اوكرانيا : الولايات المتحدة تجرنا إلى حرب ضد روسيا

17-05-2014

اوكرانيا : الولايات المتحدة تجرنا إلى حرب ضد روسيا

الجمل ـ جون بيلجير ـ ترجمها عن الفرنسية : ستاليني:

لماذا نتسامح مع خطر اندلاع حرب عالمية جديدة تخاض باسمنا؟ لماذا نتسامح مع الأكاذيب التي تبرر هذا الخطر؟ إن حالة التلقين لدينا, كما كتب هارولد بينتر, هي" جولة من التنويم المغناطيسي المتوج بالنجاح ", كما لو أن الحقيقة " لم تجر أبداً رغم أنها تجري في نفس اللحظة ".
يقوم المؤرخ الأمريكي ويليام بلوم بنشر " أرشيفه المحدث عن موجزالسياسة الخارجية للولايات المتحدة " بشكل سنوي, وفيه يظهر أنه منذ العام 1945 قامت الولايات المتحدة بمحاولة الإنقلاب على أكثر من 50 حكومة, غالبيتها منتخبة ديمقراطياً; وتدخلت بشكل فظ في الإنتخابات في أكثر من 30 بلداً;  وقصفت المدنيين في أكثر من 30 بلداً;  واستخدمت الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية;  وحاولت إغتيال الكثير من القادة الأجانب.
في الكثير من الحالات كانت بريطانيا متواطئة مع أمريكا. إن درجة المعاناة الإنسانية, والمسؤولية الجرمية بصورة أقل, لايتم الإعتراف بها في الغرب رغم وجود تقنيات الإتصالات الأكثر تطوراً والصحافة الأكثر حرية في العالم. أن يكون العدد الأكبر لضحايا الإرهاب- إرهابنا, هم من المسلمين فذلك ما لا يتم النطق به أبداً. كذلك يتم إخفاء حقيقة أن الجهادية المتطرفة, والتي نفذت عملية 11 أيلول, قد تم إختراعها كسلاح للسياسة الخارجية البريطانية ( عملية الإعصار في أفغانستان ). في شهر نيسان الماضي اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية أن ليبيا, وبعد حملة الناتو عام 2011, قد " تحولت إلى فردوس للإرهابيين ".
مع مرور السنوات تغير اسم " عدونا " من الشيوعية إلى الإسلاموية, لكن الأمر كله يرتبط عموماً بكل مجتمع مستقل عن سلطة الغرب ويمتلك موقعاً استراتيجياً وغني بالموارد. يتم التخلص بشكل عنيف من قادة هذه الأمم المزعجة كما حصل للقادة الديمقراطيين محمد مصدق في ايران وسلفادور الليندي في تشيلي الذين تم قتلهما أو كما حصل لباتريس لومومبا في الكونغو والذي تم إغتياله أيضاً. جميع هؤلاء القادة كانوا هدفاً لحملة إعلامية للسخرية منهم و لشيطنتهم – تذكروا فيديل كاسترو وهوغو شافيز و الآن فلاديمير بوتين.
إن الدور الذي تقوم به واشنطن في اوكرانيا مختلف لأن آثاره تمسنا جميعاً. فللمرة الأولى منذ عهد ريغان تهدد الولايات المتحدة الأمريكية بجر العالم إلى الحرب. مع تحول أوروبا الشرقية ودول البلقان إلى قواعد عسكرية لحلف الناتو تم اجتياح " الدولة العازلة " المحاذية لروسيا. ونقوم نحن الغربيون بدعم النازيين الجدد في بلد كان النازيون الاوكرانيون يساندون هتلر. رغم قيادتها للإنقلاب   الذي جرى في شباط الماضي على حكومة منتخبة ديمقراطياً فقد فشلت محاولة واشنطن بالسيطرة على القاعدة البحرية في القرم وهي روسية تاريخياً. قام الروس بالدفاع عن أنفسهم مثلما فعلوا دائماً عند تعرضهم لكل غزو غربي منذ قرن من الزمن.
لكن الحصار العسكري الذي فرضه الناتو تسارع في الوقت الذي ازدادت فيه الإعتداءات على السكان الناطقين بالروسية وذلك في محاولة لدفع بوتين إلى التدخل لمساعدتهم و تأكيد الصورة المسبقة عنه كشخص منبوذ وهذا سيقدم المبرر لحلف الناتو القيام بحرب لا تلبث أن تمتد إلى داخل الأراضي الروسية. وبدل ذلك استطاع بوتين إرباك خصومه بدعوته واشنطن و أوروبا للبحث عن أرضية للتفاهم وبسحبه للقوات الروسية من الحدود الاوكرانية وبدعوته الناطقين بالروسية في شرق اوكرانيا لتأجيل الإستفتاء. إن هؤلاء السكان الناطقين بالروسية والاوكرانية يشكلون ثلث عدد سكان اوكرانيا كان لديهم الأمل دائماً بقيام نظام فيديرالي يعكس التنوع الإثني في البلاد ويتمتع بالحكم الذاتي ومستقل عن موسكو. إن غالبيتهم ليسوا " انفصاليين " ولا " متمردين " لكنهم ببساطة مواطنين يرغبون بالعيش بأمان في بلدهم.
