أشلاء متناثرة. واعتبر في كل ذلك أن المسيحيين هم المكوّن الجوهري الذي ينبغي النظر إلى مستقبله انطلاقاً من تاريخانية الحضور.
في هذه الأزمة الحرجة غاب غبطته. ولكن صوت العقل لن يغيب. فسنفيء إليه دوماً مستذكرين أن المحـبة التي ذقناها عنده لا تسقط أبداً. ومهما غاب الجسد، فالوهج هو الساطع.
إغناطيوس الرابع وهج ساطع احتجب خلف الأيقونة، فكلما قبّلناها غرفنا منه، واستضأنا. والوهج وجه. ألا أبقى الله ذكره مؤبداً.
ايلي الفرزلي
«بطريرك العرب».. من مشرق الشمس إلى قلب الله
تلك كانت الومضة الأخيرة للصلبان الثلاثة المستريحة على صدره. في ليلة عظيمةِ شهداء المسيحية القديسة بربارة. القمح على رأس المائدة. جلطة طائشة تقتحم العقل الروحي العروبي. القمح رمزه السنبلة التي لا تثمر إلا بعد موتها. بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم كان تلك السنبلة.
«بطريرك العرب» هو اللقب الذي رافقه منذ اعتلائه السدة البطريركية قبل زهاء ثلاثة وثلاثين عاما. يرحل في لحظة ما يصطلح على تسميته «الربيع العربي». قد يكون رحيل «غبطته» يزيد الوجع في الجسم العربي والسوري واللبناني. أليس هو من قال يوما: «إذا كانت سوريا ولبنان قلب هذا الكرسي الإنطاكي وامتداده الأساسي فكل ما يجرح هذين البلدين يجرحنا في الصميم وما يعزز البلدين يفرحنا في الصميم». وفي الإيمان، خلع ذهب العروش وقال: «الله لا يحصره كتاب ولا مكان ولا أمة».
اسمه حبيب، وهو بتعبير «مستقيمي الرأي»، الأرثوذكسيين «حبيب الرب». في مشرق الشمس، محردة في محافظة حماه، أشرقت نعمة الله على أسعد بطرس وزوجته مريم بقدوم إبنهما حبيب في 4 نيسان 1920.
تفتحت عينا حبيب على نهر العاصي لترتسم مراحل حياته بمحطات تمرد. الشعر غازل روحه في مطلع الشباب لكنه سرعان ما تمرد عليه وجعله في خدمة دعوته الكهنوتية. والده كان المعلم في الحياة وفي المدرسة. تحصيله العلمي المدرسي أنجزه في محردة ليستكمل تحصيله الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت وينال منها إجازة بالفلسفة عام 1945.
درس الموسيقى البيزنطية وعمل كأستاذ رياضيات في مدرسة «الثلاثة أقمار» وكمشرف عام في منتصف الأربعينيات وبداية الخمسينيات. ومن معهد القديس سرجيوس في فرنسا، حصل على شهادة الليسانس في اللاهوت في العام 1949. وفي العام 1953 أسس مدرسة البشارة الأرثوذكسية وترأسها لغاية العام 1962. في العام نفسه، انتخب وكيلا بطريركيا في دمشق، فتوجه الى شمال لبنان ليرأس دير البلمند والمدرسة الإكليريكية فيه. وللمرة الأولى في تاريخ المدرسة أصبحت صفوفها منتظمة وشهاداتها معادلة للشهادات الحكومية. بعد ذلك، حوّل هزيم الدير إلى جامعة وكان أول رئيس لها الراحل غسان التويني والثاني إيلي سالم في العام 1994.
كان هزيم قد وضع حجر الأساس لـ«حركة الشبيبة الأرثوذكسية» في سوريا ولبنان في العام 1942 و«رابطة الشبيبة الأرثوذكسية العالمية» و«المدرسة اللاهوتية» في العام 1953.
حمل البشرى الى أصقاع الأرض كافة في أوائل الثمانينيات ومثل الكنيسة في مؤتمرات عالمية عدة. فإلى جانب اللغات العربية، الفرنسية والإنكليزية، ألم بالروسية واليونانيـة. ولـه ترجمـات ومؤلفات عدة أبرزها «القيامة والإنسان المعاصر (بالفرنسية)».
