خيارات مجلس الأمن القومي الأمريكي تجاه المسألة السورية
الجمل: استمرت فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري لأكثر من عشرة أشهر، وما هو لافت للنظر أنها مازالت ضمن نطاقها المنحصر المحدود إضافة إلى عدم قابليتها للتمدد والانتشار، إضافة إلى فشل جهود خصوم دمشق الدوليين والإقليميين لجهة القيام بتدويل ملف الحدث الاحتجاجي السوري، فما هي يا ترى معالم خارطة طريق خصوم دمشق الدوليين والإقليميين لجهة المضي قدماً في مشروع استهداف سوريا؟
* دمشق وإشكالية المقاربات الحرجة
تقول المعلومات والتقارير بأن السفير جيفري فيلتمان (السفير الأمريكي السابق في لبنان، والذي يتولى حالياً منصب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط)، قد سعى للإدلاء بإفاداته قبل بضعة أشهر أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، حيث تحدث قائلاً بأن رحيل النظام السوري قد أصبح مؤكداً، ولكن الأيام امتدت إلى أسابيع، والأسابيع امتدت إلى أشهر، والأشهر أصبح واضحاً أنها سوف تمتد إلى أعوام، وما أكده السفير جيفري فيلتمان أصبح واضحاً أنه لن يحدث، وتأسيساً على المنزلقات الخطرة التي انطوت عليها تأكيدات وإفادات السفير جيفري فيلتمان، يشارك العديد من الخبراء المراقبين والمحللين السياسيين، قائلين: لقد بدأ واضحاً أن رهان السفير جيفري فيلتمان سوف لن يتحقق.. فعلى ماذا سوف تراهن واشنطن خلال الفترة القادمة.. خاصة أن حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أصبحت على الأبواب، وبالتالي فإن قيام البيت الأبيض بأي تراجع سوف يفسح المجال لخصومه الجمهوريين باستغلال الموقف لجهة الحصول على المزيد من النقاط الإضافية الداعمة لجهة التأثير على تفضيلات الناخبين الأمريكيين..
لاحظ معظم الخبراء والمراقبين والمحللين السياسيين، أن كل المعطيات الميدانية الجارية تشير إلى أن توقعات واشنطن التي بنتها على أساس إفادات السفير جيفري فيلتمان، قد أصبحت واضحة ضمن مشهد فشل السياسة الخارجية الأمريكية إزاء دمشق، إضافة إلى مشهد فشل سياسات دول مجلس التعاون الخليجي وبالذات محور الرياض ـ الدوحة، ومشهد فشل سياسات أنقرا والتي بدأت هذا الأسبوع وهي أكثر اهتماماً بالبحث عن المخرج من ورطة رفعها لراية العداء ضد دمشق، والتي وإن عادت عليها بالخسائر الاقتصادية والتجارية من جهة، فقد عادت عليها من جهة أخرى، بجزاء "سنمار الفرنسي" وذلك عندما قام مجلس النواب الفرنسي بإجازة قانون تجريم إنكار المذبحة العثمانية ضد الأرمن، والذي تم وضع بنوده وصياغتها بشكل واضح لجهة استهداف أنقرا، وتأسيساً على ذلك جاءت تحركات دبلوماسية أنقرا في البحث عن المخرج هذه المرة عبر لقاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، وما أعقب ذلك من بيان تركي روسي مشترك يقول صراحة بضرورة اعتماد الحل الداخلي السوري ورفض التدخل الخارجي الأجنبي..
* مجلس الأمن القومي: ورطة سياسة سوريا
يعتبر مجلس الأمن القومي الأمريكي بمثابة الكيان الرئيسي المعني بشؤون وضع المحددات الرئيسية لتوجهات السياسة الأمريكية إزاء إنفاذ توجهات حماية المصالح الحيوية الأمريكية في سائر أنحاء العالم، وبكلمات أخرى، فإن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا، وإن كانت تضطلع وزارة الخارجية الأمريكية بترتيباتها العملية والإجرائية، فإن مجلس الأمن القومي هو المعني حصراً بوضع السياقات النظرية والمفهومية المتعلقة بسياسة سوريا، والتي تلعب بدورها عاملاً حاكماً لا تستطيع الخارجية الأمريكية تجاوزه، وفي هذا الخصوص، تقول التسريبات بأن مجلس الأمن القومي الأمريكي، يواجه حالياً مشكلة صعبة لجهة وضع إجابات محددة للأسئلة الحرجة الآتية:
• هل أصبح الملف السوري عصياً على التدخل، أم أن الأمر يتطلب المزيد من الوقت إلى حين تأتي اللحظة المناسبة؟
• ما هو المطلوب من أمريكا وحلفاءها الأوروبيين والعرب والشرق أوسطيين لجهة القيام به حالياً إزاء دمشق بحيث يتم الحفاظ ـ على الأقل ـ على الملف السوري ضمن مجرياته الحالية؟
هذا، وفي معرض جهود البحث عن إجابة للأسئلة الحرجة، فقد سعى اليهودي الأمريكي روبرت إم دانيين ومدير شؤون شرق المتوسط وشمال إفريقيا سابقاً بمجلس الأمن القومي الأمريكي ـ وخبير شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لجهة توضيح خيارات مجلس الأمن القومي إزاء سياسة سوريا، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: المحددات الأساسية إزاء سياسة سوريا خلال الفترة القادمة:
• زيادة الضغط على دمشق.
السعي لعزل دمشق إقليمياً ودولياً.
• السعي لإضعاف القاعدة الشعبية الداخلية المساندة للنظام.
• السعي لجهة دعم جهود التحضيرات لمرحلة ما بعد دمشق.
ثانياً: الخطوات العملية المطلوبة:
• استدعاء السفير الأمريكي من سوريا، وذلك لأن استمرار وجوده يعطي إشارة سالبة مفادها أن واشنطن ما تزال راغبة في التعامل مع دمشق.
• تحذير دمشق من مغبة عدم القيام بتوفير الحماية للبعثات الدبلوماسية وحرية حركة الدبلوماسيين والرعايا الأجانب.
• نشر المزيد من كبار الخبراء والمسؤولين الأمريكيين لجهة التفرغ حصراً في مجالات دعم ومساعدة حركات المعارضة السورية.
• فرض حظر تزويد دمشق بالسلاح والعتاد العسكري.
• الإبقاء على ملف سوريا حاضراً على طاولة مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية إلى حين تسنح الفرصة.
• السعي لجهة تشديد وتصعيد العقوبات على دمشق وأيضاً على حلفاءها.
• السعي لجهة تحويل الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية.
تقول المعلومات والتسريبات بأن مجلس الأمن القومي الأمريكي، أصبح في حالة عجز كامل لجهة القيام بوضع خارطة طريق أمريكية واضحة المعالم لسياسة سوريا خلال الفترة القادمة، وذلك لأن كل المسارات والخيارات التي تم فحصها تبين أنها لا تتسم بالمصداقية: من غير الممكن إضعاف قوة النظام السوري، بعد أن تبين أن مؤسساته تتميز بالتماسك القوي ـ وقوف روسيا والصين الحازم إلى جانب دمشق من غير الممكن التأثير عليه ـ رفض الجامعة العربية لمبدأ المطالبة بالتدخل الدولي على غرار ما حدث في حالة ليبيا أصبح من الصعب تغييره بسبب معارضة العديد من الأطراف العربية ـ تردد إدارة أوباما لجهة القيام بالتدخل المباشر لم يعد من الممكن القضاء عليه بسبب الخلافات الأمريكية ـ تردد حلف الناتو لا يمكن التغلب عليه بسبب تردد واشنطن إضافة إلى تردد أنقرا.
هذا، وإلى حين عثور خبراء مجلس الأمن القومي الأمريكي على إجابات واضحة لمعالم خارطة طريق سياسة أمريكا إزاء سوريا، فإن وقتاً طويلاً سوف ينقضي، وفي هذا الخصوص تقول سخرية القدر لقد استطاعت دمشق أن تجعل خبراء مجلس الأمن القومي كمن يحاول "البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة"!!..
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
الرجاء ثم الرجاء تعديل بسيط
إضافة تعليق جديد