لقد تحولت اوكرانيا, مثل أنقاض أفغانستان والعراق, إلى معسكر تدريب للمخابرات المركزية الأمريكية يقوده مديرها جون برينان في كييف بوجود " وحدات خاصة " من المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي تقوم بوضع " هيكلية أمنية ميدانية " من أجل الإشراف على الهجمات الوحشية التي تستهدف المعارضين لإنقلاب شباط. انظروا إلى مقاطع الفيديو واقرؤوا تقارير الشهود على مجزرة اوديسا. عصابات فاشية أتت بالباصات هي التي أحرقت مبنى النقابات مما أدى لوفاة 41 شخص حوصروا داخل المبنى. انظروا إلى الشرطة كيف تركت العصابات تقوم بالمجزرة. لقد روى طبيب محاولته مساعدة هؤلاء الناس, " تم منعي من قبل النازيين الموالين للنظام الاوكراني وقام أحدهم بدفعي بشكل عنيف وتوعدني بأن دوري سيأتي قريباً أنا وكل يهود اوديسا...إنني أتساءل لماذا يبقى العالم بأسره صامتاً؟ ".
إن الاوكرانيين الناطقين بالروسية يصارعون من أجل البقاء. عندما أعلن بوتين عن سحب القوات الروسية من الحدود قام وزير الدفاع الاوكراني المعين من قبل  الطغمة في كييف وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب" سفوبودا - الحرية " الفاشي بالإعلان أن الهجمات على " المتمردين " ستتواصل. قامت الدعاية الغربية وعلى الطريقة الأورويلية (مشتقة من  جورج اورويل )  بإلقاء اللوم على موسكو واتهمتها بأنها " تدير الصراع والإستفزاز " حسب تعبير وزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ الذي يمكن مقارنة تعبيره المهزلة بالتهنئة الخرقاء التي قدمها باراك اوباما للطغمة الفاشية حول " ضبط النفس المميز " الذي أظهرته عقب مجزرة اوديسا. ورغم أنها غير شرعية وفاشية فقد وصفها اوباما " بالمنتخبة بشكل ديمقراطي ". ليست الحقيقة هي التي تثير الإهتمام بل " ما يتم رؤيته على أنه حقيقي " كما قال يوماً هنري كيسنجر.
لقد تم التقليل من شأن الفظاعات التي ارتكبت في اوديسا في وسائل الإعلام الأمريكية وتم وصفها " بالمشبوهة " وبأنها " مأساة " حدثت نتيجة مهاجمة " قوميين " اوكرانيين (  في الحقيقة هم من النازيين الجدد ) لمجموعة من " الإنفصاليين " ( علماً أنهم كانوا مجموعة من الشبان يقومون بجمع التواقيع على عريضة تطالب بالإستفتاء على نظام فيديرالي في اوكرانيا ). وقامت صحيفة روبيرت مردوخ وول ستريت جورنال بصب اللعنات على الضحايا عبر عنوان صفحتها الأولى : " حريق مميت في اوكرانيا يشتبه بأن المتمردين هم من أشعله كما تقول الحكومة ". في ألمانيا كانت الدعاية تعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة حيث قامت صحيفة   فرانكفورتر الجيمايني تسايتونغ " ( وهي تعني حرفياً " الصحيفة العامة في فرانكفورت " ) بتحذير قرائها من روسيا ومن " حربها غير المعلنة " . إن قيام بوتين بإدانة صعود الفاشية وهو بالمناسبة الزعيم الوحيد في القرن الحادي والعشرين الذي فعل ذلك كان محط سخرية من الألمان.
هناك حقيقة بديهية  شعبية تقول أن " العالم قد تغير " بعد أحداث 11 أيلول. لكن مالذي تغير؟ بحسب دانييل ايلسبيرغ وهو من أشهر مسربي البرقيات حدث انقلاب صامت في واشنطن والعسكر هم من يتولى الحكم الآن. إن البنتاغون يقود حالياً " عمليات خاصة " – حروب سرية – في 124 بلداً. في الولايات المتحدة هناك فقر يتزايد وحريات تنزف وهذا ما يلازم تاريخياً الدولة التي تعيش حالة حرب دائمة. أضف إلى ذلك خطر الحرب النووية, ولكن يبقى السؤال وهو : لماذا نسمح بكل ذلك؟

(عن الغارديان)
المصدر :
http://www.theguardian.com/commentisfree/2014/may/13/ukraine-us-war-russia-john-pilger
رابط المقال :
http://www.legrandsoir.info/ukraine-les-etats-unis-nous-entrainent-dans-une-guerre-contre-la-russie-the-guardian.html
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...