انتخب هزيم مطرانا على اللاذقية في أواخر العام 1965، ثم اصبح متروبوليت على محافظة اللاذقية في 2 تموز 1979. انتخب بطريركيا على أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس خلفا للبطريرك الراحل إلياس معوض الرابع، وهو سابع بطريرك عربي يجلس على كرسي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. أعطي بعد انتخابه بطريركا لقب «أغناطيوس الرابع» خلفا لثلاثة بطاركة سبقوه باسم أغناطيوس، واستقر في دمشق مقر البطريركية التي تشمل نفوذها الروحي سوريا ولبنان والعراق والكويت وأميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وبقية بلدان الاغتراب.
توقف القلب «المستقيم النبض» عن عمر ناهز الـ92 عاما. زعيم «مستقيمي الرأي الأرثوذكسيين» في الشرق رفع في حياته صوتا لا يجرؤ أي قلب على حمله إلا «بطريرك العروبة الإنطاكية». جهارا أعلن التزامه بقضية الشعب الفلسطيني «كجزء من عقيدتنا». برأيه، «جميع المشرقيين، من مسيحيين ومسلمين كانوا سواسية أمام الغزو الصليبي مثلما هم اليوم سواسية في مواجهة العنصرية الإسرائيلية ومن هنا شجبنا للعنصرية بكل جوانبها التي هي النقيض الكامل لمعنى القدس وروحها».
ذهب هزيم أبعد من ذلك، معتبرا أن «السياسة الأميركية لم تأتنا بالحلول بل بالمشاكل» و«أوروبا وأميركا تحاولان تهويد المسيحية». وبنفس مسيحي مقاوم قال في العام 1985: «يجب ألا نترك الإسرائيليين يرتاحون في شبر من أرضنا. المسيح فلسطيني من بيت لحم والمسيحيون عرب»، مضيفا: «نحن من يجب أن نخاف فلدى غيرنا قوة نووية ونحن عزل. من الغباء توقع الخير من الإسرائيليين، فالمسيح ليس إبن إسرائيل العدوان». وهو قال في اختتام أعمال المجمع الإنطاكي في دير البلمند منتصف تسعينيات القرن الماضي: «القدس هي العاصمة الدينية للمسيحية».
عرف هزيم بعلاقته الوطيدة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وجه اليه يوما كلمة قال له فيها: «لبنان بين يديك ولبنان يحتاج الى أن تتغـير فيه أمور كثيرة وأنت يا سـيادة الرئيـس أعـلم الكل بهذا الأمر». وقال في رثائه: «كانت الرئاسـة لك ثوبا حقيـقيا يليـق بك وأنت تليق به». وتوجه في أربعين الرئيس السوري في القـرداحة الى وريثه بشـار قائـلا: «كن من أنت وإبـق كمـا أنـت وإهنـأ بما أنت».
في بداية الأزمة السورية، قال هزيم عن الأسد إنه «صادق ولا أحد يستطيع تهجير المسيحيين». وفي عز الأزمة، أطلق نداء استغاثة إلى المجتمع الدولي قائلاً «إن ثمة حاجة ماسة لوقف جميع الأعمال العدائية من جانب كل الأطراف في سوريا». وطوال الأزمة، كان يُسأل: «أنت مع من؟»، فيجيب «لا مع يزيد ولا مع عمر. الصغار ليسوا هم من يغيرون الواقع». لم يضع البوصلة يوما. فالقدس حاضرة في عظاته وكتاباته: «القدس ليست الأماكن المقدسة فقط. إنها الشعب المهجر أيضا. القدس بالنسبة الينا مثل مكة للمسلمين ويجوز أن تكون يهودية بأي صورة من الصور».
في أيار 2001، وقف هزيم في مقدم مستقبلي البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في زيارته الشهيرة الى دمشق. ولمع على صدره مؤخرا وسامان: «الوشاح الأكبر» من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووسام القديسين بطرس وبولس خلال تكريم عصام فارس له.
كثيرون ممن أحبوه يتذكرون في غيابه كلمته الشهيرة لدى اعتلائه السدة البطريركية: «أعلم بأنني سوف أحاسب إذا لم أحمل الكنيسة وكل واحد منكم في قلبي. كما أنه لا يمكنني أن أخاطبكم إذا كنت مختلفاً عنكم، لا فرق يفصل بيننا، أنا جزء لا يتجزأ منكم، أنا فيكم وأطلب منكم أن تكونوا فيّ. الرب يأتي وتحل روح الأخوة التي تجمع بين الأمم بالقربان المقدّس بقوة الروح القدس».
غراسيا بيطار
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد